لا يعرف ترامب كيف يُداري تراجعه المُذل أمام إيران، فهو في غضون أيام قليلة نزل من أعلى سلم التصعيد والتهديد إلى مستوى استجداء «لقاء غير مشروط» مع القادة الإيرانيين.. هذا قبل أن يُراجع نفسه مخففاً من حدّة النزول عبر الاستعانة بوزيره بومبيو.
بومبيو أعاد «توليف» الاستجداء فجمّله ببعض «مُطالبات» بأن على الإيرانيين «إجراء تغييرات في سلوكهم داخلياً وتجاه المنطقة» قبل اللقاء.
ترامب لم يأخذ وقتاً طويلاً لإدراك أن هامش المناورة مع إيران ضيق جداً، وهذا ما سبقه إليه سلفه باراك أوباما، لكن ترامب لم يرد الإفادة من إرث أوباما وما زال كل همّه الانقلاب عليه.
الانقلاب على الاتفاق النووي مع إيران سيكون الدرس الذي لن ينساه ترامب، فهو الدرس الذي سيربيه سياسياً فيما يخص العلاقات الخارجية ومع إيران تحديداً «وهي الأنموذج المتفرد في المنطقة وفي علاقاتها الدولية ومع الولايات المتحدة خصوصاً».
إيران لا تهادن ولا تناور في مصالحها لم تفعلها من قبل فكيف تفعلها اليوم وهي أقوى بأضعاف.. إيران تعرف كيف تواجه وتربح سواء كانت المواجهة مفروضة عليها أو هي من دخلتها دفاعاً عن نفسها.. لديها أوراق قوة عديدة تعرف كيف تديرها وكيف تزيد عليها فتبقى مُحصنة مُهابة.
كل هذا أدركه ترامب ومن أول مواجهة.. وللتوضيح لم يكن الانسحاب من الاتفاق النووي مواجهة، فهو قرار مُنفرد تسبب في جملة تداعيات ومواقف دولية بين مؤيدة ورافضة، أما المواجهة فبدأت مؤخراً مع بدء ترامب بإطلاق تهديداته.. وكان من إيران أن تعاطت معها بما يلزم، مُظهرة لترامب ولإدارته حجمهم الحقيقي في القول والفعل.. والنتيجة كانت ذلك التراجع المُذل.
الرئيس روحاني كشف قبل أيام أنه رفض ثمانية عروض أميركية للقاء ترامب.. لماذا؟ يقول روحاني «لأن ترامب لا يحترم توقيعه».
هذا ليس تشدداً ولا تعنتاً بل هو قلب الحقيقة.. إيران لطالما كانت مستعدة للحوار ولكن على قاعدة الاحترام والمساواة وليس على قاعدة التهديد والترهيب.. هذا ما تطلبه إيران وهو حقها الوطني والسيادي وعلى ترامب وغيره أن يفهم ذلك جيداً.
نعتقد أن ترامب فهم ذلك وبالتالي سيُقدم على مزيد من التراجع، ليس بالضرورة علناً، فوراء الكواليس عالم آخر لا يخرج منه علينا إلا القليل جداً لكنه يكفي لنفهم ماذا يجري.. وما علينا إلا الانتظار قليلاً فقط لنعرف.