تدبّر في سورة القمر: سورة «القمر» الذي إسمه الحسين وأختِه ذاتِ «الرّيح الصرصر»…بقلم د. نعمان المغربي

تدبّر في سورة القمر: سورة «القمر» الذي إسمه الحسين وأختِه ذاتِ «الرّيح الصرصر»…بقلم د. نعمان المغربي

تمهيد: مُفترَض أن سورة القمر تغطي ﴿ ٱلنَّبَأ الكربلائي:

 

كلنا نعلم حديثيْ رسول الله(ص) في قيمة القرآن الكريم: «كِتَابُ الله، فِيهِ «نَبَأُ»[1] مَا كان قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ»، « من أراد العلم فليقرأ القرآن، فإن فيه علم الأوّلين والآخرين»[2].

وكنت أتساءل دائما: كيف يكون القرآن الكريم حاويا لخبر ما بعدنا، ولا يأتي على «نبإ» حاسم وفارق وتاريخي ذي حجم عظيم ملحميا ومأساويا، وإنسانيا ووجوديا مثل خبر كربلاء التي لا يناقش أحد في عظمته؟؟

وباعتبار أنني متأكد من ألوهية القرآن الكريم وصدق رسول الله(ص) عقلانيا، قمت بعملية استقرائية لكل السور، فوجدت أن هذا ﴿ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ﴾، «النبأ» الحسيني ـــ الكربلائي، مُغَطًّى بالأقل في سورتين: سورة البروج وسورة القمر.

فكيف يمكن أن نثبت هذا المُفْتَرَض بقرائن كل آيات سورة القمر؟

***

الموضوع

تتناول سورة القمرساعة كربلاء التي كانت بقيادة القمر(ع)، الإمام الحسين، مع «قَسْوَرَتِه» (أسوده ). و«ريحه الصرصر»، السيدة زينب( ع)، التي لا يمكن لـ«آل فرعون» في «العالمين» إيقافها،  حتى تستقر الدعوة الإسلامية (الآية عدد3) عند مليك مقتدر (الآية الأخيرة) وهو الإمام المهدي(ع ) مع المهدويين الحاملين ثأر الإمام القمر(ع).

 

ملاحظة 

لم أستطع أن أكون استرساليا في «البيان»(=التحليل)، كعادتي في تعاملي مع  السور القرآنية. فلقد امتلكتني بسورة القمر غصة و ملأتني بكاءً و عاطفةً، رغم أنها لم تغيّب العقل، بل رسّخته.

و تداركتُ ذلك في آخر «الترتيل» بالخلاصة التوليفية.

 

السور الشقيقات:  سورة البروج، سورة الأحقاف.

 

  1. السّاعة و«القمر»:
  • ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ﴾: موعِد ذلك الحدث العظيم جدًّا، المَفْصلي، الحاسِم، المؤثّر، قريب جدًّا.
  • ﴿وَانشَقَّ الْقَمَرُ﴾: سينشق في تلك ﴿السَّاعَة﴾ ﴿الْقَمَرُ﴾.
  • ﴿الْقَمَرُ﴾: هو الإنسان الجميل جدًّا. الإنسان الوضيء، المؤثّر جدًّا وسط الظّلام الملّي والأخلاقي والتدَيّني. لا يُعْرَفُ الإنسان ﴿قَمَرًا﴾ إلاّ وسط الظّلام الدّامس جدًّا جدًّا.

كان الإمام الحسين (ع) «قمرًا»، لأنّه بذاته، جميل جدًّا جدًّا، خلْقًا وخلُقًا، ليس هناك من هو أجمل منه في عصره جَسدًا، وأخلاقًا، ودينًا، واقترابًا من أجمل الخلق على الإطلاق، محمد (ص). قال الشيخ المفيد في وصفه: «وجهه دارة قمر طالع»[3].

وكان عصره عصر ظلام دامس جدًّا جدًّا: أظلم زمن بعد وفاة رسول الله (ص): ساده مستبد ظالم (يزيد بن معاوية)، وعصر ابتعاد لا سابق له عن «الحرية» في الدّنيا.

و«قَمَرَ الماءُ»، قَمرًا وقمرًا: «كثُر»[4]، فالحسين (ع) هو «كوثر» بن «كوثر»، خَيْره وجَماله كثيران، متزايدان كلّ يوم.

