في 27 تشرين الثاني 1984 أعدت ثلاثة أجهزة مخابرات هي «الموساد» الإسرائيلي، و«سي آي إي» الأمريكي، وجهاز المخابرات السوداني أثناء حكم جعفر النميري، عملية تهريب 14000 من مواطني أثيوبيا بحجة أنهم يهود من قبيلة (الفلاشامورا) اليهودية وأطلقوا على عملية تهريبهم من أثيوبيا عن طريق السودان إلى الكيان الصهيوني بموافقة النميري اسم (عملية موشيه).
كان الكيان الصهيوني في ذلك الوقت بأمس الحاجة للقوة البشرية ولا يتشجع اليهود في دول كثيرة على الهجرة إليه، وكان جنوده يُقتلون في لبنان بعد الاجتياح الصهيوني للأراضي اللبنانية عام 1982 وقبلت حكومة الكيان الصهيوني بهؤلاء على أنهم يهود رغم الاختلاف الذي ظهر بين المستوطنين والحاخاميين الغربيين حول مدى صحة يهودية هؤلاء الأثيوبيين الذين يصنفونهم من العرق الأسود الأفريقي تاريخياً بينما بقية اليهود وخاصة الغربيين ليسوا من العرق نفسه، وهكذا جرى استيعابهم في المستوطنات وبقي الحاخاميون السلفيون يرفضون الإقرار بأنهم يهود.
وبعد هذا الخلاف توقف مشروع إحضار المزيد مما أطلق عليهم يهود أثيوبيا ولكن وزارة تهجير اليهود حددت آلافاً منهم في السنوات الأخيرة لإعدادهم للهجرة.
وقبل ثلاثة أشهر أرسلت حكومة نتنياهو عدداً من الحاخاميين الذين يتبنون الصهيونية لتعليمهم الدين اليهودي لأن جميع الحاخاميين الآخرين لليهود الشرقيين والغربيين السلفيين – وهم الأكثرية ويتولون قيادة مجلس الحاخاميين الأعلى التابع للحكومة – لا يعترفون بيهودية الفلاشامورا، وذكرت الأنباء في تل أبيب أن الحاخاميين الصهيونيين قاموا بإعداد عشرين من رؤساء هؤلاء الأثيوبيين كحاخاميين لكي يتولوا رعاية 8000 من الأثيوبيين المقرر نقلهم كمهاجرين جدد إلى الكيان الصهيوني، وكان رئيس الوكالة اليهودية المتخصصة بتهجير اليهود في العالم – وهو رئيس حزب العمل سابقاً يتسحاق هيرتسوغ- قد أعلن قبل سنوات أنه لم يعد هناك في أثيوبيا يهود رغم أن أقارب هؤلاء جرى تهجيرهم عام 1984 من أثيوبيا ويعيشون الآن كيهود في الكيان الصهيوني ويبدو أن الخلاف حول يهودية هؤلاء لا تزال تمنع تهجير آخرين لأن الكيان الصهيوني رفض بسبب عنصريته وتمييزه بين الأسود والأبيض أن يقبل بهم يهوداً في مجتمعه، بل إن بعض اليهود رفضوا في المستشفيات أن يتبرع يهودي الفلاشامورا بالدم لأن الآخرين يرفضون استخدام دمه للمرضى.
والحقيقة أن الكيان الصهيوني يشهد في هذه الظروف ظاهرة استعادة اليهود الأوروبيين لجنسياتهم السابقة قبل تهجيرهم ويحصلون خلال أيام على جواز سفر لأي دولة أوروبية بموجب سجل آبائهم وأجدادهم في أوطانهم الأصلية، وقد عرضت قناة 12 العبرية برنامجاً قبل أيام علقت عليه مجلة «ماكور ريشون» الإسرائيلية في 23 كانون الثاني الجاري تسخر ممن لا تهمه «الجنسية الإسرائيلية» ويذهب للبحث عن جنسية ألبانية مادامت تمنحه صفة مواطن في الاتحاد الأوروبي، لأن عروض الحصول على هذه الجنسية أصبح سهلاً ويتيح لصاحبها العمل في أي دولة أوروبية حتى لو لم يكن من أصل أوروبي.
يُذكر أن من يطلق عليهم اليهود الشرقيون (سفاراديم) هم الذين غادروا الأندلس مع العرب المسلمين بعد سقوطها عام 1492 أصبح في مقدورهم استعادة جنسيتهم الإسبانية خلال أيام بعد أن أقر البرلمان الإسباني والحكومة قبل عامين قانون السماح لكل من عاش أجداده في الأندلس من اليهود فقط حتى عام 1492 بأن يكون مواطناً من لحظة تقديمه طلب استعادة جنسيته التي أصبحت الآن إسبانية وليست أندلسية.
وقد ندد أفيغدور ليبرمان وزير الحرب في ذلك الوقت في حكومة نتنياهو بهذا القرار الذي سيجعل ربما أكثر من مليون ونصف المليون إسرائيلي من اليهود الشرقيين قادرين على الحصول على الجنسية الإسبانية الأوروبية وقال ليبرمان إن هذا القانون يسعى إلى إفراغ «إسرائيل» من اليهود.
ولذلك أصبح مسؤولو الكيان الصهيوني بحاجة ليهود حتى لو كانوا من نوع آخر من أثيوبيا لكي يجري استخدامهم كقوة بشرية في جيش الاحتلال حتى لو كانوا من غير اليهود مادام مستوى الدخل في المستوطنات أعلى بأضعاف هائلة من مستوى الدخل في أثيوبيا، وهذا ما يؤكد أن المشروع الصهيوني الذي صنعته بريطانيا الاستعمارية باسم «اليهود والأرض الموعودة» لم يعد يغري اليهود أنفسهم طالما أنهم مازالوا منذ بداية الكفاح العربي والفلسطيني ضد هذا المشروع لا يضمنون أمنهم فيه، ولا يجد الكثيرون منهم ما يضمن مستقبلهم وبقاءهم فيه من دون أن يدفعوا ثمناً باهظاً من حياتهم على يد أصحاب الأرض الحقيقيين المقاومين حتى بعد أكثر من سبعين عاماً على النكبة.