لم يُبالغ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عندما قال في حديثٍ لمحطّة “الجزيرة” قبل أُسبوعين إنّ بلاده مُستَهدفةٌ بالتّآمر وإنّها كانت موضوعة على قائمة الاستِهداف بعد سورية، لأنّ قرارها مُستقل، وليست مديونة، وليست تابعة للغرب، فالتّقارير الاستخباريّة الغربيّة الاستراتيجيّة بدأت تَكشِف عن الكثير من الأدلّة في هذا الخُصوص.
مجلة “مليتاري ووتش” الأمريكيّة المُتَخَصِّصة بصفقات الأسلحة والشّؤون العسكريّة عالميًّا، قالت في تقريرٍ لها نشرته قبل يومين “إنّ مُناورات الأسد الإفريقي البريّة والجويّة التي قادَتها الولايات المتحدة في شمال إفريقيا في الفترة من 7 الى 18 جوان الحالي تُحاكي بشَكلٍ ملحوظ الهُجوم على بلدين مُفتَرضين هُما روان وينهون وكلاهما يقعان على الأراضي الجزائريّة”.
استراتيجيّة التّوسّع وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في القارّة الإفريقيّة التي بدأت بالهُجوم على ليبيا قبل عشر سنوات، وتفكيك السودان بدَعمٍ أوروبيّ، تعتبر الجزائر أحد أكبر التّهديدات لنُفوذها، لأنّها تملك الغاز والنّفط والماء والزراعة، وتُشَكِّل قارّة في حدّ ذاتها (مليونا كيلومتر مربع) وغنيّة بالثّروات المعدنيّة، وتتحكّم بمنطقة السّاحل الإفريقي، وفيها شعبٌ جبّار من الصّعب هزيمته، حسب ما قاله خبير عسكري أوروبي في مُقابلةٍ مع “رأي اليوم”.
القِيادة الجزائريّة ضاعفت من جُهودها التسليحيّة وحدّثت الجيش الجزائري بأحدث الأسلحة الروسيّة المُتَقدِّمة جدًّا، دفاعيّة أو هُجوميّة، فقد كانت الوحيدة في القارّة الإفريقيّة التي تملك صواريخ “إس 400″، و”إس 300” الروسيّة الدفاعيّة، وكذلك منظومة صواريخ “إسكندر آي” الروسيّة الهُجومية الأقوى في العالم ويصل مداها إلى 500 كم، ولم تَبِعها موسكو هذه الصّواريخ الأخيرة إلا لبلدين في العالم هُما الجزائر وأرمينيا، مُضافًا إلى ذلك منظومة صواريخ “بانتسر” الجويّة، وهُناك أنباء تُفيد بأنّها اشترت 16 طائرة من الطّائرات الحربيّة الروسيّة الأحدث “سو 34” التي تتفوّق على طائرة الشّبح الأمريكيّة (إف 35) وأثبتت كفاءة قتاليّة عالية جدًّا في الحرب السوريّة لأنّها مُزوّدة بصواريخ جو ـ أرض، وصواريخ جو ـ جو، ومُجهّزة بنظام حماية مُتَطَوِّرة لصدّ الصّواريخ المُعادية، وتستطيع حمل ثمانية أطنان من الذّخيرة، وهُناك تقارير تقول إنّ الطيّارين الجزائريين سيبدؤون دورات تدريبيّة على قِيادتها في مطلع العام المُقبل.
القيادة الجزائريّة استفادت من أخطاء العقيد معمر القذافي الفادحة، وجعلت من بناء جيش قويّ مُجَهَّز بالأسلحة البريّة والجويّة والبحريّة أولويّة مُطلقة بالنّسبة إليها، فالعقيد الرّاحل اعتقد أنّه وبلاده باتا في مأمَنٍ بعد التّخلّي عن أسلحة الدّمار الشّامل التي كانت في حوزته، وتسليم مفاعله النوويّة ومخزونه الكيماوي إلى الولايات المتحدة ودفع حواليّ ثلاثة مِليارات من الدّولارات كتعويضاتٍ لضحايا طائرة لوكربي رغم أنّه لم يَكُن خلف تفجيرها، وكم كان مُخْطِئًا وساذجًا وقصير النّظر، “فالمِتغَطّي بأمريكا عريان” مثلما قال الرئيس المِصري الرّاحل حسني مبارك.
خِتامًا نقول إنّ الجزائر، مثلما تُشير جميع المُؤشِّرات، لن تقع في الخطيئة الليبيّة، لأنّ المُقارنة بين البلدين، والقِيادتين، ليست في مكانها، فالقِيادة الجزائريّة، ومُنذ انتِصار الثّورة على الاستِعمار الفرنسي، لم تأمَن للغرب، وتَعِي جيّدًا مُؤامراته، ولم تُغيِّر مُطلقًا تحالفها مع السّوفييت، وبعدهم الرّوس، ولم تَثِق بأمريكا، ونأمل أن تستمر في هذا النّهج.
نعلم جيّدًا في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” أنّ الجزائر كانت الهدف التّالي بعد سورية، وبدأت التّحضيرات لغزوها وتدميرها في الجامعة العربيّة وأكثر من عاصمة خليجيّة، بل وفي أمريكا ولندن وباريس أيضًا التي وقفت خلف المُؤامرة على ليبيا وسورية وقبلهما العِراق، وتوجيه طائِرات حلف النّاتو لقصف الأخيرة تحت ذريعة “حماية” الثّوّار.
الجزائر التي يَبلُغ عدد سُكّانها 45 مِليونًا تقريبًا من المُواطنين الأشدّاء، والجيش القويّ، ستَهزِم أيّ مُؤامرة أمريكيّة تَستهدِفها، تمامًا مثلما فعل الجيش السّوري، فمَن استطاع هزيمة فتنة العشريّة السّوداء يستطيع هزيمة أيّ مُؤامرة أُخرى مهما بلغ حجمها، وقوّة الواقِفين خلفها، أو المُتَورِّطين فيها، عربًا كانوا أو أجانب.