#تأملات_قرآنية: الرؤية القرآنية لحركة التاريخ…بقلم صلاح المصري

#تأملات_قرآنية: الرؤية القرآنية لحركة التاريخ…بقلم صلاح المصري

مساهمةً في بناء أفق فكري، عقائدي، نضالي يجمع بين الأبعاد المختلفة في المسيرة الإنسانية العملاقة.

تحدث القرآن الكريم كثيرا عن قصص الأنبياء السابقين عليهم السلام وعن خصومهم كما تحدث عن قصص جماعات بشرية غريبة بعضها مازال الآن غير معروف لدى علماء التاريخ والآثار، و يكفي أن نتصفح الفهرس الخاص بأسماء السور القرآنية لنجد قائمة طويلة من العناوين التاريخية (البقرة وآل عمران والمائدة والكهف ) من الماضي، كذلك نجد اسماء لاحداث تاريخية مستقبلية (سورة الزلزلة والقيامة والأعراف  والتغابن والنصر) واذا أخذنا قائمة الشخصيات الناريخية  الذين وضعت اسماؤهم عناوين لسور قرانية فاننا نجد ثمانية سور بأسمائهم ( آل عمران ويونس وهود ويوسف وإبراهيم ومريم وطه والأنبياء ولقمان ومحمد ونوح).

ويمكننا تقسيم الاهتمام القرآني بالتاريخ الى مستويات مختلفة:

–التاريخ النقلي:

حيث يسرد القرآن أحداثا تاريخية كثيرة وهنا يقوم بدور علمي اعجازي يتحدى فيه الانسانية ويطلب منها أن تبحث وتفحص وستجده صاحب الحقيقة وهذا ما حدث فعلا مع اليهود ومع المسيحيين، وكان بعضهم يسأل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن احداث تاريخية معينة فيأتيهم الجواب من الوحي بتفاصيل القصص ولعل السؤال المعروف عن ذي القرنين وعن أصحاب الكهف ونفس الأمر التصحيح الذي قام به القرآن في تنزيه الأنبياء عليهم السلام وتثبيت واقعيتهم، كما يمكننا الاعتماد على القرآن الكريم في بناء سيرة نبوية قرآنية تملك درجة اليقين.

–علم التاريخ:

تميز القران الكريم بإبراز البعد العلمي لاحداث التاريخ، و انها احداث خاضعة لمنطق السببية وليست عفوية أو فوضوية، ولذلك يختم دائما بالدعوة إلى العبرة والدعوة إلى التأمل في العاقبة، ونفس كلمة التدبر تعني النظر العميق إلى النهاية والانتباه إلى أن النهاية والخاتمة مرتبطة جوهريا بالمقدمات والأسباب، ((أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ)) وهنا علم التاريخ يقترن بالبناء التربوي للإنسان ويمنح القرآن  للتاريخ  وظيفة تربوية.

–التاريخ المستقبلي:

المغامرة الكبرى التي أنجزها القرآن الكريم هي حديثه المفصّل عن مستقبل البشرية،  وهو حديث بوضوح كامل حيث رسم المراحل القادمة للمسيرة الانسانية، نجد مثلا آية قرآنية تذكر في ثلاثة مواضع، سورة التوبة وسورة الصف وسورة الفتح (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ..)) أو (( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط )). فيضيف القرآن الكريم نمطا جديدا من الإعجاز ونمطا مختلفا من التفكير في حركة التاريخ، يضيف بعد المستقبل ويحسم أمر هذا المستقبل حيث تبدو المسيرة التاريخية الكبرى للانسانية ذات هدف محدد وواضح وحتمي.

ومفهوم الرؤية القرآنية لحركة التاريخ او التفسير الاسلامي للتاريخ، او فلسفة التاريخ في المنظور القرآني، و هي مقولات طرحها مجموعة من المفكرين والفقهاء المسلمين، نخص منهم بالذكر الشهداء الثلاث ، السيد محمد باقر الصدر والشيخ مرتضى مطهري والسيد محمد صادق الصدر.

و تهتم الرؤية القرآنية لحركة التاريخ بدراسة  خصائص المسيرة الانسانية والعوامل المؤثرة في هذه المسيرة و سنن التاريخ ومراحل التاريخ والدور القيادي للصالحين في التاريخ الذي يمكننا  التعبير عنه بمفهوم ” الإمامة في حركة التاريخ “حيث تجمع الامامة مختلف الصيغ القيادية الربانية من النبي الى الوصي والفقيه.

#الرؤية_الكونية_والوعي_التاريخي_والوعي_السياسي:

تمثّل  الرؤية الكونية تعبيرا معاصرا عن  مباحث من  العقيدة في علم الكلام، يعني المسائل المرتبطة بالتوحيد وعقيدة البعث وعقيدة النبوة وتفرعات هذه القضايا، و في مجال العقيدة يتم النقاش في تقديم الأدلة العقلية والبراهين التي تثبت أصول الدين.

اما الرؤية القرآنية لحركة التاريخ فهي تعبر عن حركة هذه الأصول العقائدية في التاريخ، وهي تؤسس الوعي التاريخي في المنظور القرآني.

فيصبح علم الكلام الجديد مشتملا على جزئين:

–الجزء الثابت من العقيدة وهو البحث العقلي المجرد في أصول الدين وتفاصيل هذه الأصول.

–الجزء الحركي من العقيدة وهو الوعي التاريخي الذي يهتم بحركة العقيدة ضمن التاريخ، ضمن الماضي والحاضر والمستقبل.

وتتكامل الرؤية الكونية والوعي التاريخي من اجل تأسيس وعي سياسي.

والوعي يتميز بكونه نظرة خاصة إلى الأشياء وإلى الحركة وإلى الصراع.

ويمكننا أن نعتبر الوعي السياسي هو النظرة الخاصة التي تؤسسها رؤية تاريخية شاملة الى الصراع السياسي الدائر في اي مرحلة او منطقة.

ويفترض بالوعي السياسي أن يجد جذوره في الوعي التاريخي وفي الرؤية الكونية حتى تتحقق درجة عالية من الوحدة والتناغم في الشخصية الفكرية ولا تسود حالة من التناقض الداخلي في شخصية الجماعة أو الفرد.

فنحن يمكننا مثلا بين ثلاث مفردات من المجالات الثلاث المتكاملة:

– العدل الالهي باعتباره أصلا ثابتا في العقيدة الإسلامية،  (( عقيدة او رؤية كونية ))

– إن التاريخ يسير نحو انتصار العدل وقيامة الناس جميعا ضد الظلم، (( الوعي التاريخي ))

–الموقف السياسي المعادي والمقاوم للظالمين، كونوا للظالم خصما وللمظلوم عونا ، (( الوعي السياسي ))

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023