معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أوكد المعارف الإسلامية، وثالث اركان العقيدة بعد التوحيد والعدل الإلهي، ومن واجب كل مسلم أن يعرف نبيه، وشخصا مقدسا، وسيرة عطرة، وآدابا وأخلاقا، جعله الله واسطة بينه وبين خلقه، بعد أن اصطفاه عليهم، وميزه فوقهم بخصال، وأيده بمعاجز وكرامات لتدعم جانبه وتظهر نبوءته وحقيقة علاقته بخالقه.
هذه المعرفة التي يسعى إليها كل عبد صالح، تتطلب منا بحثا جادا، واستقصاء متأنيا، في مصادر إسلامية، انخرطت في المساس من شخصه المقدس واذيته، كما آذاه بعض من عاشره، ولم يراعوا فيه مكانته، ولا ما قدمه اليهم من خير، لو انهم اجتهدوا في أدائه حقه، ما استطاعوا الى ذلك سبيلا.
وفي هذا الاطار التعريفي بأفضل صفوة الله، يجدر بنا أولا، أن نتناول مصطلحا متعلقا به، فنسلط عليه ضوء الحقيقة، لنستخلصه من خيوط الوهم التي التفّت عليه، لتغطي مقصده الذي أراده الله منه.
ما معنى النبيّ الأميّ ؟
ورد في القرآن الكريم قوله تعالى : ” هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين.” (1)
وقوله تعلى: ” الذين يتبعون الرسول النبيّ الأميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل..” (2)
ومع ان محتوى الآية لا يفيد في شيء الى ما ذهب اليه المسيئون، من كون النبي لم يتعلم، وهو لا يحسن القراءة والكتابة، وعلى ذلك الأساس اصطلحوا الأمي على من لم يتعلم، وعنونوا حملاتهم الاجتماعية الموجهة للجهلة بمحو الامية.
فهل كان مقصد الوحي من الأميّ والأميين هو ما ذهب إليه أدعياء العلم؟
إنّ في تدبر كتاب الله لمعرفة، يستخلصها المؤمن من خلال تعهده له، ففيه ما يفسر بعضه بعضا، كما هو شأن هذا المصطلح الذي نحن بصدده، ولكنه يبقى مرتبطا بتزكية ثقله (أهل بيته عليهم السلام)الذين أوصى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم باتباعهم بقوله: “اني تارك فيكم الثقلين، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي.” (3) فعندهم مفاتيح أبوابه، وخزائن أسراره، قرنهم الله ورسوله بكتابه واعتبروهم ثقله الذي لا غنى عن طالب قرب ومعرفة عنهم، فهم البيوت التي أمرنا الله أن نسكن ونلجأ اليها من ظلمات الجهل وزيغ الضلالة، محذّرا من أن نأتيها من غير أبوابها. فقال: “.. وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون.” (4)
وقد ورد في مصادر أئمة الهدى من اهل البيت عليهم السلام، ان مفاد الأميين، الذين ليس معهم كتاب “رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم” من خبائث العقائد والأخلاق “ويعلمهم الكتب والحكمة” القرآن والشريعة “وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين” من الشرك وخبث الجاهلية. القمي عن الصادق عليه السلام: ” في الأميين” قال: كانوا يكتبون ولكن لم يكن معهم كتاب من عند الله، ولا بعث إليهم رسول فنسبهم الله إلى الأميين. وفي علل الشرائع عن الجواد عليه السلام إنه سئل لم سمي النبي الأمي فقال: ما يقول الناس؟ قيل: يزعمون أنه إنما سمي الأمي، لأنه لم يحسن أن يكتب. فقال: كذبوا عليهم لعنة الله، انى ذلك؟ والله يقول: “هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة”. فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن؟ والله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ ويكتب باثنين وسبعين أو قال بثلاث وسبعين لسانا، وإنما سمي الأمي، لأنه كان من أهل مكة ومكة من أمهات القرى، وذلك قول الله عز وجل: ” لتنذر أم القرى ومن حولها.” وقد مضى هذا الحديث في سورة الأعراف.(4)
وفي القرآن شاهد، على أن معنى الأميّين، منحصر في القوم الذين لم ينزل فيهم كتاب، قال تعالى: ” وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم.”(5) بما معناه الواضح في الآية أن خطابها موجّه الى فريقين: فريق أؤتوا الكتاب وأخرون لم يؤتوه، وبذلك تنجلي عنا غشاوة من الغشاوات، التي ركبها في تراثنا اعداء الاسلام المحمدي الأصيل، ليصرفونا عن المعارف الصحيحة، التي لا تكتسب إلا باتباع الأئمة الهداة عليهم السلام، وللحديث في مجال تنقية ما ألصق بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اباطيل بقية..
المراجع:
1 – سورة الجمعة الآية 2
2 – سورة الاعراف الآية 157
3 – حديث الثقلين أخرجه كل من: مسلم كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن ابي طالب ج7ص122ح2408 / سنن الترمذي أبواب المناقب عن رسول الله باب مناقب اهل البيت ج6ص125ح3788/ مسند احمد مسند ابي سعيد الخدري ج17ص169 ح11104 وص211ح11131 وص308ح11211 ومسند الكوفيين حديث زيد بن ارقم ج32 ص 10 ح 19265 وص64ح19313/ سنن الدارمي ومن كتاب فضائل القران باب فضل من قرأ القرآن ج4ص2090ح3359…
4 – سورة البقرة الآية 189
5 – تفسير الصافي الفيض الكاشاني ج5ص171 / علل الشرائع الصدوق ج1ص 124
6 – سورة ال عمران الآية 20