بعد مضيّ 155 يوما على طوفان الأقصى، يحُقّ لنا أن نسأل أنفسنا: أين وصلت القضية الفلسطينية؟ وماذا حقّقت المقاومة من هذا الطوفان؟ سؤالين يستدرجان أسئلة أخرى تسعى لمعرفة دقائق ما يجري على أرض فلسطين السّليبة، وما يستتبعها من مواقف خارجها، لكن قبل ذلك دعونا نختصر بدايات محنة فلسطين.
بمؤامرة بريطانية غربية قام الكيان الصهيوني، ولولا استهانة وتواطؤ الممالك العربية أمام ما حدث في فلسطين، ففي بداية النكبة 1948(1)، ونظرا لكون أغلب بلادنا كانت تحت الاستعمار، تفاعلت شعوبنا مع مظلومية الشعب الفلسطيني الشقيق، فهبّ منهم من هبّ لنصرته، في معركة غير متكافئة، انتهت بهزيمة العرب، الذين غلبت عليهم الحماسة والعاطفة، دون نظر وتخطيط، سيما وأنهم كانوا حديثي عهد باستعمار فرنسي وبريطاني، تركهم تحت نُظُمٍ ملكية متخلّفة وعميلة للغرب.
مقابل نكسة الشعوب العربية، وبداية مأساة فلسطين، اعترفت تركيا الأتاتوركية بالكيان الصهيوني، في أقل من سنة من اعلانه (1949) (2) كأنّه كان مكافأة له على انتصاره على العرب، هذا الوضع التركي المتوارث حكومة عن أخرى مستمرّ إلى اليوم، ومواقف الحكومة التركية اليوم لا تتعدى الكلام وخطابات الخداع، ذلك الموقف التركي المعترف بشرعية الكيان الغاصب، شجّع إيران الشاهنشاهية على النسج على منواله، بعد الإنقلاب الذي دبّرته بريطانيا على حكومة مصدّق الوطنية، وأسفر على إعادة الشاه إلى حكمه سنة 1953 (3)
مبادرة الدولتان إلى الإعتراف بالكيان الغاصب، كان بسبب ركونهما إلى عمالة واضحة للغرب، فتركيا انضمت إلى الحلف الأطلسي سنة 1952 وهي منذ أن قدّمت مطلبا للحصول على العضوية الكاملة في السوق الأوروبية منذ سنة 1959، وهي إلى اليوم تلهث من أجل الموافقة عليه، بعد جملة من التنازلات الداخلية لعلّ اهمّها، نزوع السلطة إلى اتّباع النظام العلماني، الذي اعتمدته الدّول المؤسسة والأعضاء في السوق الأوروبية المشتركة، لكن الدولة التركية لم تحقّق شيئا مما كانت ترجوه إلى اليوم، وبقيت مؤاخذات الدول الأعضاء قائمة عليها، خصوصا في مجال حقوق الإنسان.
أمّا ايران الشاهناشاهية، فقد ارتبطت من جهتها بأمريكا، وطبيعي أن يكون لبريطانيا حصّة من الفوائد، العائدة إلى هاتين الدولتين الإستعماريتين، بما أعطاها سلطة خارجية، مهيمنة على دول الجوار الذين كانوا بدورهم تبّعا لأمريكا، يتهيّبون منها ويمتثلون لأوامرها، ولا يردّون لها طلبا، ونتذكر جيّدا كيف تدخلت إيران الشاه عسكريا في عُمان، بطلب من السلطان قابوس، من أجل لأخماد ثورة ظفار الإشتراكية سنة1973 (4)، التي كان يدعمها الرئيس المصري عبد الناصر، والرئيس الليبي معمّر القذافي.
في سنة 1964 وشعورا من شخصيات فلسطينية معروفة بانتماءاتها القومية واليسارية، وبعد انعقاد المؤتمر العربي الفلسطيني الأوّل في القدس، وشعورا منهم بالحاجة الماسّة لوجود هيكل سياسي يمثل فلسطين من أبنائها، تأسّست منظمة التحرير الفلسطينية، وهي منظمة سياسية شبه عسكرية، ذات نزعة قومية طغى عليها الفكر اليساري، انضمت إليها عدة حركات، منها حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش، التي قامت بعد النكسة سنة 1967 (5) في محاولة للأخذ بزمام القضية الفلسطينية من طرف أهلها.
