لغرض الخوض في هذا الموضوع يجب أن يتم اخذ تاريخ الدولة العراقية بطريقة كاملة، وشمولية للأحداث التاريخية ،باعتباره تاريخ موحد ذو هدف وغاية.
ولغرض الوصول إلى الهدف الذي انيط بوجهة تاريخ الدولة العراقية، مر- تاريخ الدولة العراقية-بعدة مراحل، ومن دون استطاعة تغيير لطبيعة هذا الهدف الذي يتفرع إلى هدف أصيل أساسي، وهدف مكتسب.
الهدف الاصيل هو الوجهة الحقيقية للتاريخ، والمكتسب هو الوجهة التي يراد منها حرف الهدف الأصيل، من خلال احتكاك الإمبريالي بتاريخ الدولة العراقية.
من المؤكد العراق غني عن التعريف الوجودي و الحضاري والقانوني ،بين دول العالم، والهدف الذي يناط بهذه الارض من الناحية الوجودية، تستمد منه الإنسانية وجودها واستمراريتها، الا وهو قيام الامام المهدي، المخلص المذكور في مختلف الاعتقادات الدينية والمذاهب الإسلامية.
لكن، الا يتوجب علينا ايضا السؤال عن الهدف الذي تنشده الإمبريالية من العراق ؟
*- هل هدفهم الاساسي في العراق سياسي ام اقتصادي ام ديني ؟ ام بمجموعهم؟*
*- اين مكمن الخطر على العراق؟ هل هو في بيئة موحدة ؟ ام في الإمبريالية التي لا تؤمن بدين أو شريعة، ولا بكلمة الله التي انزلت على محمد ص؟*
*-مايضيرهم- الإمبريالية- لو قبلوا بكلمة الله ؟*
تساؤلات عديدة، وغيرها الكثير، تم الاستغراق في استنتاجاتها من قبل دوائر الاستكبار العالمي وأدواته في العراق، والشرق الأوسط، حتى
أصبحت ساحات هذا الشرق تجمع كل مسارات وجود الامبريالية التاريخي وبتشعباته المختلفة وخاصة في العراق .
عملية اختزال كبرى تمر بها الامبريالية عبر تاريخها، وقد نستطيع أن نفسر هذا الاختزال ،الى تكرار عملية التوالد الفكري لديها ،التي اوصلتها إلى حقيقة مفادها “لا مناص من مجابهة كلمة الله عز وجل” على الارض، وكان لسان حالها تقول :اذا كان هناك من لديه السلطة على هذه الارض، ويملك المفاصل المحركة للاقتصاد العالمي، فلم لا … على حد قولهم .
منطلقين على اعتبار انهم القطب الواحد، والنموذج الأمثل. … وغيرها العديد من التوالد الفكري النابع من مراكز الدراسات التي تغذيه، هذه الماكنة الفكرية أصبحت تعاني من هستيريا ” ان هناك مقاومة في أرض هذا الشرق أخذت على عاتقها الدفاع عن كلمة الله العليا وجعلها نبضا يتحركون به ونورا للاجيال القادمة” . ولكي لا نذهب بعيدا في بحثنا هذا، نركز على ان الامام المهدي سليل ال بيت محمد “ص” المخلص سيكون حكمه من أرض الكوفة في العراق.
إذن وقوع العراق في براثن الإمبريالية ليس وليد اللحظة، انة من المسلمات لتوالد الاحتكاك بين النقيضين، مثل الخير والشر في الفعل والموقف، ومثله الحق والباطل، ومثله التوحيد وتعدد الآلهة، و كلمة الله و كلمة الطاغوت، وقد يتبادر إلى اذهانكم اننا نعيش في عصر يحتوى كل تلك الأمثلة، وهذا ما موجود فعلا في الساحة العالمية .
الميكانزمات التي ساعدت الإمبريالية على إسقاط العراق في براثنها في العصر الحديث عدة أمور أبرزها:
١- مجيء حزب البعث العراقي إلى السلطة، الذي قاد حرب لثماني سنوات 1980-1988, ضد الثورة الاسلامية الايرانية، وهذا ما اغاظ دوائر الاستكبار العالمي، لان مسألة قيام دولة تحمل في منهاجها مفهوما فكريا عن الامام الثاني عشر من ال البيت، ومخلص الإنسانية، انها كلمة الله التي ظنت الإمبريالية انها أصبحت ميتة وتخلصت منها إلى الأبد، فكان لابد من مواجهة، الفكر الذي يبشر بها، ومنعها من الاندماج مع المساحات الجغرافية التي تغذيها عبر ثرواتها البشرية الحاملة لهذه الكلمة .
