بقلم د. عادل بن خليفة بالكحلة (باحث إناسي،الجامعة التونسية)
1) بدايات تنبئ عن النهايات:
ماذا يمكن أن ننتظر من دولة «ثورة»كان رئيس جمهوريتها ورئيس حكومتها المؤقتان من النظام السابق، وأحدهما كان قاتلا في بداية الدولة الوطنية؟!
ماذا يمكن أن ننتظر من دولة«ثورة»سطرت سياستها«الثورية»مع نادي آي-باك الصهيوني، أي
خارج حدودنا السيادية (بالمعنى السياسي والثقافي والاستراتيجي)؟! ومازال«المناضلون»من الإخوان
المسلمين مصرين إلى اليوم أنهم لم يخطؤوا في ذلك. يقول عمادالحمامي في سبتمبر 2020:«تجريم
التطبيع مازال موش وقتو»…
ماذا يمكن أن ننتظر من دولة«ثورة»منعت صدور بند لتجريم التطبيع في الدستور، وصدور قانون لتحصين الثورة (بحظر مشاركة أعوان النظام السابق من العمل السياسي مطلقا أو مؤقتا)، ومنعت صدور قانون لمحاسبة الفاسدين لتصدر بدلا عنه قانونا للمصالحة مع الفاسدين؟! وهاهو المناضل الإخواني لطفي زيتون يناشد في سبتمبر 2020 الرئيس رفع الحظر على عائلة بن علي في المجيء إلى تونس والتعامل المالي.
ماذا ننتظر من دولة«ثورة»ضيقت على اقتصاد العمل لتعلي من شأن اقتصاد المال ورأس المال الكمبرادوري أي المرتهن للخارج والمستزلم للمركز الامبريالي؟! ولقد تأسست مركزَة تجارة المال بمؤتمر قرطاج سنة 1995 المعد للمؤتمر المتوسطي ذي الغاية الدمجية لإسرائيل.
هذا ما جعل من الطبيعي أن يصبح الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والاتحاد الوطني للفلاحة والصيد البحري-المهيمن عليهما من رأس المال الكمبرادوري- عرابين للأليكا (اتفاقية التبادل الحر) وحكومة الظل لدولة ثورتنا خاصة مع تخلي المثقفين والاتحاد العام التونسي للشغل عن دورهما الاجتماعي وغياب الحركة الاجتماعية.
2) سبتمبر 2020 هوسبتمبر«لا مجال!»:
يقول رئيس الحكومة: «لا مجال للحجر الصحي! ». ويقول وزير الصحة:«لا مجال للحجر الصحي!». ويقول وزير التربية:«لا مجال للحجر الصحي!». إنهم كالعادة يقلدون فرنسا«أمهم»د، فإن فرضت الحجر سيفعلون.
كيف قرروا هذا« اللَّا مجال»؟ هل كان ذلك بواسطة لجنة علمية-اكاديمية في الأمر؟
لا-طبعا. وإنما كان ذلك بقرار ظلي من الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (ورديفه الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري)، أي من الطبقة الكمبرادورية التي لها مصالح في التعامل مع المركز الاقتصادي الإمبريالي وفتح الحدود، عبر عدم الخضوع لمجلة الشغل في العلاقة الشغلية بالعمال والعاملات وللقوانين البيئية ولشروط العمل الصناعي والتربية السمكية. فلا تهم تلك الطبقة صحة الطبقة العاملة ولا صحة الطبقات الشعبية .
هذه الحكومة، وهؤلاء الوزراء، لم ينتخبهم الشعب. فإما أنهم شاركوا بالانتخابات متحصلين على نسبة 0.001% أو ما يشبه ذلك، أو إنهم لم يشاركوا بالعملية الانتخابية مطلقا. فلا يشعرون أنهم مسؤولون أمام الشعب . وليست لهم خشية من الشعب مطلقا، لأنه لم ينتخبهم حتى يحسوا بسلطته عليهم.
إنهم« كفاءات»، ولذلك يحسون في لا وعيهم أنهم أصحاب فضل على الشعب ، وما عليه إلا أن ينصاع لقرارهم «الإلهي».
يعلن وزير الصحة الجديد في شهر سبتمبر العظيم أنه«لا خوف من الكورونا .ف«الموت لن يمس إلا من هو أكبر من 70 سنة!». ف«الكفاءة» لا تفكر في الإنساني والشعبي ، بل تفكر بطريقة آلية، وبراغماتية ، وديمغرافية بحتة. فليس هناك مشكل في ارتفاع وفيات من هم أعلى من 70 سنة ، فذلك سيجعل الاقتصاد التبعي التونسي أفضل، وستقل الأعباء الاقتصادية عن حكومة«الثورة».
وهاهو وزير الداخلية، يفرح هو أيضا بارتفاع وفيات الكورونا ، فيرفع من معلوم الإقبار من 35 دينارا إلى 120 دينارا. فارتفاع وفيات الكورونا، في نظر حكومة الكفاءات فرصة اقتصادية، وبذلك يتحول التهديد إلى فرصة.