  • ﴿انشَقَّ الْقَمَرُ﴾: قُطِّعَ وهُشِّمَ وحُطِّمَ، قدْرًا اجتماعيًّا وجسدًا، ومَرْجَعًا.
  • ﴿وَإِن يَرَوْا آيَةً﴾: من الآيات البشريّة التي أرسلها محمد (ص) بأمر الله تعالى، ﴿يُعْرِضُوا﴾ عن كلّ ﴿آيَة﴾ منها ﴿يَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾، مُنذ ابتداء الرّسالة المحمّدية إلى لحظة الانشقاق ﴿الْقَمَرُ﴾.
  • منْ هو ﴿الْقَمَرُ﴾؟! ليس قمرًا شاحبا، ماديّا، من حجارة وتراب ومعادن، إنّه «قمر إنساني». إنّه «آية»، إسمها علي (ع) انشقّت هامَتُه، ثم اسمها الحسن (ع) استشهد معذبا بالسم. إنّه مرّة أخرى «قمرٌ» إنساني آخر، إسمه: الحسين (ع)، انشقّ كلّ جسده، بعد أن «انفطر» كلّ قلبه.
  • ﴿وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ﴾: لم يتغيّر شيء منذ أبي سفيان: تكذيب للرسول محمد (ص) وأهل «ذكره». فقد رَجَع «الكُفر» أمرًا «مستقرًّا».
  • ﴿وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الْأَنبَاءِ﴾، من الآيات الإنسانيّة النابئة، ﴿مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ﴾، ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ بدْءًا بالنبي (ص)، ففاطمة (ع)، فعلي (ع)، فالحسن (ع)، ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾. فقد ألقوا الخُطَب والمواعظ، وكانوا أخطب البشريّة بعد أبيهم، رسول الله (ص)، دون جدوى، بدايةً، وإن كان تأثيرهم لاحِقًا.
  1. «قَمَرُ» أهل البيت يُنْذِرُ:
  • ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾، ولا تَدْعُ لهم يا محمد، ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ﴾، الذي هو«القمر» الحسين (ع) ﴿إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ﴾، إذْ أنذرهم قائلا: « الحَمْدُ لله الّذي خَلَقَ الدُّنْيا فَجَعَلَها دارَ فَناءٍ وَزَوالٍ، مُتَصرِّفَةً بِأَهْلِها حالاً بَعْدَ حالٍ، فَالْمَغْرُورْ مَنْ غَرَّتْهُ، والشَّقٍيُّ مَنْ فَتَنَتْهُ، فَلا تَغُرَّنَّكُمْ هذِهِ الدُّنْيا، فَإنَّها تَقْطَعُ رَجاءَ مَنْ رَكَنَ إلَيْها، وَتُخَيِّبُ طَمَعَ مَنْ طَمِعَ فيها. وأراكُمْ قَدْ اِجْتَمَعْتُمْ على أمْرٍ قَدْ أسْخَطْتُمُ الله فيه عَلَيْكُمْ، وَأعْرَضَ بوَجْهِهِ الكَريمِ عَنْكُمْ، وَأَحَلَّ بِكُمْ نِقْمَتَهُ، وَجَنَّبَكُمْ رَحْمَتَهُ. فَنِعْمَ الرَّبُ رَبُّنا، وَبِئسَ العَبيدَ أنْتُمْ، أقْرَرْتُم بِالطّاعَةِ، وَآمَنْتُمْ بِالرّسُولِ محَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم، ثُمَّ إنَّكُمْ زَحَفْتُمْ إلى ذُريَتِهِ وَعِتْرَتِهِ تُريدُونَ قَتْلَهُمْ، لَقَدِ اسْتَحوَذَ عَلَيْكُمُ الشّيْطانُ، فَأنْساكُمْ ذِكْرَ اللهِ العَظيمٍ، فَتَبّاً (2) لَكُمْ وَلِما تُريدُونَ، إنّا لله وَإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ، هؤُلاءِ قَوْمٌ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ﴿فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمينَ[5].
  • ﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾، ليحاسبهم الله تعالى على «شقِّهِم» «القمرَ» (ع)، بِحوافرِ خيولهم، وبرماحهم وسيوفهم وأحقادهم وأوتارهم «الجاهلية».
  • ﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ، يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَـذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾: ﴿الدَّاعِي﴾ هو المختار الثقفي أوّلاً، إذ ينتقم منهم ظاهرًا؛ و﴿الدَّاعِي﴾ الحاسم و النهائي هو الإمام المهدي (عليه السلام) آخرا إذ يحطّم كلّ الظلم البشري، مع أنصاره، تحطيمها نهائيّا.
  • إن «القمرَ» الحسينَ (ع) هو وريث نوح، و﴿فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا [الحسينَ، القمرَ، (ع)]، وَقَالُوا: مَجْنُونٌ، وَازْدُجِرَ﴾، فاتهموه بالجنون، ونَحَرُوهُ باضطهادٍ وتعذيبٍ شديدَيْن.
  • هناك في لحظة الانشقاق المأساوي، للجسد القَمَريّ والأجساد القَمرية التي معه ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ [المحمدية] بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ﴾: ماء التغيير والتطهير للبشريّة ولأمّة الإسلام.
  • ﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا﴾: كان انفجار أرض «القمر» (ع) إلى «عيون» «إثني عشر». جاء في سورة البقرة: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى [طلبه لهم ماء الدين] مُوسَى لِقَوْمِهِ. فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ [بعصيانك الشيطانية] الْحَجَرَ [تصلب القلوب]. فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا. قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ [إمَامَهم الخاص]. كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّـهِ، وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (البقرة، الآية 60). وجاء «القمرُ» الحسينُ بانشقاقه المأساوي/الملحمي ليستسقي لأمة محمد، وليعيدَ تَفْجير «الأرض» بتلك «العيون»، فيُعدّد ماءَها؛ فالرسالة المحمدية لم يُكتَبْ لها البقاء إلاّ باستشهاده.
  • ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ الماء» الرسالي المحمدي، الثوري] عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾: «الأمر» هو تغيير العالَم، وانتصار الحق على الباطل.
  • ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾: بقي «القمر» (ع) إذ حُمِل على ﴿ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ هي «فُلك» أهل الذّكر (ع). قال رسول الله (ص): «إنما مَثلي ومَثل أهل بيتي فيكم، كسفينة نوح، مَن ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق»[6]. قال تعالى: ﴿وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ﴾ (يس،42).
  • ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾، يحفظ الله تعالى وسَوْقِه التّاريخي الرشيد، ﴿جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ﴾. قال الحسين(ع): «أيها الناس انسبوني من أنا، ثم ارجعوا إلى أنفسكم، وعاتبوها، وانظروا: هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي. ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق برسوله بما جاء من عند ربه؟!».
  • ﴿وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا﴾: تركنا «فُلْك» آل محمد (ص) إلى يوم القيامة فما بَعْدها. ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾، لمكانة محمد (ص) وأهل ﴿الذِّكْر﴾ (ع).
  • ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾، انتقامًا لانشقاق القمر (ع) وتعذيبه.
  • ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾، بواسطة «أهل الذّكر»[7]، ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾: ألا تتذكّرون وهم يتعاقبون آيةً/علامةً بعد أية/علامة، على سبيل الرّسالة المحمدية؟!

