بقلم الدكتو بهيج سكاكيني- كاتب وباحث فلسطيني |
منذ مدة والصحافة الاميركية والغربية بشكل عام وفي الاقليم عندنا منشغلة بالحوارات بما ستأتي به الانتخابات الرئاسية الامريكية ومن ستفتح له أبواب البيت الابيض ترامب الجمهوري أم بايدن الديمقراطي؟ النظرة السطحية للأمور وهي نظرة الاغلبية على ما يبدو تريد ان تقنعنا بأن هنالك فارق “جوهري” بين المرشحين والحزبين, وحتى من أولئك في الجالية العربية الامريكية الذي يتبرعون بأوقاتهم لمساعدة المرشح الديمقراطي للفوز على ترامب. والسؤال الذي يجب ان يطرح بموضوعية هل هنالك فعلا فارق بين سياسة الحزبين الذين يمثلهما كل من المرشحين للرئاسة؟ وهل هذا الفارق حقيقي مبني على أسس واقعية أم هو مجرد أحلام يريد البعض أن يصورها كأنها واقع وحقيقة؟
إذا ما أخذنا التراشق الكلامي بين المرشحين والاتهامات المتبادلة ودرجة السوقية التي وصل اليها حوار الطرشان قد يعتقد البعض بأن هنالك فارق بينهما. ولكن لننظر الى الامر بشكل علمي ومنهجي الى سياسة الحزبين لنحدد إذا مان هنالك فارق فعلي بينهما وخاصة فيما يخص السياسة الخارجية الامريكية.
كلا المرشحين متفقان على أن الولايات المتحدة يجب أن تبقى مركز إمبراطورية كونية تمتد لتشمل جميع أنحاء المعمورة على هذا الكوكب وعلى ان الامن القومي الامريكي يشمل كل بقعة على هذه الارض مهما كان بعدها أو قربها من الشواطىء الاميركية. الخلاف والجدال لا يدور حول الجوهر بل على الشكل والتفاصيل حول كيفية إدارة تلك الامبراطورية.
كلا المرشحين متفقان على ان الولايات المتحدة يجب ان تبقى القوة المهيمنة أحادية القطب على الارض بأي ثمن. ويجب بذل الجهود وإتخاذ كل الاجراءات لمنع الصين وروسيا الاتحادية من أخذ اي دور على الساحة العالمية وخاصة دورهما في مجلس الامن الدولي في حماية الدول التي ترفض الانصياع للعنجيهية والتسلط الامريكي مثل سوريا وفنزويلا وإيران.
كلا المرشحين متفقان على ضرورة التواجد العسكري الامريكي في قواعد عسكرية على إمتداد العالم. والجدال حول هذا يدور على الشكل وتفاصيل صغيرة مثل هل يجب إبقاء الجنود الامريكيين في المانيا أو نقل بعضهم او جميعهم الى بولندا ودول اخرى محيطة بروسيا الاتحادية. ومثال آخر هل نعيد تموضع قواتنا المتواجدة على الارض العراقية لتعزيز حمايتها وكم من القواعد نريد لذلك؟
كلا المرشحين متفقان على ضرورة إمتلاك وتطوير الاسلحة النووية الامريكية في الوقت الذي يشيرون الى الخطر النووي القادم من دول أخرى وضرورة الحد من الدول التي تمتلك مثل هذه الاسلحة والتخلص من هذه الاسلحة من قبل الدول التي تمتلكها باستثناء الترسانة النووية التي يمتلكها الكيان الصهيوني. وكلاهما يسعى الى كبح جماح الصين من تطوير وإمتلاك هذا النوع من الاسلحة لانه يهدد ويقوض التفوق الامريكي بهذا الشأن.
كلا المرشحين متفقان على ضرورة السيطرة والتحكم بالاقتصاد العالمي بما يخدم مصلحة الولايات المتحدة أولا. والجدل قد يدور حول متى وكيف يتم شن الحرب الاقتصادية على الصين أو غيرها. بمعنى انه لا يوجد إختلاف حول الجوهر أيضا هنا.
