يحاول الكيان الصهيوني دوماً انتهاج سياسة تهدف إلى تثبيط عزائمنا بطرق ووسائل بعضها عسكرية تكتيكية وأخرى بطريقة الحرب النفسية التي تبرز فيها محاولة الاستهتار بقدرات قوى العرب والمقاومة، ويقوم البعض منا أحياناً بالتقليل من قدراتنا ومما حققناه -باعتراف الكيان الصهيوني نفسه- من انتصارات وإنجازات أجبرناه فيها على التسليم بها في ميدان المقاومة.
فـ”موشيه دايان” الجنرال الذي يعد قائد معظم حروب الكيان الصهيوني منذ عام 1948 كان قد أعلن هو و”بن غوريون” رئيس حكومة الكيان الصهيوني في عام 1956 بعد احتلال قطاع غزة أنه «لن ينسحب من القطاع لأن حدود إسرائيل هي الحدود التي تتيح لها الدفاع عن وجودها من دون تحديد أي خط جغرافي» وهي (عقيدة حدود حسب قابليتها لضمان أمن إسرائيل) لتبرير سياسة التوسع والهيمنة، ثم أجبرته مصر عبد الناصر ووقوف سورية إلى جانبها بالانسحاب مع بقية القوات البريطانية والفرنسية التي شنت عدواناً مشتركاً على مصر. وبعد عدوان حزيران 1967 أعلن دايان أنه لن ينسحب من أي أرض احتلها الجيش الصهيوني فأجبرته حرب تشرين 1973 على الانسحاب من مناطق في الجولان السوري المحتل وفي مقدمها مدينة القنيطرة ومناطق واسعة أخرى في سيناء في الحرب نفسها.
وكان من اللافت أن يشهد بن غوريون هزيمة كيانه حين ذهب إلى جبهة الحرب في سيناء أثناء حرب الاستنزاف ويرى جثث قوات الاحتلال بالمئات تسقط ثم شهد قبل أيام من موته في كانون أول 1973 هزيمة جيشه وكيانه في حرب تشرين وكانت هذه الهزيمة آخر ما رآه من مقاومة تفرض الهزيمة على مشروعه الصهيوني في فلسطين وبقية الأراضي العربية المحتلة.
وكان أرئيل شارون قد أعلن وهو رئيس حكومة في عام 2003 أنه «إذا انسحب من مستوطنة نيتساريم في قطاع غزة يصبح كمن ينسحب من تل أبيب» وتبجح بمناسبات أخرى باستحالة انسحابه من أي مستوطنة في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وبعد تصاعد عمليات المقاومة في قطاع غزة بين أعوام 2003- 2005 أصبح شارون أول رئيس حكومة يسحب قوات الاحتلال من أجزاء من فلسطين في القطاع وينزع مستوطنة نيتساريم وبقية مستوطنات قطاع غزة في شهر آب 2005 مستخدماً عبارة «فك الارتباط عن قطاع غزة» لإيهام المستوطنين بأنه لم يهزم ولم تجبره المقاومة على الانسحاب.
وفي الجولان السوري المحتل كانت جميع أحزاب الكيان الصهيوني قبل حرب تشرين تريد أن توهم سورية بأن ”إسرائيل” لا يمكن أن تنسحب من الجولان مهما بلغت التحديات ومهما تمسكت به سورية وأعدت قدراتها العسكرية لتحريره، وبدأت القيادة الصهيونية تحاول زرع أوهامها بأن الجولان غير قابل للتفاوض مهما كانت الظروف، فأجبرتها حرب تشرين على الجبهة السورية على الانسحاب من مدينة القنيطرة، ثم استمرت سورية بإعداد كل إمكاناتها من أجل التأكيد على تحرير الجولان المحتل بالكامل، فاضطرت قيادة حزب العمل الصهيوني برئاسة إسحاق رابين عام 1992 إلى التفاوض بواسطة الولايات المتحدة والرئيس كلينتون، وإلى وضع «وديعة» لدى واشنطن تتضمن قابلية الانسحاب من الجولان.
أما لبنان فقد تعرض لاجتياح القوات الصهيونية في حزيران 1982 وأطلق مناحيم بيغين وكل قادة الليكود وفي مقدمهم شارون وزير الحرب عام 1982 عشرات التصريحات عن رفض الانسحاب من لبنان أو جنوبه وأعدت تل أبيب ما يسمى «جيش جنوب لبنان» بقيادة بعض عملائها لكي يبدأ المشروع الصهيوني بتقسيم لبنان من تلك المنطقة ويؤسس كيانات طائفية ومذهبية على كل أرض لبنان، وفي النهاية تمكنت المقاومة اللبنانية بكافة فصائلها، والتي اصطفت إلى جانبها سورية قيادة وجيشاً وشعباً طوال 18 عاماً، وكذلك فصائل المقاومة الفلسطينية، من هزيمة الجيش الصهيوني وأجبرته على الانسحاب دون قيد أو شرط وتخل عن عملائه الذين هزمهم شعب لبنان وفصائل مقاومته.
وحين يستعرض قادة الكيان الصهيوني هذا الجزء اليسير من سجل هزائم مشروعهم الصهيوني بعد مرور 72 عاماً على اغتصابهم لفلسطين وبقية الأراضي العربية المحتلة، لا بد لهم أن يستنتجوا -حتى لو لم يعترفوا بذلك للمستوطنين وحلفائهم في الغرب- أن مصير هذا الكيان الغاصب لن يختلف عن مصير أي مستعمر تجرأ على غزو وطننا العربي ومنطقتنا واندحر هو وقواته ومشروعه الاستعماري الاستيطاني، سواء في الجزائر والمغرب العربي أو المشرق العربي، ولهذه الأسباب أصبح الكيان الصهيوني يلعب في الوقت المستقطع في ساحة تتزايد فيها قدرة قوى وأطراف محور المقاومة، وهذا ما لم تشهده المنطقة منذ عقود طويلة لا على المستوى الإقليمي ولا على المستوى الدولي، وسوف يشق المستقبل طريقه لمصلحة شعوبنا العربية وبقية الشعوب الحرة في هذه المنطقة مع بداية العقد الثامن على اغتصاب فلسطين.
كاتب من فلسطين