*(كانت حربا طاحنة للعراق وإيران معا، تم فيها انهاك الجانبين بحرب لا طائل منها)* حصل نظام صدام حسين على دعما دوليا ليستمر بحريه تلك . فكانت دول الخليج العربي تسك للجيش العراقي ما يعرف بانواط الشجاعة، على اعتبار أنه الحارس للبوابة الشرقية . ليتضح بعد خروج العراق من هذه الحرب، ان نفس دول الخليج التي كانت تسك انواط الشجاعة، انها كانت تسرق نفط العراق مثل الكويت، وبعضها احتلت مساحات واسعة من مناطق الحياد مع السعودية والعديد من المساحات الجغرافية مع الأردن.
تعرض العراق خلال تسلم النظام السابق 1980تحديدا إلى امساك مفاصل الدولة بيد منهج فكري بعثي توالد منه فئة حملت هدف الإمبريالية، فتم تنتيف ريش العراق، وإهدار طاقاته البشرية، وثرواته المعدنية واستباحة حدوده، فجعل النظام العراقي آنذاك، معظلة امام العراق مع عمقه العربي، وخلق أزمة ضبط أولويات ومصلحة الدولة العراقية، فقام باحتلال الكويت، وبداية عصر التضخيم، للكويت التي تحرك العالم لأجلها، ولمجلس التعاون الخليجي الذي انيطت به مهمة عسكرية موحده هي إسقاط العراق وخلع انواط الشجاعة التي تصنع لديهم، ووكلوا حسني مبارك ليوقع بدلا عنهم بالموافقة على اعتبار العراق محورا شريرا يجب التخلص منه، وهكذا زمجرت دبابات وطائرات التحالف الدولي والعشرات من الدول، لتأديب العراق، فدمرت البنية التحتية العراقية وخاصة قطاع الطاقة، وأبرزها الكهرباء، فكانت ساعات انقطاع التيار الكهربائي تتجاوز الأيام والأسابيع وحتى الأشهر.
مشكلة الكهرباء في العراق الان وليدة تلك الحقبة وعلى يد الأمريكي، وكما تم قصف الجيش العراقي على الرغم من انسحاب الجيش من الكويت .
٢- سقوط برجي التجارة العالمي 2001 في أمريكا، وكان المتهم القاعدة، ابراج عالمية للتجارة والمال، يفجرها مجاميع تابعين للقاعدة، هذه القاعدة التي تأسست من مجاميع الإخوان فتوالدت حركة عرفت بالهجرة والتكفير، هاجرت إلى أفغانستان( نظام تجاري عالمي ينهار -بيد نظام عقائدي سلفي وهابي متواجد في مختلف دول العالم).
ليتوالدا الاثنان في أرض العراق وبعنف عندما أعلن بوش الابن في 2002 ان لصدام حسين علاقة بالقاعدة، وله علاقة بتفجيرات برجي التجارة العالمي، انتقل الصراع الامبريالي إلى الشرق وتحديدا هدفه العراق ولا بديل عن الاستئثار بالعراق بعد أن خلت الساحة الا من الفكر الرأسمالي الامبريالي، ليتقاسم الجغرافية، التي شهدت نمو بذور كلمة الله، ويملأ الفراغ الناتج من اضمحلال نظام صدام.
ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك، قيام الولايات المتحدة بتحويل الحملة الدولية العسكرية على العراق، في 2003 من تحرير إلى احتلال، مما يبين أن نوايا الولايات المتحدة كانت مبيتة، وخاصة أن كل من بريطانيا وأمريكا ربطتا العراق منذ خمسينيات القرن الماضي باحلاف ومعاهدات ذات بعد عالمي. دولي لصالحهما، مثل حلف بغداد 1955 ومبدأ ايزنهاور 1957، الذي استهلكته الولايات المتحدة في حروبها الأخيرة 1990-2021 لتبقي على مفهوم عالم أحادي القطبية .
إذن، العراق منذ 2003, دخل عمليا في مواجهة ومن داخل أرضه، مع الإمبريالية وبكل تشعباتها السياسية والاقتصادية أو نظرياتها الوضعية التي عبئتها خلال مسيرتها التاريخية، وبكل تفاصيلها الواضحة والتي تمحورت على الحفاظ على الأحادية القطبية، وتجفيف اي منابع للقوة قد تقوم، تمارس عملية التلاقح مع الفكر الحامل لكلمة الله، وبغض النظر ان كان التلاقح ياتي من باب اقتصادي او سياسي أو حتى عسكري، فما بالك بقوى ودول تعتبر منافسة للولايات المتحدة مثل الصين وروسيا، أو أوربا، ولغرض تحقيق هذا الهدف كانت العولمة أبرز حل لإلحاق الدول بالنموذج الأمريكي والاذعان للقطب الأقوى، فكانت حركة رأس المال واسقاط كيانات الدول من خلال الإخلال بتوازن الأنظمة المالية فيها ومطاردة قوت الشعوب باعتبارهم الخطر الأكبر وليس الحكومات، كان الكيان الصهيوني هو وسيلة الإمبريالية لخلق هذا المناخ وهي المستعمرة الأساسية التي تستقطب وتخلق التنافر بنفس الوقت، فهي مستعمرة على درجة عالية من التقنية، والرفاهية، والتسليح لكنها بنفس الوقت دينية، إذن قشور نماذج الدول يتم استقطابها بكل ما سبق، الا العقيدة “الدين”فانها تخلق التنافر بكل أبعاده، وبالتالي فهي ضد من ينفر من الطرح الصهيوامبريالي للدين، الا وهي المقاومة.
