الأصولية، أي أصولية، تتفشى في العقل والقلب كالخلايا السرطانية التي تعمي البصر، وتشل القدرة على التفكير والنطق أيضاً، قبل أن تتوج انتصارها بموت المصاب.
يبدو الرهان على تحويلهم إلى مواطنين صالحين رهاناً غبياً وخائباً تؤكد خطأه تفجيراتهم الحارقة ورصاص ذئابهم المنفلتة والسائبة في بلاد مبتلاة بظلامهم
هذا هو حال المصابين باللوثة الداعشية، وقبلهم القاعديون الذين عادوا من أفغانستان ولم يستطيعوا الحياة في بلاد تتمتع بالسلم الأهلي، فذهب بعضهم إلى تفعيل نشاطهم القاتل من خلال عمليات إرهابية استهدفت الأمن المجتمعي في البلاد التي خرجوا منها مجاهدين مزعومين وعادوا إليها تائبين كاذبين، مثلما حدث في الأردن، وجنوب اليمن، وبعض ليبيا.
لكن معظم هؤلاء لم يستسيغوا الحياة في مجتمعات آمنة حتى وهم يخططون لضرب أمنها، فذهبوا بمجاميعهم الغازية إلى سوريا، التي كانت حتى وقت قريب جغرافيا مفتوحة مع جارتها العراق للتمدد الأصولي والزحف “الجهادي” من كل جهات الأرض، وهو الزحف المخدوم والمغطى أمريكياً في العراق، والمحمي أمريكياً، وإسرائيلياً، وتركياً، في سوريا رغم المواقف المعلنة للكيانات الثلاثة ضد الإرهاب، وأصولياته المؤطرة.
استخدمتهم أجهزة الاستخبارات في واشنطن، وتل أبيب، وأنقرة، وفتحت لهم أبواب الدعم والاستشفاء في تركيا، وإسرائيل، وكانوا يتنقلون بغطاء أمني أمريكي تمكن ذات يوم من تأمين خروج مواكبهم العسكرية التي ضمت آلاف العربات، وكانت تنقل المسلحين بأسلحتهم من الموصل العراقية، إلى الرقة السورية في وضح النهار.
ووصل الكثيرون منهم إلى مستشفيات إسرائيلية تكفلت بعلاج المصابين منهم بعد وصولهم إلى فلسطين المحتلة عبر الجولان.
ولم تكن هجرة الأصوليين وحلفائهم في معسكر المعارضة المزعومة إلى إسرائيل، عمليةً سريةً تجري بتكتم أمني، بل كانوا يفاخرون بعلاقتهم بالكيان الاحتلالي، وتأكيد أن إسرائيل ليست عدواً لأن “الله لم يأمر بمقاتلة اليهود”، وكانوا يفخرون بتخريب سوريا، رغم أنهم لم يقولوا لنا متى أمرهم الله بمقاتلة السوريين!
بعد هزيمتهم في العراق، ومن ثم محقهم في سوريا بدأ هؤلاء الأصوليون بالخروج من جغرافيا الصراع التي ضاقت عليهم كثيراً، وبدأ البعض منهم بالعودة إلى البلاد التي جاء منها أصلاً، ومن هؤلاء بوسنيون، وشيشان، وأفغان وأوزبكيون، وأوروبيون، وعرب ينتمون إلى بلاد مشرق الوطن ومغربه أيضاً.
بالتأكيد لن يتوب هؤلاء، وإن أعلنوا التوبة فهم كاذبون، وقد خبرنا هذا الكذب في مرحلة المراجعات التي أجرتها قياداتهم في السجون، ثم تأكدنا من احتفاظهم بما ملكت أيمانهم من أدوات القتل حين نفذت خلايا منهم عمليات إرهابية استهدفت مجتمعات عربية آمنة في الأردن، وتونس وغيرهما.
ينطلق هؤلاء من مسلمات تحول دون الحوار، وتعتبر التخلي عن المشروع الأصولي كفراً يساوي الردة عن الدين والخروج عن الملة، لذا فإنهم في حقيقة الأمر يرفضون الحوار الجدي، ويقبلون بالمحاورة الصورية من باب أن “الضرورات تُبيح المحظورات”.
ولأنهم يقدمون الموت على الحياة، فإنهم يسعون إلى حتفهم معتبرين الموت تذكرة دخول إلى الجنة، حتى لو كانت هذه التذكرة رانخة بدم الضحايا الأبرياء الذين تؤكد الوقائع أن غالبيتهم الكبيرة من المسلمين الذين كان ذنبهم الموجب للقتل، أنهم ليسوا دواعش!
تستفزني الدعوات التي تصدر بين الحين والآخر للحوار مع هؤلاء وإعادة تأهليهم من أجل استيعابهم مرة أخرى في مجتمعاتنا. ويبدو الرهان على تحويلهم إلى مواطنين صالحين رهاناً غبياً وخائباً، تؤكد خطأه تفجيراتهم الحارقة، ورصاص ذئابهم المنفلتة والسائبة في بلاد مبتلاة بظلامهم.
مكانهم الطبيعي في السجون ليس من قبيل معاقبتهم فحسب، ولكن من أجل حماية الآخرين.
العرب اليوم