 

  1. «عاد» و«ثمود» مع الفرعون ضد «قَمَر أهل البيت(ع)»:

 

  • ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ﴾: «عادٌ» في الأصل قبيلة يمانية[8]، اعتمَد «كُفْرُها» على الاغترار بالقوة الجسدية. وهي هنا الشق الشَّرّي في اليمن الإسلامية (شمّر بن ذي الجوشن، المغيرة بن شعبة، عبد الرحمان بن ملجم…). وهم كل الشَّرّيّين من المسلمين.
  • ﴿تَنزِعُ النَّاسَ [كلَّ البشريّة]، كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾: «النّخْل»، هو «الاختيار» و«الاصطفاء»[9]. وهو كناية عن «الإنسان» الذي اختاره الله خليفة، و«العربيّ» الذي اختاره الله بيئةً للنبي الخاتم، فكان «عجز نخل منقعر»، أي إسمًا بلا مسمّى.
  • ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾: «ثمُود» في الأصل هي قبيلةٌ من جنوب الشام، ورِثتْها «كَلْب»، أخوال يزيد. رمزًا هي الشِّق «السَّبُعِي» في الشعب الشامي[10] ، وفي كل شعب.
  • ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾: ليس صُدفة أن «قمر» أهل ﴿الذِّكْر﴾، قَمِر آل محمد (ع)، استعمل مصطلحيْن قرآنيين: «لم أخرج أشرًا ولا بَطِرًا[11]»، ﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا، بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ.سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ﴾، (القمر، الآيتان 25 و26). فلقد آتهم ابن زياد الحسين (ع) بأنه خَرَجَ على «الحاكم الشرعي». فردّ عليه الإمام (ع): «إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، وإنما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمة جدّي». ومادة «بَطرَ» في القرآن جاءت في سورة القصص: : ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾: وهي التبختر، أي المَظْهر العملي لـ«الأشِريّة». فهو لم يَخْرج لمزيد تكريس «الأشِريّة» و«البَطَريّة» وإنما لنقضهما والثورة عليهما.

ـــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــ

  • ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ [يا محمد] فِتْنَةً لَّهُمْ﴾: [سنُنزِّل «أهل الذِّكر»(ع) وأصحابهم ذوي «الأناقة» الإنسانيّة والأخلاقيّة، مع «القمر» الحسين (ع)]، ﴿فَارْتَقِبْهُمْ [يا محمد]، وَاصْطَبِرْ﴾.

إن ضمير الأَنْتَ في ﴿فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ﴾ لا نجده في كلّ المقطع الثمودي. فالضمير –إذن- لا يعود إلى «صالح»، وإنّما إلى سيّدنا «محمد» (ص)، المخاطَب دائما في سُوَر القرآن الكريم، صراحةً مرة، وتضمينًا مرّة أخرى.