وبما أن الطرح الديني الإمبريالي هي ضد كلمة الله، فإن المقاومة هي مع كلمة الله .
الحوار الاستراتيجي العراقي الأمريكي.
إشكالية: بعد كل ما ذكرنا، هل توجد قوائم عادلة للحوار الاستراتيجي بين العراق وأمريكا؟
استخلص العراق الحضاري والوجودي، ومن خلال مشواره المرحلي في القرن الواحد والعشرين مع دولة ناشئة تدعى أمريكا اعتبرها المفكرون انها النموذج الأخير بأقصى ما يصل إليه الفكر الانساني، لذلك حملت تجربتها إلى الشرق، وكلها امل ان تكون هي الاقوى في الميدان وتستطيع أن تصرع كلمة الله . فكانت خطواتها في العراق، انها عرضت على العراق أن يلحق بالنموذج الأمريكي الفيدرالي، فنهالت، مشاريع التقسيم والفيدراليات والأقاليم تحيط بالعراق من كل جانب وبكل أرض الشرق، واستباحة الحدود وإهدار الثروات وسرقتها، وعصابات تكفيرية تتواجد عند تواجد الأمريكي، قتل عشوائي، وقصف الجيش، وقصف مواقع المقاومين، ليطل الصهيوني من بين الرؤوس، مرتعدا رافعا سبابته، معترفا ان حريق أرض الرافدين منبعه واساسه. وانه ماضي بتمزيق كلمة الله كما مزقها في الماضي على لسان عيسى عليه السلام .
إذن، الدولة العراقية الحديثة التي يرأسها مصطفى الكاظمي، هي في الحقيقة، لا تنتمي من الأساس لحقيقة الصراع الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، لأنها نابعة منه، ولأنه جهاز حكومي يمثلها هي، وأمريكا واثقة ان هذا الجهاز الحكومي لا يخدم مسار نمو كلمة الله في أرض العراق، لذلك من خلال هذا الخط لا توجد أي استراتيجية عن التواجد الأمريكي من عدمه في العراق وإنما واقع حال ان الجهاز الحكومي هو غطاء لهذا التواجد، ويتم اثارته- التواجد وتقليل عدد القوات- لضرورات قواعد الاشتباك على أرض الرافدين، والخط الذي بمثل قواعد الاشتباك في العراق هو الجيش العراقي والحشد الشعبي وبيئتهما الحاضنة، لا غير .
ولو تتبعنا مواقف الحكومة العراقية ومن خلفها أمريكا، حيال قضايا تخص الشارع العراقي بالصميم، مثل قضايا الأمن، وقضايا الإرهاب، وقضايا الاقتصاد والطاقة والبيئة، وقضايا السياسة، والعلاقات الثقافية، نلاحظ أن هناك تفاصيل تحت كل عنوان من هذه القضايا، هناك يد أمريكية تخترقها وبالتالي فهي تخترق الدستور العراقي، والحكومة العراقية تقف حيال هذا الموضوع كالمتفرج، لان معظم من في الوزارات السيادية هم ممن يرتكبون الخيانة العظمى تجاه العراق، ويغض القضاء و القانون العراقي الطرف عنهم، من دون أن بوجه لهم تهمة الخيانة. هذا ساهم إلى حد ما إلى إبراز منظومة الفساد الدولية، التي تقود البرامج الحكومية التي يتم إعدادها، كنماذح شبيهة والنموذج الأمريكي الفيدرالي وجعلها أطر تقود الدولة .
لا طريق امام العراق الا تفعيل قرار البرلمان العراقي في2020 القاضي لإخراج القوات الامريكية من العراق، لأنه يستند إلى مخرجات قانونية، تسببت إلى أن يفقد العراق أبرز مقاتليه ضد الإرهاب التكفيري الدولي داعش، ناهيك عن تجاوز الطائرات الامريكية الدولة العراقية وخرق السيادة وقصف قادة العراق، وهذا لا يستوجب موافقة مكونات فيدرالية، لان خطر داعش،طال الجميع، وسماء العراق سماء لكل العراقيين، وسيادة العراق هي سيادة كل عراقي امام اي أمريكي، ولا مجال للمهادنة.
* رئيس مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية العربية الاوربية في باريس