أمّا الحركات ذات النزعة الإسلامية، مثل حركة الجهاد الإسلامي، التي أسسها الشهيد فتحي الشقاقي، وحركة حماس التي أسسها الشيخ الشهيد أحمد ياسين، والجبهة الشعبية القيادة العامة المنشقة عن الجبهة الأمّ، بقيادة المرحوم أحمد جبريل، فقد علّقت منها من علّقت عضويتها في المنظمة، واستثني منها من استثني، حيث كانت المنظمة مطيّة سهلة الركوب، امتطاها عبد الناصر والقذافي، أثروا في مواقفها وقراراتها، خصوصا مسار التسوية وحلّ الدوليتين، التي فرضتها الدول العربية على القيادات الفلسطينية العلمانية.
وبانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وقيام نظامها الإسلامي تغيّر مسار القضية من الإطار العربي الضيّق إلى إطار أوسع منه وأجدى، وهو الإطار الإسلامي، فتأسست حركات إسلامية مسلحة في فلسطين ولبنان واليمن، تعهّدتها إيران بالدعم الكامل، إيمانا منها بأن فلسطين لن تتحرر، طالما بقيت بعيدة عن إطارها الإسلامي الطبيعي الذي بإمكانه أن يعطيها قوّة اضافية، ويوسّع مداها في الحلّ، وقد شاهد العالم إنجازات المقاومة الإسلامية، التي تحققت في مواجهة الكيان الصهيوني، في لبنان وفلسطين، ما أعطى انطباعا عاما بصواب الطّرح الإسلامي، بخصوص القضية الفلسطينية، بالدليل الملموس الذي لا يقبل التشكيك فيه، ومن زمن الهزائم انتقلت القضية إلى زمن الانتصارات التي بدأت تتحقّق بداية من سنة 2000.
ما دعت اليه إيران من مقاومة بخصوص القضية الفلسطينية، وعملت على تأليف عناصرها، كان ولا يزال الحلّ الوحيد، الذي بإمكانه أن يدفع بها قُدُما نحو غلق ملفّها، بإزالة الكيان الصهيوني من على أرض فلسطين، ولن يتحقّق ذلك من دون انخراط الشعب الفلسطيني بفعالية في مشروع التحرير، ولا يخص هذا قطاع غزة من دون الضفة وعرب48، فلا بدّ من تسليح المناطق الفلسطينية، والتخطيط لعمليات مقاومة الوجود الصهيوني بكافة اشكاله، بما في ذلك المستوطنين، الذين هم جزء لا يتجزأ من المنظومة الأمنية والعسكرية للكيان الغاصب.
معركة تحرير فلسطين قادمة لا محالة، وسوف لن يكون الشعب الفلسطيني وحده في هذه المواجهة المصيرية، ذلك أن دول الجوار معنية بها، وعلى من تهمّه القضية الفلسطينية أن يستعد لها، وخطر بقاء كيان صهيوني عنصري في المنطقة مهيمنا عليها عسكريا، لا ينسجم مع حرّية شعوبها، وأهدافها في الأمن والرّقيّ، وأقول للذين يهربون من مسؤولياتهم من الحكام وقسم من شعوبهم، إذا لم تنتبهوا إلى خطر الكيان الصهيوني المحدق بكم عسكريا، فأعلموا أنكم مازلتم أسرى وهْمِ تفوّق الغرب ودعمه له، وبالتالي بقاء عقلية استحالة تحرير فلسطين عالقة في الرؤوس، استفيقوا من تهاونكم وتنصّلكم من واجباتكم، فقد لاحت بوادر التحرير من خلال ما أنجزه طوفان الأقصى، الذي يمثّل باكورة مقاومة صادقة تسعى بحقّ وصدق نحو تحرير كل فلسطين، ولن يحول بلوغ ذلك الهدف غرب ولو اجتمعوا له، ذلك أن تحرير الأرض له ثمنه، كلّما بهظ كلما اقترب النصر.
المراجع
1 – حرب 48 https://ar.wikipedia.org/wiki/
2 – العلاقات التركية الإسرائيلية https://ar.wikipedia.org/wiki/
3 – العلاقات الإيرانية الإسرائيلية https://ar.wikipedia.org/wiki/
4 – ثورة ظفار https://ar.wikipedia.org/wiki/
5 – الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين https://ar.wikipedia.org/wiki/