  • ﴿وَاصْطَبِرْ﴾ [يا محمد] على ما أريْناك من مَقْتل «قمَرِك» الحسين. ولقد كان رسول الله (ص) أوّل باكٍ علي مَقتل الحسين. قالت أم سلمة، «كان رسول الله (ص) الله عليه وسلم جالسًا ذات يوم في بيتي؛ قال: “لا يدخل علي أحد!”. فانتظرتُ، فدخل الحسين، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي (ص) لى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل. فقال: “إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت؛ قال: أفتحبه؟ قلت: أما في الدنيا فنعم. قال: إن أُمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها: كربلاء”. فتناول جبريل من تربتها، فأراها النبي (ص) لى الله عليه وسلم». «فلما أحيط بحسين حين قتل؛ قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء. فقال: صدق الله ورسوله: كرب وبلاء»[12].
  • ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ﴾: «شاء الله أن يراني قتيلا». «شاء الله أن يراهنّ سبايا»، فتنةً/امتحانا، لأمّة الإسلام. و«الناقة»، ج «أنيق»، أي «الجميلون»، «الأقمار».
  • ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَة﴾: اللغة الإسميّة تدلُّ على الراهنية والدّائمية التي تبدأ بالراهنية. نحن منذ إرسالك يا محمد، إنّما أرسلنا ﴿نَاقَةً﴾ كاملة، إثْنَيْ عَشَر﴿نَاقَةً﴾ (جمع «أنيق»)، أي إثني عشر «جميلا»، «قمرًا»، معصومًا لامتحانهم (المسلمين والبشريّة). وأهل «الحسين» وأصحابه هم «ناقةٌ» أيضا.
  • ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾: إنّ ماء الفرات قسمة بينهم، كما كان ماء بدر قسمة بينهم. وإنّ «ماء» الإسلام هو مُشْتَرَكُهُمْ، فعلام قتل «القمر» و«شقّه» بوحشيّة؟!! ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ﴾. ولم يمنع رسول الله (ص) أهل «الكفر» في بدر «الماء» المادي، رغم أنهم غزاة معتدون على حماه، ولكنهم منعوا «قمره» الحسين وشيعتَهُ «ماء» الفرات!!
  • ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ﴾، «صيحة» المختار الثقفي، و«صيحة» يوم المهدي (ع)، هما «صيحة» واحدة، صيحة الانتقام الإلهي لقتل «القمرية» المحمديّة وشقّها بوحشيّة.
  • ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ﴾: «قوم لوط» هم الفرع المرواني(بعد الفرع السفياني) من «الثمودية». ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا [الاغتصاب العباسي للشام الأموية] إِلَّا آلَ لُوطٍ﴾: «آل لوط» آل سيدتنا زينب بنت علي (ع) في ضواحي دمشق، جاؤوا ليُطهّروا بلاد الشام الأموية، ويجعلوها «محمدية». فمحى تعالى ذكر الثموديين، مع فرعهم المرواني، وخلَّدَ ذِكْرَ «القمر» (ع) وذِكر لوط (أي السيدة زينب (ع)) التي استقرّت بالحِمى الشامي المعادي. ف « آل لوط » ﴿نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ[مِنَ القَتِلِ والفناء والمذلة أمام يَزيد] ﴾، ﴿نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ﴾، إذ شكرت زينب (وهي لوط آل محمد) ربّها: «  مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلاً! هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ، فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ».
  • ﴿وَلَقَدْ أَنذَرَهُم [لوطٌ، وهو «زينب»(ع)] بَطْشَتَنَا، فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ﴾.
  • ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِه[ضيفُها هو سيدنا السَّجَّادَ(ع)]﴾، إذ أراد طَاغِيةُ ثمود وسَدوم (يزيد) قَتْلَهُ. فقامت السيّدة زينب (ع) قائلة له: «إن أردت قَتْلَهُ، فاقتلني معه!». لقد أنزلتْ السيدةُ(ع) سيدَنا السجاد(ع) منزلةَ الأضياف لأنه كان مريضًا، مُجْهدًا جدّا. و«الإضافة» هي «الإلجاء»، فقد كانت سيدتنا زينب (ع) ملجأ سيدنا السجاد (ع) في تلك اللحظة العسيرة جدّا.
  • ﴿فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ﴾: طمَس الله تعالى عيونَ بني أمية ويزيد، والوزير المتعصب المنصور بن سرجون ، فلم يقتلوا «ضَيْف» سيّدتِنَا زينب: سيدَنا السجاد (عليهما السلام).
  • ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ﴾: استقرَّ العذابُ على «المسلمين» الناكثِين ب«ميثاقهم» مع سيدنا محمد (ص) يوم الغدير، حتى ما بعد خروج الإمبرياليات التقليدية مِنْ أراضي المسلمين.
  • ﴿وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ﴾: «آل فرعون» هم كل «المتفرعنين»، كل أنماط «التفرعن».
  • ﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾. فكل أنماط «الولاية» الفرعونية ستُجرّب ضاربين كل امكانية لولاية الاصلاح و العدل [13]. ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ﴾.
  • ﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَـئِكُمْ[= أهل بيت الحسين وأصحابه]؟ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ؟![= براءة في ما فعلتموه من تحطيم لعظام صدور هؤلاء الأسُود]﴾(الآية 43).

