#بقلمے: محمد البراهمي كاتب صحفي و ناشط سياسي |
الوضع السياسي في تونس لم تنفرج أزمته، و تونس باتت تعيش في سياسة حرب الكلّ ضدّ الكلّ، أكبر انشقاق عمّق الأزمة السياسية هو القطيعة بين رأسي السلطة التنفيذية..، و يبدو أنّ النظام السياسي في تونس، متسبب في الأزمة الحالية، وأيضاً النظام الانتخابي الذي أنتج مشهد برلماني متشظّي انعكس على الوضع العام، و السبب الحقيقي والرئيسي للأزمة هو انعدام الثقة بين رؤساء مؤسسات الدولة.. تونس لم تعد تتحمل مزيدا من عدم الاستقرار السياسي ، لعدم صلوحية هذا النظام السياسي الهجين و القانون الانتخابي التعيس، وبالتالي ضروري مراجعة القانون الانتخابي وإصلاح النظام السياسي الهجين واستبداله بنظام يضمن وحدة السلطة التنفيذية والاستقرار بعيدا عن التوافق المغشوش الذي لم تجني منه البلاد إلاّ الخراب العظيم.. فبحيث تغيير النظام السياسي ضرورة وليس خياراً..
منذ عشر سنوات تُدار الدولة بمنطق الغنيمة والولاءات، و الثورة لم تعد تعني لهم شيئا سوى استعمالها كورقة للتغطية على كذبهم وافتراءاتهم على الناس، والديمقراطية ليست سوى تكريس لبقائهم في الحكم والشعب بالنسبة لهم ليس إلا قطيعا بلا عقل ، يكذبون عليه، ينافقونه، و يبيعون له الوهم ويشترون منه الذمم بأبخس الأثمان ثم يتلاعبون بعواطفه.. “إنهم كذّابون.. ويعلمون أنهم كذّابون ، ويعلمون أنّنا نعلم إنهم كذّابون ، ومع ذلك فهم يكذبون بأعلى صوت..” لم يعد اليوم خافياً على جل التونسيين الذين ما زال لديهم اهتمام بالشأن العام أن ما تعانيه الدولة من فشل وعجز وإفلاس ينخر مؤسسات الحكم والمجتمع تتحمل مسؤوليتَهُ أطيافُ النخبة السياسية على جميع المستويات في الدولة.. ، تونس تعيش منذ 10 سنوات أزمة حكم حقيقية، وأزمة قيم، وهي تواجه تحديات سياسية واقتصادية مفصلية تهدد تماسك مؤسسات الدولة ونجاعة منظومة الحكم ما نجم عن المحاصصة الحزبية وتقاسم النفوذ من خيارات عشوائية وغير محسوبة العواقب انتهجتها أحزاب الحكم بقيادة حركة النهضة ومن تحالف معها، ومنظومة الأحزاب التي هيمنت على المشهد العام وتولت إدارة شؤون البلاد منذ 2011، فاقدة تماما لإرادة تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والفئوية.. كما أنها لا تتحلى بالكفاءة المطلوبة والالتزام الوطني والأمانة التي تؤهلها لقيادة التحولات التي طرأت على البلاد والمجتمع منذ 2011، ولأنها أظهرت عجزا مطلقا على تلبية ولو الحد الأدنى من طموحات التونسيين في العدالة والاستقرار وإرساء دولة القانون، حيث لا يهمها من العملية السياسية برمتها إلا البقاء في السلطة والاستئثار بغنائمها، فبحيث الطبقة السياسية الحاكمة منذ 2011 ترفض اليوم رؤية الحقيقة والإقرار بأنها قد فشلت فشلا ذريعا في تحمل مسؤولياتها والتزاماتها الوطنية، وعجزت عن إدارة خلافاتها بطريقة حضارية وضَيَّعتْ ما مضى من عهدتها في تجاذبات ومساومات رخيصة وصراعات عقيمة لا علاقة لها بمصالح البلاد وخدمة العباد، و عندما تكون المنظومة السياسية محكومة وفق رؤية المغانم فلا يمكن التعويل عليها ..والتي الى اليوم لم تثبت سوى الفشل الذريع في إدارة شؤون البلاد وإنقاذها من الوضع المتردي الذي وصلته في كل المستويات، فقط لأن فاقد الشيء لا يعطيه.. و لا أحد ينكر أن المنظومة السياسية الحالية قد أفرزت مشهداً سياسياً بائساً وواقعاً إقتصادياً واجتماعياً كارثياً نتيجة الخيارات الفاشلة للحكومات المتعاقبة وللسلطة الحاكمة وارتهانها للأجنبي وتعمّدها حماية رموز الفساد ، مقابل مزيد تفقير الشعب التونسي وتجويعه والاستهتار بالأمن القومي الصحي والغذائي والمالي و غياب أيّ إرادة لإصلاح الأوضاع المتردية وانسداد الأفق أمام أبناء هذا الشعب..، فبحيث النظام السياسي الحالي أصبح جثة في حالة تعفن و لم يعد يخدم الدولة، ولذا أنا من الذين يؤمنون بأن استمرار المنظومة السياسية الحالية بهذه العقلية الغنائمية سيزيد الأوضاع سوءًا وتشظيًا، وأرى من الضروري عدم السماح بديمومتها..
