في الوقت الذي تنقش إيران خطوط مستقبلها بمبضع جراح مبدع وبكل حرفية تجيد حكمة الصبر وخاصية الدبلوماسية الهادئة، ربط بعض مشايخ العربان مصير عروشهم بسفارات غربية لا تعرف عن تاريخ المنطقة سوى أمس، ولا عن الجغرافيا سوى مواقع آبار النفط والغاز، بل ذهبت الى أبعد من ذلك عندما شبكت مصيرها مع إدارة ترامب عبر خيوط أقل ما يقال فيها أوهن من خيوط بيت العنكبوت، وراحت تنفذ كل «تغريدات» ترامب كأنها مقدسة، فتتحرك ممالك وإمارات ومشيخات وعروش عربية إرضاء لـ «تغريدة» ساكن البيت الأبيض، وكان آخرها في الثامن من الشهر الجاري إدراج مؤسسة عسكرية رسمية تابعة لدولة ذات سيادة وتصنيف جيش بكامله «الحرس الثوري» كمجموعة إرهابية، خارقاً بذلك كل قواعد الدبلوماسية والأعراف بين الدول. طبعاً تغريدة ترامب هذه ليست الأولى ولن تكون الأخيرة وسبقتها «تغريدات» مماثلة فقد قرر بناء السور بين المكسيك وبلاده، والانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى مع موسكو، وفرض ضرائب على السيارات الألمانية وقيوداً على المنتجات الصينية، والتهديد بالانسحاب من «الأطلسي».. والقائمة تطول وتطول، ولا نأتي بجديد إذا قلنا: إن واشنطن تحاول منذ العام 1979 كسر إرادة الشعب الإيراني وتدمير نظامه السياسي الذي تبلور بعد سقوط الشاه بالتعاون والتنسيق مع عواصم غربية والكيان الصهيوني وبعض مشيخات العربان، ولكن مساعي واشنطن وحلفائها باءت بالفشل بسبب الالتفاف الشعبي حول قيادة الثورة وحارسها الأمين المؤتمن «الحرس الثوري»، ولم يعد سراً أن أمريكا تلاحق كل الدول التي وقفت في مواجهة الكيان الصهيوني من أجل إقامة سياج أمني يجعل الصهاينة آمنين مطمئنين، كما أن كل برامجها العقابية وخططها فشلت في الإطاحة بنظام حكم واحد بدءاً من سورية التي باتت قدوة ونبراساً في التصدي للغطرسة الأمريكية، مروراً بكوريا الديمقراطية وكوبا وفنزويلا وصولاً إلى إيران.
باختصار: الشعب الإيراني لن يستسلم، وسيزداد قوة لأنه وريث حضارة عريقة، ولن يتمكن ترامب وأزلامه من كسر إرادة هذا الشعب الذي بنى استراتيجية الاعتماد على الذات منذ العام 1978 (نجاح الثورة)، وقد تمرس على كيفية مواجهة التحديات وتحويلها إلى ميزة لتحقيق الانتصارات.