الأربعاء , 18 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

تشويه الوعي وتغييب سلطة المعرفة أدوات الهيمنة…بقلم جورج حدادين

أخطر وأخبث الأدوات والوسائل الناعمة، التي يستخدمها المركز الرأسمالي العالمي، من أجل استغلال واستعباد واضطهاد مجتمعات ودول المحيط التابع، ونهب الثروات الطبيعية والمقدرات الوطنية، وضمان ديمومة الهيمنة عبر السيطرة والتوجيه، تكمن في تشويه الوعي الجمعي وتغييب سلطة المعرفة عن المجتمع، أدوات ناعمة ابتدعتها مراكز الأبحاث والدراسات في المركز بديلاً عن الاستعمار العسكري، آبان مرحلة الإنتقال من استراتيجية الاستعمار المباشر إلى استراتيجية الهيمنة، في الفترة الواقعة ما بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، أطلق عليها فيما بعد استراتيجية ” صناعة القبول وثقافة القطيع” أحد الأعمدة الأربعة إستراتيجية الهيمنة المتمثلة في السيطرة على مصادر الطاقة، وخطوط نقلها، أينما وجد، وعدم السماح لقيام منظومة منافسة للمنظومة الرأسمالية العالمية، بالإضافة الى العمل على فرض القطع المعرفي بتاريخ وحضارة المجتمع المتراكمة عبر العصور، أي طمس هوية المجتمع الوطنية.

في مرحلة النهوض الوطني حققت بعض دول المحيط الاستقلال، لفترة محددة، تمكن المركز من إحباط هذه المحاولات، عبر أدوات ناعمة في كثير من الأحيان ، وعبر استخدام القوة المفرطة، سياسة الصدمة والرعب، في أحيان أخرى.
·أتخذ مصدق باشا الوطني، في إيران، قرار تأميم النفط لصالح الشعب الإيراني، بداية خمسينات القرن الماضي، إثر ذلك نزلت العوام بقيادة نخب التبعية الى الشارع وتم اسقاط حكومة مصدق ووضعه في السجن، حدث هذا بسبب نجاح المركز الرأسمالي، البريطاني والأمريكي، في تشويه الوعي الجمعي الإيراني، وتغييب سلطة المعرفة عن فعل الوعي بالمصالح الوطنية العليا الحقيقية، فهل يعقل أن شعب يثور ضد مصالحه الخاصة، ودفاعاً عن مصالح شركات النفط الإحتكارية؟.
·أمم ألليندي، الزعيم الاشتراكي، في التشيلي مناجم النحاس لصالح الشعب التشيلي، بداية سبعينيات القرن الماضي، اضربت نقابة عمال المناجم ضد هذا القرار، الذي يخدم تحديداً مصالحها كطبقة عاملة، ويخدم مصالح المجتمع والدولة التشيلية، مهدت هذه الإضرابات الطريق أمام انقلاب فاشي بقيادة بينوتشيه، وتم قتل الليندي، حصل هذا بفعل ونتيجة تشويه الوعي الجمعي، وخاصة للطبقة العاملة التشيلية،
هل يعقل أن ينقلب مجتمع على مصالحه الخاصة الوطنية خدمتاً لمصالح شركات النحاس العالمية المتضررة من التأميم؟.

·أحدث عبدالناصر نقلة نوعية في حياة الشعب المصري، عبر إجراءات وطنية تمثلت في : الإصلاح الزراعي، والانتقال بالبلاد الى مرحلة التصنيع، وتشيد السد العالي، وإقرار مجانية التعليم والرعاية الصحية للجميع ، إجراءات تصب فعلياً وعملياً في صالح الشرائح الوطنية، وتخدم هدف تحقيق الاستقلال الوطني الناجز، انقلبت قوى من داخل النظام بقيادة السادات على كل إنجازات عبد الناصر بتواطؤ شعبي، توجته بطلاً للعبور، ومكنته من بيع مصر في سوق النخاسة العالمي،
كيف يفهم هذا الإنجاز لقوى التبعية؟ أليس عبر أدوات تشويه الوعي وتغييب سلطة المعرفة.

·تمكن العراق بعد ثورة تموز 1958 من تحقيق الاستقلال الوطني، وبعد عام 1968 تمكن من إنجاز مهمة تأميم النفط، وحقق إنجازات علمية واقتصادية وضعته على مرتبة الانتقال إلى دول العالم الثاني، منتصف سبعينات القرن الماضي، حسب تقرير وكالة التنمية العالمي، على مدى العقود التالية تم وضع خطط لاستعادة الهيمنة على النفط، من ضمنها سياسة الاحتواء المزدوج، ضرب العراق مع إيران، وبما أن هذا المشروع ، الاحتواء المزدوج، قد فشل، انتقلت الى الغزو المباشر، تحت عنوان الصدمة والرعب، أي استخدام كثافة نيران غير متخيلة صبت حمماً على العراق أحدثت الدمار الشامل، بدلاً من أسلحة الدمار الشامل، الذي كان المركز الرأسمالي يدعي ملكية العراق لها. واستعاد المركز السيطرة على نفط العراق، حيث 74 مكمن نفطي في يد المركز الرأسمالي و18 مكمن نفطي فقط في يد الدولة العراقية، وهي المكامن المنتجة منذ اكتشاف النفط بداية القرن الماضي، بينما تلك التي في يد شركات النفط العملاقة مكامن عذراء لم تمس بعد.
·تمكن المركز الرأسمالي من جر شعوب المنطقة، الى حد بعيد، للانغماس في مخطط تفكيك الدول وتفتيت المجتمعات، عبر إثارة الغرائز البدائية الطائفية والمذهبية والأثنية والجهوية، ورسم خطوط تماس فيما بينها، قابلة للاشتعال في أي لحظة يقرر، في ليبيا في العراق في سوريا ولبنان والكويت والبحرين والجزائر…الخ.

أمثلة من ثلاث قارات في فترات مختلفة، تدل على مدى نجاح المركز الرأسمالي العالمي على الحفاظ على مصالح شركاتها العملاقة، على حساب شعوب الأرض، وتعبئة المجتمع ذاته للوقوف في وجه قوى تحرره الوطني، لا بل تمكين قوى التبعية المحلية من السيطرة على مقاليد الحكم، نتيجة مباشرة لنجاح آلية تشويه الوعي الجمعي وتغييب سلطة المعرفة عن الشرائح الوطنية.

شاهد أيضاً

من يحكم من إسرائيل / أمريكا ؟…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

السردية السائدة في الصحافة الرسمية الغربية بما يخص العلاقة بين نتنياهو وكيانه وإدارة الرئيس بايدن …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024