كلا المرشحين متفقان على ان دعم الكيان الصهيوني ماديا وسياسيا ودبلوماسيا في المحافل الدولية يشكل حجرا وركنا استراتيجيا في السياسة الامريكية الخارجية الى جانب التعهد وضمان تفوقها العسكري الاستراتيجي على دول المنطقة.
كلا المرشحين يريدون إنهاء الصراع العربي-الاسرائيلي والصراع الفلسطيني الاسرائيلي بما يخدم مصلحة الكيان الصهيوني الغاصب سواء بالتطبيع بين الدول العربية واسرائيل وإقامة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والامنية…الخ كما هو حاصل الان مع هرولة الدول الخليجية للتطبيع بآوامر من البيت الابيض وتصفية القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة التي اقرتها الامم المتحدة. الخلاف هنا حول ما إذا كانت التصفية يجب ان تتم بسرعة كما يريد ترامب الذي أعطى الحق للكيان الصهيوني بضم الضفة الغربية أو التصفية بالتدريج من خلال العودة الى المفاوضات العقيمة الذي لم يعد خافيا على أحد حتى على مهندسي أوسلو وزمرتهم من المرتزقة ماذا ستكون النتيجة المحتومة.
كلاهما متفقان على الابقاء على النظام الرأسمالي القائم على تأبيد عدم المساواة في الدخل وتوزيع الثروة ونهب ثروات الشعوب الاخرى. والخلاف يدور ربما حول كيفية الابقاء عليه من خلال تعديل طفيف وغير جوهري على الاعفاءات الضريبة المنحازة أصلا لذوي المداخيل المرتفعة وإعطاء الفتات للطبقات المحرومة وحول المبلغ الذي يجب صرفه للمتضررين من جائحة الكورونا في الداخل الامريكي.
وكلاهما متفقان بشأن سوريا واليمن ويدعمان القوى الارهابية في المنطقة ويؤكدان على البقاء في الشمال السوري ونهب النفط والعمل على تفكيك الوطن السوري من خلال تقديم كل الدعم للقوى الانفصالية الكردية. وكلاهما معني بالسيطرة والهيمنة على ثروات المنطقة ومقدراتها.
والقائمة تطول في هذا الجدل العقيم بين المرشحين أو الحزبين والذي لا يمكن وصفه بانه حوارا أو جدلا سياسيا بين طرفين مختلفين يقفان على طرفي نقيض. ولكن للاسف إن وسائل الاعلام تريد ان تقنع الناخب الامريكي الذي يساق سوق القطيع كما يقول المفكر الامريكي تشومسكي كل اربعة سنوات للانتخاب ليعود مرة أخرى لمشاهدة التلفزيون وكأن شيئا لم يكن. وظيفة الاعلام الامريكي الرسمي هو التضليل الاعلامي ومزاولة عملية تجهيل بارعة للناخب الامريكي بما سيكون عليه الحوار السياسي الجدي الذي يأخذ بعين الاعتبار هذه الهوة والفجوة الكبيرة بين غالبية الشعب الامريكي وبين ما يقرب من 1% من اللذين يسيطرون على ثروات البلاد بينما يعيش الملايين من الشعب الامريكي تحت خط الفقر. وكأن هذا لا يكفي فهم يريدون أن يقنعوا هذه الملايين ان السبب الرئيسي لفقره هو عدم رغبته في العمل وشغفه بالاعتماد على الفتات الذي يصرف له من الدولة وليس نتيجة نظام طبقي متوحش يسعى الى سحق الانسان العادي لصالح الطبقة السياسية المتحكمة وأخطبوط الطغمة المالية والاقتصادية والمجمع الصناعي العسكري وشركات الطاقة العملاقة التي تجني مئات المليارات من الارباح والتي تتفنن في طرق التهرب من دفع الضرائب. وأكبر مثال على أن ترامب “الفقير” لم يقم بدفع أكثر من 750 دولار كضرائب لعدة سنوات.