الصراع السياسي ضاق هامش المناورة فيه و إتّخذ أشكالاً مُتعددة و إحتدّ لدرجة أن النهضة فتحت أكثر من جبهة أمامها، وهي اليوم محاصرة بسبب مراكمتها لأخطاء خياراتها من حيث التحالفات والتعيينات وإدارة الصراعات، النهضة تجد نفسها هي المتهم في تعميق حالة الإنسداد السياسي و الإحتقان الإجتماعي لكونها الحامية لرئيس الحكومة والمتمسكة به ، و بخياراته اللاشعبية.. ، هذا الوضع يحتم تغييرا سياسيا وهيكليا جذريا، وبالتالي الحل الوحيد لإنهاء الأزمة السياسية و الدستورية بإقالة الحكومة و تغيير النظام السياسي الحالي برُمتّه و رحيل المنظومة السياسية الحالية التي أثبتت إفلاسها وخورها وعجزها طيلة السنوات العشر..فشل الحكومة لا يعود الى كونها سياسية أو غير سياسية بل يعود إلى فشل المنظومة السياسية والنظام السياسي.. مايحدث اليوم في الساحة السياسية يتحمل مسؤوليته الحزام السياسي الداعم للحكومة عبر تمسّكه بحكومة المشيشي الفاشلة.. و تمسك النهضة بموقفها بتشكيل حكومة سياسية يرأسها المشيشي بالرغم من الفشل الواضح على جميع الأصعدة هو نوع من الهروب إلى الأمام ، ويبدو أنها وجدت ضالتها في شخص رئيس الحكومة الحالي هشام مشيشي الذي يعتمد على بقائه في الحكم على تأييد النهضة دون سواها.. حكومة المشيشي ان كانت تكنوقراط او سياسية فهي فاشلة لأنها مدفوعة بحسابات مُخادعة بُنيت على مغالطات و خيارات فاشلة ، و لم يعد بالإمكان الرهان عليها.. الحكومة فاشلة وعليها أن ترحل..
الحديث عن حوار وطني مع إستمرار المنظومة السياسية الحالية و دون تغيير النظام السياسي و النظام الانتخابي يعتبر أمرا عبثيا و مضيعة للوقت ، الحوار على شاكلة الحوار السابق محاولة بائسة لإعادة إنتاج نفس المنظومة الفاشلة، فكل الحوارات التي تتم الدعوة لها الآن هي في الحقيقة لإنقاذ منظومة الحكم و تبقى دار لقمان على حالها ..، الحوار الوطني لابد أن يكون حواراً لحل مشاكل التونسيين وليس كسابقيه من أجل إعادة إنتاج منظومة الفشل وإعطائها نفسا جديدا.. سياسة “بوس خوك وطاح الكاف على ظلّه” لم تجني منها تونس إلاّ الخراب العظيم.. و بالتالي الحوار الوطني لابد أن يكون حواراً يفضي إلى تغيير سياسي عميق و يحمل حلول اقتصادية واجتماعية للأزمة الحالية في البلاد حتى لا يتحول هذا الحوار إلى “حمار وطني” يأتي على الأخضر واليابس .. الوضع العام يستوجب تجميع كل القوى الحية نحو إنقاذ فعلي وحقيقي ينتشل البلاد من سقوط مدوٍّ لا يحمد عقباه.. و من واجب رئيس الجمهورية أن يتحمّل كامل مسؤولياته كرئيس للجمهورية التونسية في إنقاذ تونس من المجهول..لا حياد ولا إمساك للعصا من الوسط عندما يتعلق الأمر بمصير الشعب والبلاد.. لا مستقبل لتونس إلاّ بتغيير النظام السياسي الهجين و النظام الانتخابي الأعرج ، لأن النظام السياسي الحالي ومعه النظام الانتخابي يأخذنا إلى الهاوية..
في جانب آخر لا يقل أهمية، الأزمة السياسية الحالية شتت كل الجهود في إحتواء إنتشار كورونا ، وهي المسؤولة عن آلاف أرواح ضحايا الوباء.. فضلا عن السياسات الفاشلة التي تنتهجها الدولة ، منذ بدء أزمة انتشار فيروس كورونا قد تؤدي بها إلى خسائر أكبر بكثير من الخسارة المتوقعة في حال انتشار الوباء ذاته، فضلا عن أن هذه السياسات، لا نجحت في إحتواء انتشار الفيروس ولا جنبت البلاد والعباد الأعراض الجانبية والخسائر الكارثية التي تتعلق بالاقتصاد و فضلا عن تردي الوضع الاجتماعي، الأزمة الصحية والسياسية عمّقت من شدّة الأزمة الإقتصادية والإجتماعية واستفحل الفقر والبطالة في صفوف التونسيين والخوف بات اليوم من تطبيق سياسية العصيان المدني، خاصّة أنّ الجوع يولّد العصيان ويتمرّد بذلك الشعب على السياسات الخاطئة والقرارات الغير مدروسة التي أضرّت بهم. وأمام استهتار المواطن بالإجراءات الوقائية الصحية وتواصل حالة الإحتقان بين الرئاسات الثلاثة، فإنّ تونس ستغرق في بحر وفيات كورونا وسيسودها العصيان المدني..والمطلوب اليوم وأكثر من أي وقت مضى تجنيب البلاد المرور الى الخيارات القصوى.. فإلى أين تمضي الأزمة السياسية.. ؟