 

  • ﴿أَمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ[= نحن متحالفون، ولذلك سننتصر]﴾، ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ[14] [تحالف بني أمية مع بعض«المسلمين»، والتحالف «الأعرابيّ» /الفرعوني العالمي] وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾.
  • ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ[ساعة الإمام المهدي (ع)، وأنصاره المستضعفين]. وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ. هنا نلاحظ استدراكًا: ﴿بَلِ. فهذه ﴿السَّاعَةُ ليست ساعة الآية الأولى من السورة. إنها «ساعة» كربلاءِ الحسين (ع).
  • ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾: فلنا «سَوْقٌ» دقيق من أجل انتصار الحق[15]: ﴿أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ (سورة الطارق، 17).
  • ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾.
  • ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ، فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ. انظروا ما فعلنا في كل أعْداء «القمرية» المحمدية الذين تبنوا «الملة» الأموية عبر التاريخ !

 

ـــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــ

  • تحطيم زُبُر القمر(ع) وزُبُر شيعته:
  • ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ، ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ.
  • ﴿الزُّبُرِ﴾: ذُكرت بهذه السورة المباركة مرتين: المرة الأولى في الآية 43، والثّانية في الآية 52 ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ[ =وكل التشويه و التمثيل والفظاعات] فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾،. المرة الأولى عن «زُبُر» ﴿القمر﴾ الحسين(ع)، والثّانية عن«زُبُر» «أهل بيت القمر» وأصحاب «القمر».
  • «الزّبْرة» هي «هَنَةٌ نابئةٌ من الكاهل»، «هي الصّدرة»[16]. وعادة ما تُنْسَبُ إلى «القَسْوَر»(واحد الأسد). و لم يرد ذكر الأسد في القرآن الكريم إلا مرة وحيدة. ذلك لأن الأسدية من صفات آل محمد (ص) الرئيسة (حيدرة، حمزة، الحارث…)، وتجلت أكثر مع الحسين (ع). و لم تكن قافية سورة المدثر بعيدة عن قافية سورة القمر. وقَدْ كان الحسين(ع) وأصحابه في كربلاء «قَسْوَرة» (أسودا)، قتالاً، وكرامة إنسانية وعزة، وحبًّا لله ورسوله(ص) وأهل بيته(ع). و قد وصفهم أحد أعدائهم فقال: «ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها، كأسود ضارية، تحطم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها على الموت. لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية». ولذلك قال عمر بن سعد بن أبي وقاص: «ما رايت أرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منكم، و لو خرجتم إليهم وحدانا لأتوا عليكم»[17]. و وصفه أحد أعدائه فقال: « و الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده».
  • ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ: لقد «شقَّ» الأشِرون، البطرون، الأمويون، «زُبُر» «الأسَد» الحسين (ع) و«زُبُر» «القسورة» الذين معه، أي قتلوهم من جهة الكاهل، أي غدرا.
  • ﴿الزُّبُر هي «القِطَع». «زُبُر الحديد» قِطعُهُ. «زُبُر الحَدَّادِ: سندانُه»، فقد كان الحسين (ع) وأصحابُهُ «سُندانًا» تَكسَّر عليه المَسْعَى الأموي لتحطيم “الملّة” المحمديّة.
  • ﴿الزُّبُرِ هو «القوي الشديد»، «الشجاع». وهل هناك مَنْ أشجع من الإمام الحسين في تلك ﴿السَّاعَةُ التاريخيّة الفارِقة أثناء ذلك ﴿النَّبَأ العَظِيم﴾(كربلاء)؟!!

يصف السجاد (ع) انشقاق الأقمار وما فعل في «زُبُرهم»  في قوله:

«أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. أنا من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله، أنا ابن المذبوح بشط الفرات، أنا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا».

بكى السجاد(ع) على أبيه عشرين سنة. وما وُضِع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولاه: «أما آن لحزنك أن ينقضي؟!!». فقال له:«ويحك إن يعقوب النبي كان له اثنا عشر ابنا، فغيب الله عنه واحداً منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه، وشاب رأسه، واحدودب ظهره من الحزن، وابنه حي في دار الدنيا. وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر رجلاً من أهل بيتي مضرجين بدمائهم حولي، فكيف ينقضي حزني)؟!!».

 

5- الرّيحُ «الصّرصرُ» الزينبيةُ:

_ «الزينب»: «الزينب شجر حسن المنظر، طيب الرائحة»[18]. ومن الأكيد أن رسول الله(ص) لم يُسَمّها كذلك، إلا لتكون شجرة عالية، حسنة المنظر، طيبة الأنفاس إذ لم ترَ من الله تعالى «إلا جميلا»، وهي تتقدم كالشجرة الراسخة، الشامخة، موكب السبايا.

_ ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ﴾ (الآية 19): هذا اليوم «نحس» على كل ﴿آلَ فِرْعَوْنَ﴾ و قوم ﴿عَاد﴾ المغرورين بقوتهم. وهذا «اليوم» الثوري، ليس يوما من الماضي، بل هو ﴿مُّسْتَمِرٍّ﴾: «كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء» حتى نهاية كل الظلم والجور. وذلك «الاستمرار» نقلته السيدة زينب(ع).

  • ﴿صَرْصَر﴾: «الصَّرْصَر» هو فرع الفرات، يَصِلُه بِدِجْلَة (رَمْزًا لكربلاء). السيدة زينب(ع) هي فرع الحسين(ع) إذ تصله بالتاريخ المستقبلي وبلحظة انتصار «العدل» و«القسط» على «الظلم» و«الجور». واللفظة القرآنية إشارة إلى مكانِ ﴿سَاعَة﴾ كربلاءَ التاريخيّةِ العظيمة، تَصِلُنا بالامتداد المحمدي إلى ﴿العَالَمِينَ﴾، بل إلى الخير الدّائم للعالَمين.
  • «الصَّرْصَر»: هو «الجَمْعُ وردّ الأطراف»[19]. لا تَتَوَهَّمنَّ أن «الزُّبُر» الحسينية التي تفرّقت وانشقّت، وأن الرّؤوس التي «فُعِلَ» فيها، قد انتهى أمرها، بل ستكون «ريحًا صَرْصَرًا». فهي لن تجتمع فقط، بل سيجتمع جهادُها من أجل حماية الإسلام المحمّدي ومن أجل بناء «القرية» المحمدية المهدوية العَدْلية، الشاملة والجامعة لكلّ العالم. مَن التي بدأت بـ«جمع» بين الزبر للعالمين؟! إنها «لوط» آلِ محمد (ص)، إنها الصّدّيقة زينب عليها السلام. إنها «الرّيح الصّرصر» في كربلاء!
  • ﴿رِيحٌ صَرْصَر﴾: «الصّرصر» هو «شديد البرد» أو «شديد الصَّوت». فـ﴿نبأ﴾ كربلاء شديدٌ في «صَوتِه» العالمي، بوَسَاطة السيدة زينب (ع)، إلى أبد الآبدين. وكان ذلك «الرّيح الصّرصر» ﴿بَرْدًا وَسَلاَمًا﴾ على الإسلام والمستضعفين؛ وعلى رسالة محمد (ص) إذ ثبّتَتْها إلى يوم القيامة؛ بينما هي:  ﴿نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ﴾ على ﴿آلَ فِرْعَوْنَ﴾، وعلى «الظلم» و«الجور»، حتى عصر ظهور «العدل» و«القسط».
  • ﴿ إِلَّآ ءَالَ لُوطٖۖ نَّجَّيۡنَٰهُم بِسَحَرٖ. نِّعۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَاۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي مَن شَكَرَ﴾(34و35):

قالت السيدة زينب شاكرة: « ما رأيت إلا جميلا». ﴿فَٱرۡتَقِبۡهُمۡ[يا محمد، يا آل محمد، ويا أنصارهم]، وَٱصۡطَبِرۡ﴾ (الآية 27). ذُهِل الصبر من اصطبار السجاد (ع) و زينب (ع) و عشاق أهل البيت(ع) في كربلاء و لا يمكن لـ«الحق» أن ينتصر إلا بالصبر ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ[20]. وقد كان الحسين(ع) على أوقات الصلاة في ذروة الوطيس، ولم تتخل زينب (ع) عن نوافلها وهي في ذروة عذاب مسيرة الأسرى.

 

ـــــــــــــــــــــــــ * ـــــــــــــــــــــــــ

  • 6_ ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ (الآيتان الأخيرتان، 54 و55):

 

في العادة القرآنية، تقترن «الجنات» دائما بـ«الأنهار» ، والاستثناء الوحيد كان في سورة القمر: ﴿فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾. ذلك لأن نهرًا وحيدا يمر بكربلاء، هو نهر الفرات. وهو بالمعنى الباطني هو «نهرُ» «الفتحِ» لعالم الاستكبار نهائيا[21]، إذ قال «القمر»(ع): « أمّا بعد، فإنه من لحق بي منكم استُشهد معي، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح».

أما «المَليك» فهو الإمام المهدي (ع). فالله تعالى هو ﴿الملك﴾ المطلق. فـ«المليك» لا تطلق الا على البشر ؛ بينما المهدي (ع)، المطيع لأوامره العَدْلية والأخلاقيّة، هو ﴿المَليك﴾. قال تعالى عن « ذو القرنين»  (ع): ﴿إِنّا مَكَّنّا لَهُ فِي الأَرضِ وَآتَيناهُ مِن كُلِّ شَيءٍ سَبَبًا ﴾ (الكهف، 84) [22]. فهو محقِّقُ «الفتحِ» الذي ابتدأ تدفقه بـ«نهر» «القمر» وأهلِ بيته وأصحابهِ في معركة كربلاء العظيمة.

