من يرى الغطرسة الأمريكية في هذه الآونة، وقد بلغت أوجها تجاه إيران الإسلامية، حيث جنّد طاقم البيت الأبيض الأمريكي، أدواته السياسية والإستخبارية والعسكرية، لآخر حلقة من الضغط عليها، قد يفسرها البعض ترهيبا من دولة عظمى لدولة ناشئة، وآخرون استدراجا لإشعال حرب، اقتضاها الحال الذي بلغته إيران، بتأسيسها وقيادتها لمحور مقاومة عتيد، أصبح اليوم على أتم الاستعداد لمواجهة أي طارئ، حرب خاطفة يتمناها الكيان الصهيوني – مع توجسه الشديد من نتائجها- لعلها تفك عنه هاجس التهديد بزواله، ويترجّاها عملاء الخليج الثلاثة الأوائل، في قائمة الدول الأكثر عمالة لأمريكا في العالم،( السعودية/ الامارات/ البحرين)، وهذه حماقة لا يمكن تقدير مدى ضعف عقول أصحابها، ولا تبدو قطر في موقع البريئة من ذلك كله، بدافع الحسد والبغض، وعقد أخرى من الجهالة والتخلّف.
واقع الحال بخصوص النظام الاسلامي الإيراني، يؤكد على أن الاستهداف الأمريكي الصهيوني، بمن جرّ معه من لفيف عملاء- دورهم فقط مقتصر في دفع الأموال لأعداء إيران والامة الاسلامية – متعلّق بشكل وثيق ومباشر، بمشاريعه الإسلامية التي تبنّاها وروّج لها ودعا إليها، منذ انتصار ثورته الاسلامية سنة 1979، وأوّلها مشروع تحرير فلسطين، وقد وقفت إيران منذ ذلك الزمن إلى جانب الشعب الفلسطيني، مخيّرة ذلك المسار النضالي مدفوعة بمبادئها الإسلامية، ومضحية من أجله بتكالب الأعداء عليها.
لقد كان إيمان الامام الخميني عميقا بضرورة تحرير فلسطين، فهو يراها حجر الزاوية في المشروع الاسلامي الكبير، والذي سيفضي حتما الى الوحدة الاسلامية، ودعوته الايرانيين والمسلمين الى اتخاذ عامل مقاومة العدو الصهيوني، سبيلا لتحرير الأرض من الغاصب المحتل، نابعة من القرآن الكريم، في مقارعة جبهة الباطل من أعداء الأمة الاسلامية، ووجد بفضل الله آذانا صاغية لندائه، وبدأت المقاومة الاسلامية في التشكل والعمل الميداني سريعا، انطلاقا من إيران كمركز أساسي لبناء قلعته الصامدة الصلبة، ووصولا الى لبنان و الأراضي الفلسطينية المحتلة، ووصلت بشائره الى اليمن وهذا ما يزيد من ارتباك الأعداء وتخبطهم.
عناصر المقاومة الاسلامية حققت نجاحات نوعيّة في عملياتها الفدائية، باشرت على أثرها أجهزة العدو الصهيوني سلسلة اغتيالات مؤسسيها، من أمثال الشهيد فتحي الشقاقي (الجهاد الاسلامي) وغيرهم، مستعينة بعملاء باعوا أنفسهم الى الشيطان، ولم يكن نصيب الأخوة الايرانيين العاملين في هذا المجال بأقل ضريبة، وشهداء إيران أكثر من يحصوا عددا.
هذا الضغط الأمريكي الذي نشهده، يستهدف معنويات القيادة والشعب الايراني، ويريد بلوغ ما لم يقدر عليه رؤساء أمريكيون سابقون، في جرّ إيران الى مائدة التفاوض الأمريكية، مع أن قناعة الساسة الأمريكان – بما فيهم ترامب نفسه – تجعلهم متأكدين 100%، أنه لا سبيل لنزول إيران عند تلك الرغبة الأمريكية بالضغط والإكراه، التي عبّر عنها الأمريكيون على مدى اربعة عقود، وفشلوا في جميع محاولاتهم، في تغيير وجهة النظر الإيرانية، تجاه من لقبه قائد ثورتها ومؤسس نظامها الإمام الخميني رضوان الله عليه بالشيطان الأكبر.
لذلك اقول إن حنكة الساسة الإيرانيين في الميدان، تجاه المستجدات الحاصلة، بدت أنضج وأصوب من تهافت نظرائهم الامريكيين، الذين وصلوا إلى حد الإرتباك والتناقض في قراراتهم، حماقة ترامب المنطلقة بلا جماح، جعلت دولا كبرى كالصين وروسيا، تتخذ مواقف معارضة لمساعيه، فهما بحسب السياسة الامريكية المتوخاة ضدهما، هدف اطماعها في اخضاعهما، وبالتالي الهيمنة على العالم بأسره.
الحرب على إيران بدأت اقتصادية منذ 40 عاما، في شكل حصار، وعقوبات أحادية الجانب من الإدارة الأمريكية، وبالتوازي معها بدأت الحرب الدعائية والإعلامية، في تشويه صورة إيران، خصوصا بين الدول والشعوب الإسلامية، ولولا تلك المساعي الخبيثة، لتمكنت إيران من الظهور في صورتها الحقيقية، تماما كما بشّر به الوحي من أن قوم سلمان المحمدي، هم نجدة الدين الإسلامي، وبناة قواعده الإيمانية الصلبة في هذا العصر.
تبدو الجعجعة الترامبية غير ذات جدوى فيما أمّلته من إجبار إيران الاسلامية على تغيير مواقفها من استحقاقات الشعب الفلسطيني، وإيران اليوم التي وفّت من قبل بتعهداتها تجاه القضية الفلسطينية، ماضية في نحت واقع إسلامي، تسهم فصائل المقاومة في إنجازه بكل الدعم الذي قدمته ولا تزال إيران، رغم أنها اصبحت اليوم بمفردها في محور المقاومة، وبقية الدول الاسلامية، بين بائع للقضية ومتخاذل عنها.
ويبقى النظام الإسلامي في ايران عصيّ على أعدائه مهما فعلوا، محفوف بالعناية الإلهية وتوفيقاتها، مصان في دوره الريادي، لا يضره ارجاف المرجفين، وتآمر الأعداء وان اجتمعوا ضده، وغدا سيكتشف الأمريكيون غباء رئيسهم والورطة التي أوقع نفسه فيها طمعا في أموال أعراب الخليج وتحريضا من الكيان الصهيوني، الذي أصبح يرى إيران ومحور مقاومتها، كابوسا ثقيلا عليه يؤرق مستقبل وجوده من أساسه.
لذلك أقول أنه لا خوف على إيران، طالما أنها اختارت طريق الله، ومن كان مع الله، كان الله معه.