تصدير: بنت حمامة عشا في أعلى شجرة، وكانت كلما فقس بيضها جاءها ثعلب ووقف عند أسفل الشجرة وهدّدها إن لم تلقي إليه بأحد فراخا فإنه سيصعد ويأكلها هي وكل فراخها…فاشتكت الحمامة الأمر لجارتها، فقالت لها أيها الحمقاء متى كانت الثعالب تتسلّق الأشجار حتى تخافي منه…
هل أشبع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نهمه من المال الخليجي الباذخ الذي لا رقيب على تبديده ولا حسيب لموارد صرفه وتبذيره، وهل انتهى من عرض مسرحية تهديداته الرعناء باستهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واكتفى بما جاد به آل سعود وأل نهيان وآل ثان من إكراميات وصفقات، في ظاهرها عقود تنمية وتطوير وتسلّح وفي باطنها إتاوات ورشاوى لحفظ العروش وقمع الشعوب وتحريض على المقاومة وأنصارها، أم أن خطاب التبريد المفاجئ الذي أطلقه من العاصمة اليابانية طوكيو مجرّد فصل جديد للصراع ومحاولة بائسة لنقل المعركة الى مجال آخر، وهو الرئيس الكذوب كما يصفه الإعلام الأمريكي الذي أحصت له صحيفة “نيويورك تايمز” أكثر من 200 كذبة.
ليس غريبا على شخص بهذه المواصفات من التقلب والمناورة أن يقول الشيء وعكسه، فبعد التهديدات التي أطلقها وكوكبة “الصقور” المحيطة به، بنس وبولتون وبومبيو، بتدمير إيران وقلب نظام الحكم فيها، مع توجيه حامِلة طائرات وسُفن حربيّة وقاذفات من طراز B52 العملاقة الى منطقة الخليج، وارسال 1500 جندي إضافي، خفّض ترامب من منسوب خطابه وقال أنه لا يريد “الإضرار بإيران”، ووصف الإيرانيين بأنهم شعب عظيم، ويمكن لإيران أن تكون دولة عظمى مع نفس القيادة، وتابع خلال مؤتمر صحفي عقده الاثنين مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في طوكيو: “لا نتطلع إلى تغيير النظام في إيران، وبودي أن أوضح ذلك، نتطلع إلى غياب السلاح النووي”، على حد زعمه، فيما دعا طوكيو إلى الاضطلاع بدور الوسيط بين واشنطن وطهران خلال الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء الياباني المرتقبة للجمهورية الإسلامية.
إذن، ترامب يدعي أنه يريد ضمانة أن الايرانيين لا يسعون لامتلاك أسلحة نووية، وهو ما أكدته مرارا الوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذلك بقية أعضاء الخمسة زائد واحد، وإذا كان الأمر كذلك فلم انسحب من الاتفاق النووي ولم تشديد العقوبات الاقتصادية؟
الأكيد أن الاجراءات التي اتخذتها الادارة الأمريكية حيال الجمهورية الاسلامية الايرانية قد باءت كلّها بالفشل وأدت لنتائج عكسية، فمحاولات واشنطن “لتصفير” صادرات النفط الايراني لم تؤت أكلها بدليل أن ناقلات النفط الايراني تتبختر في عرض البحار على مرأى من البوارج الحربية الأمريكية التي بقيت عاجزة عن صدّها والمساس بها، كما أن الضغوط الاقتصادية والحروب التجارية لم تفلح في إحداث أزمة تموين وخلخلة البنية الاقتصادية بغية تحريك الشارع لخلخلة الأمن العام، أما التلويح بالتدخل العسكري واستهداف منشآت إيرانية فقد عزّزت من اللحمة الوطنية بين مكوّنات الشعب الايراني ومؤسسات الدولة وقيادته، دون أن نتحدّث عن حلفاء واشنطن من الأنظمة الرجعية والكيان الصهيوني المتوجسين من ارتدادات فتيل الحرب عليهم.
ترامب حقّق مبتغاه وأثرى الخزانة الأمريكية بما ابتزّه من حلفائه واستباحه من أموالهم التي سلّموها طوعا وكرها، فلم الحرب وأهوالها طالما أمكنه الحلب بيسر وسهولة..