 

فالمقصود بـ« المليك» ـ ههنا ـ هو «مليك» «الأرض» المحمدية إذ تصبح جميعا «طهورا»: « جُعلت لي الأرض مسجدا و طهورا»، ثائرا مع أنصاره للقيم «القمرية» التي «استمرَّتْ» في التاريخ الطويل، جاريةً في «النهر» المحمدي الدائم.

 

أما « المتقون»(﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾) الذين « يَبْلُغون» «الفتح»  و «السعي» الثاري الثوري ب حسينيتهم، فهم في ﴿مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ عند ذلك « المليك»، عليه السلام. و « المَقْعد» هو الموقع المجاهَدي المتزامن مع رسول زمانٍ أو إمام زمانٍ، كما تفترضه المرحلة التاريخية: ﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ [= من أهل بيتك الإثنيْ عشر] تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ [= لقتال الشيطانية والاستكبار في العالم] ﴾(آل عمران ، الآية122).

 

خُلاصة:

        اِقْتَربت ساعة انهيار «الشَّرّ» الإنساني بـ«انشقاق» «قَمَر» رسول الله (ص)، «قمر» «ناقة» الرسول /«فُلْكه»: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهْوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾. فقَدْ تتابعتْ «آيات» رسول الله (ص)، أي الأئمة، حتى مجيء «النّوح» المحمدي،ذي العمر والصبر الطويليْن جدا، الوصي الخاتم(ع)، وبذلك يتحقّق وعد الله تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ.

        طوبى لنا «قَمر» محمد، الذي «انشقّ» جسده قِطعة قِطعة، في سبيل الإصلاح والعدل في أمة جدّه(ع)!

طوبى لنا «ريح الصّرصر»، الزّيْنب(ع)، التي أوصَلَتْ صَوتَ «قَمر» أهل البيت (ع) المُنْشق انشقاقًا، وسلَّمَتْ دفّة «سفينة» محمد (ص) إلى «ضيْفها»، و«ضيْفنا»، زين العابدين (ع)!

علينا أن نقتبس من نورِ «القمرية» الحسينية، لنعيش الجمال في حياة حقيقية، وعلينا أن نَكُونَ جزءًا مِن «الرِّيحيّة الصَّرصرَيَّة» التي تَجْتثّ كِيان «الفرعونية» و«السدومية» و  «الثمودية» ﴿رُوَيْدًا﴾ رُوَيْدًا.

فمن اراد أن يبلغ «الفتح» العدلي ـ القسطي للعالم، فما عليه إلا أن« يغرف» «غَرْفة» من «النهر» «القمري» الذي يوصله  عبر «سفينة» «آل محمد» إلى ﴿مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾ عند ذلك «المليك المقتدر» الذي يملؤ «الأرض» بالقيم المحمدية «القمرية».

 

***

الاستنتاج الاستقرائي:

 

تعددت القرائن/ الفرضيات الاحتمالية، و تراكمت، بتدبرنا القائم على الاستقراء التام في آيات هذه السورة المباركة، حتى انتهينا إلى اليقين التام بصدق  تلك الفرضيات الاحتمالية. و هذا ما جربناه مع سورة البروج أيضا.

 

 

 

***

 

 

 

 

 

 

 

 

الملحق عدد1:

 

نبوءة الكتاب المقدّس: من هو قتيل شاطئ الفرات؟

 

إيزابيل بنيامين ماما اشوري

 

 

 

جاء في سفر إرمياء (الاصحاح 46 فما 6 ـ 10)النبوءة التالية، وهي تحكي عن  المستقبل البعيد، حيث كان وصْف إرمياء النبي صحيحا مائة بالمائة. فقد كان الوصف مهيبا رهيب، كأنك ترى ذلك المصروع والجيوش التي التفت حوله :

«أسرجوا الخيل، واصعدوا أيها الفرسان، وانتصبوا بالخوذات. اصقلوا الرماح. البسوا الدروع. لماذا أراهم مرتعبين ومدبرين إلى الوراء، وقد تحطمت أبطالهم وفروا

هاربين، في الشمال بجانب نهر الفرات حيث عثروا وسقطوا ؟ ذلك لأن للسيد رب

الجنود ذبيحة عند شط الفرات».

ثم تقول النبوءة في مكان آخر: «حشر حشرا». وعن أسباب ذهاب هذا السيد إلى

ذلك المكان تقول: ذهب ليرُد سلطته إلى كركميش. ليُحارب عند الفرات في الصحراء

العظيمة التي يُقال لها رعاوي عند الفرات.

