عرضت وسائل الإعلام الغربية قبل أكثر من سنتين – ومن بينها موقع مجلة مركز استوكهولم للحرية في 26 أيار 2017 – وثائق تقر فيها الأمم المتحدة في شباط 2016 بأن أردوغان أرسل شحنات أسلحة ومتفجرات إلى «الجهاديين» في ليبيا بهدف زيادة قدراتهم وتوسيع سيطرتهم إضافة إلى الدعم المالي الذي كان يصلهم من قطر المتحالفة مع أردوغان في عمليات وأهداف دعم الإرهابيين في سورية ومصر والعراق والسودان وتونس.
لم يُحاسب أحد أردوغان على تهريب السلاح إلى كل هذه الدول وليس إلى ليبيا وحدها، بل إن ترامب كان من أهم المتواطئين معه ومع قطر في هذه العمليات والأهداف امتداداً لسياسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وخطته في تدمير الحكومات الوطنية والقومية وتبديلها بالقوة بحكومات تقودها تيارات ومجموعات «الإخوان المسلمين» في كل هذه البلدان التي استهدفها أردوغان منذ بداية ما يسمى «الربيع العربي»، ولذلك أشهر أردوغان سيف العداء لكل هذه الحكومات الوطنية، وعمل على تفتيت قدراتها لفرض نفسه حاكماً إسلامياً أو سلطاناً عثمانياً..وكان من الطبيعي أن يستقبل جميع قادة «الإخوان المسلمين» ومنهم رئيس «حكومة طرابلس» فايز السراج المعترف به من الأمم المتحدة بدعم أمريكي – أطلسي، لكن ترامب كان أكثر خبثاً من أوباما لأنه اختار تقديم الدعم للجهتين المتقاتلتين في ليبيا ليضمن مصالحه من كل طرف سواء سيطر حفتر أو السراج ما دامت أنقرة والدوحة تنتميان للنادي الأمريكي – الأطلسي.
وفي هذه الظروف التي تعمل فيها تركيا وقطر معاً ضد كل هذه الدول العربية لا يمكن أبداً استبعاد محاولاتهما استقطاب وإحياء كل فلول مجموعات «داعش» المهزومة في سورية والعراق، كما لا يمكن استبعاد أن تتحول ليبيا إلى قاعدة لهذه المجموعات واحتمال نشرها في الدول المجاورة لأن مشروع أردوغان جعل من تركيا قاعدة تدريب وتسليح لها، ونصّب نفسه مرجعاً عليها في كل مكان تعمل فيه.
لكن من المؤلم والمؤسف جداً أن نشهد مثل هذه السياسة التركية – القطرية، ولا نشهد في المقابل جهوداً مشتركة أو تنسيقاً سياسياً فاعلاً من قبل معظم الدول العربية لمواجهتها.
لقد أثبتت سورية وحلفاؤها أن هزيمة الإرهابيين في الأراضي السورية يمكن أن تشكل هزيمة لهم في كل مكان من الأرض العربية، وأن المراهنة على إدارة ترامب لا تساهم إلا في استمرار لعبته في توظيف الدول الحليفة والصديقة له حتى لو تنازعت فيما بينها – كما يجري بين الدوحة والرياض – لإضعاف الدول والحكومات الوطنية وتقوية المجموعات الإرهابية التكفيرية وإعادة إحياء من هُزم منها وتوحيدها تحت راية أردوغان ومشروعه العثماني القديم الجديد.
وفي محصلة هذا التحدي الذي تواجهه سورية وحلفاؤها تصبح مهمة تصفية كل المجموعات الإرهابية التكفيرية ومنع تقديم الدعم لها في أولوية جدول العمل المشترك لكل الدول المستهدفة، لأن محاولات نشر إرهاب هذه المجموعات بدأت تتجه نحو تجنيد بعض المواطنين المسلمين في الصين نفسها لاستخدامهم في حرب داخلية في الإقليم الصيني الذي يعيش فيه الإيغور، فالجميع يلاحظ أن معظم وسائل الإعلام الغربية كثفت حملاتها المغرضة ضد الحكومة الصينية مرفقة بحملات تحريض المسلمين في الصين على التحرك ضد الحكومة، وهذا يعني أن الغرب المتحالف مع الإرهابيين والدول التي تدعمهم بدأ يوسع تحريضه لتأليب المسلمين في بعض أقاليم الصين على حكومتهم وإشعال فتيل الحرب الطائفية والمذهبية في الأقاليم التي يعيش فيها المسلمون في روسيا الاتحادية، وفي هذا التحرك الغربي لا يمكن استبعاد أن يستعين الغرب بأردوغان ودوره الذي يتناسب مع تحريضه عدداً من التيارات الإسلامية الأخرى غير العربية.
والكل يعرف أن الولايات المتحدة صنعت منظمة «القاعدة» الإرهابية التكفيرية لأغراضها ولم تتخل عنها حتى بعد قيامها قبل 18 عاماً بتفجيرات نيويورك في 11 أيلول عام 2001، فقد وجهتها عام 2003 بعد الاحتلال الأمريكي للعراق لشن حرب مذهبية داخله ثم ولدت منها «داعش» لشن حرب إرهابية على سورية والعراق معاً، ونقلت «داعش» إلى ليبيا ومصر وتونس والسودان تحت جناح أردوغان، ومع ذلك. ما زال ميزان القوى يميل لكفة سورية وحلفائها والدول والحكومات العربية الوطنية والقومية التي تتصدى للإرهابيين ومن يدعمهم، ولا بد من أن يكون النصر حليف كل المعادين للإرهاب التكفيري.