وكلمة كركميش تعني كربلاء، وكلمة رعاوي هي جرابلس . والصحراء الواسعة التي تمتد من حدود بابل إلى عرعر، والتي يسميها الكتاب المقدّس رعاويوهي بالقرب من مدفن مقدس لأهل الكتاب إسمه النواويس ولا يُعرف بالضبط السر في

وجود دور عبادة لأهل الكتاب في هذا المكان تحيط به المقابر. ولكن الأخ أنطوان يوسف فرغاني يقول بأن أكثر أهل الكتاب الذين دفنوا في هذا المكان لأنهم كانوا ينتظرون ذلك السيد المذبوح لينصروه لأنه مقدس جدا،            ولكن قدومه تأخر وماتوا وهم ينتظرونه (كما كان نصارى نجران ينتظرون مقدّسا)، ولذلك

لم يُقتل مع هذا المقدس عند نهر الفرات سوى نصرانيّيْن اثنين، يُقال انهم اعتنقوا دين هذا

المقدّس…..

 

***

الملحق عدد2:

قتل القمر

                                                   أمل دنقل

 

 

 

…وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس
في كل مدينة ،
(( قُتِل القمر ))!
شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر !
نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره!
تركوه في الأعواد ،
كالأسطورة السوداء في عيني ضرير
ويقول جاري :
(( كان قديساً ، لماذا يقتلونه ؟))
وتقول جارتنا الصبية :
(( كان يعجبه غنائي في المساء
وكان يهديني قوارير العطور
فبأي ذنب يقتلونه ؟
هل شاهدوه عند نافذتي _قبيل الفجر _ يصغي للغناء!؟!؟))
….. …….. …….
وتدلت الدمعات من كل العيون
كأنها الأيتام – أطفال القمر
وترحموا…
وتفرقوا…..
فكما يموت الناس…..مات !
وجلست ،
أسألة عن الأيدي التي غدرت به
لكنه لم يستمع لي ،
….. كان مات !

يا إخوتي هذا أبوكم ما يزال هنا
فمن هو ذلك المُلْقىَ على أرض المدينة ؟
قالوا: غريب
ظنه الناس القمر
قتلوه ، ثم بكوا عليه
ورددوا (( قُتِل القمر ))
لكن أبونا لا يموت
أبداً أبونا لايموت !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

دثرته بعباءته
وسحبت جفنيه على عينيه…
حتى لايرى من فارقوه!
وخرجت من باب المدينة
للريف:
يا أبناء قريتنا أبوكم مات
قد قتلته أبناء المدينة
ذرفوا عليه دموع أخوة يوسف
وتفرَّقوا
تركوه فوق شوارع الإسفلت والدم والضغينة
يا أخوتي : هذا أبوكم مات !
ماذا ؟ لا…….أبونا لا يموت
بالأمس طول الليل كان هنا
يقص لنا حكايته الحزينة !
يا أخوتي بيديّ هاتين احتضنته
أسبلت جفنيه على عينيه حتى تدفنوه !
قالوا : كفاك ، اصمت
فإنك لست تدري ما تقول !
قلت : الحقيقة ما أقول
قالوا : انتظر
لم تبق إلا بضع ساعات…
ويأتي!
***
حط المساء
وأطل من فوقي القمر
متألق البسمات ، ماسىّ النظر

 

 

 

 

 

[1] في تدبرنا في سورة النبأ تبينا أن «النبأ» هو الحدث أو الفرد أو الجماعة بما هو فعل حاسم وفارق وقطيعيّ، صانع للمستقبل المتوسط والبعيد.

[2] رواهما أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه (29421) الترمذي في سننه (2967) والمروذي في قيام الليل (213) و الدارمي في سننه (3284) والبزار (752) والبيهقي في شعب الإيمان (1883)  ، وذكره الزمخشري في تفسيره.

[3]  الطريحي (فخر الدين)، المنتخب، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، 2008، ص82.

[4]  ابن منظور، مادة: «ق. م. ر.»

[5]  http://imamhussain-lib.blogspot.com/2014/05/blog-post_8079.html

[6]  رواه الحاكم، وقال: «صحيح»؛ وكذلك مُسْلم والطبراني.

[7]  راجع تدبرنا في سورة النحل.

[8]  انظر تدبّرنا في سورة الأحقلف.

[9]  ابن منظور، مادة: «ن. خ. ل».

[10]  انظر تدبّرنا في سورة الشّمس.

[11]  الأشِر: المرِح المتكبّر.

[12]  رواه الطبراني وابن حنبل.

[13]  انظر تدبرنا في سورة المائدة .

[14]  انظر تدبرنا في سورة العاديات وسورة التوبة.

[15]  وَرَدَ ذلك في ابن منظور، مادة: «زبر».

[16]  انظر: تدبرنا في سورة المائدة.

[17]  انظر: أصحاب الحسين (ع) رجال الحقيقة .

[18]  وَرَدَ ذلك في ابن منظور، مادة: «زينب».

[19]  وَرَدَ ذلك في ابن منظور، مادة: «زبر».

[20]  راجع تدبرنا في سورة العصر.

[21]  انظر تدبرنا في المقطع الطالوتي من سورة البقرة.

[22]  انظر تدبرنا في سورة الكهف، حيث حققنا أن « ذو القرنين» هو الامام المهدي(ع) حَصْرا..

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023