هذا الرفع من قيمة معلوم الإقبار هو أيضا قرينة على عدم وجود إبستيمية إنسانية لدى من يحكموننا. فكيف يكون الموت، وخاصة الموت بسبب هذه الجائحة، وسيلة لكي تجمع الحكومة مَالًا تداري به بعض أزمتها المالية الخطيرة؟! وذلك أيضا قرينة على ضعف الذكاء التدبيري لديها، لأنها بدون مشروع، فضلا عن أن يكون إنسانيا وشعبيا أو لا يكون. إنها تفكر في النمو لا في التنمية، وخاصة تنمية الإنسان وفي استدامة الثروة الشعبية.
وفي الوطن الذي أنجب ابن الجزار صاحب أول مشروع للطب الشعبيفي العالم (طب الفقراء، طب المسافر)، وعلى بعد بضعة كيلومترات من مدينة ابن الجزار، تذهب التلميذة تسنيم النقبي إلى مستوصف سموه مستشفى وعليها بعض أعراض الكورونا، من مدرستها الثانوية، فيقولون لها: «اذهبي لا نستطيع أن نفعل لك شيئا!».
وفي وطن ابن الجزار، أصبح المستشفى بؤرة لنقل العدوى بالكورونا . وكذلك من المدرسة، ومن سوق التربية السمكية والمصانع التي يهيمن عليها رأس المال الكمبرادوري، ومن مقارالبلديات .
في وطن ابن الجزار يدفع أهل الصيد البحري أكثر من ربع دخلهم للضمان الاجتماعي، ولكن لا يتمتعون بخدمات صحية داخل الميناء وخارجه.
وفي وطن ابن الجزار، تلقي الحكومة باللائمة على المواطن، فهو أصل الداء عندها . وفي الآن نفسه، تبرئ نفسها من كل خطيئة .
3) أكتوبر القرارات الخطيرة
طلع علينا ربان سفينتنا ليلة 4 اكتوبر2020 ليبشرنا بأنه فرض الحصة الواحدة إلا على قطاعي التعليم والصحة… بينما كان المطلوب حجر شامل مؤقت، أوبقاء نظام الحصتين خاصة في مؤسسات حساسة كثيرة الجماهير كالبريد والبنوك والبلدية… فالتجمهر هناك سيزيد بنظام الحصة الواحدة…
لقد كان من الواضح أن الخطاب مسجل، وأنه قد اقتطع منه الكثير، فهناك رقابة ذاتية أو غير ذاتية، والأهم حضور الرقابة الطبقية المخوِّلةبالسلطة. وقد كانت القرارات في جلها قديمة، أما الجديدة فكانت سلبية جدا، أي بلغة التحليل المختبري«إيجابية». وجميعها كانت غير واقعية. فهو يؤكد:«ثبت أن الحجر الصحي غير ناجع علميا وعمليا». ولا أدري كيف سيكون موقف سقراط من هذه الجملة لو كان حيا، لأننا نعرف موقفه من رجال القانون في عصره .
ويقول رباننا في خطابهأن سفينته «ستسيطر على الوضع». وإذا كان كذلك فلماذا«سيهيئون أَسِرَّة»؟! وقد ذكر عددا لهذه أَسِرَّة يذكرنا بأرقام بن علي في خطابه الأخير.ولم يبين للعائلة التي يأمرها بحجر ذاتي كيف ستدبر شؤونها المعيشية اليومية، فالربان يجب أن يكون أبا يظهر ذكاءه العاطفي قبل كل شيء. ولم نر أحدا من الوزراء والبرلمانيين والرؤساء يطالبون بتخفيض أجورهمالشهرية وقيمة تقاعدهم وامتيازاتهم بمناسبة هذه الجائحة، بل زاد أجر الولاة أخيرا، دون إعلان عن دعم حكومي للفلاحين أو لصغار البحارة ولأصحاب التن الأحمر الأقل حظا…
وقد كان الرأسماليون المضاربون المقتاتون من نزيف الناس قد بشرونا من قبل بارتفاع سعر الكمامة بالصيدليةمن 150 مليما إلى 1,800دينارا.
فمنوالنا غير إنساني وغير شعبي. ورغم ذلك مازلنا متكبرين على المنوال الكوبي ونجاحه الاقتصادي والصحي والطبابي والصيدلاني، وحتى في مكافحة الكورونا، فلا نعرفه لأن رأسماليينا و إخواننا وضعوا على أعيننا كمامات لكي لا نرى إلا ما يرون.
خاتمة:
-إنها فرصة العودة إلى مشروع الأمل!
– إنها فرصة لفهم ما حدث،لمن لم يفهم بعد!
– هاهو كل شيء واضح: التطبيعيون/الليبراليون الوحشيون، والقطريون العازلون وطننا التونسي عن الوطن العربي الإسلامي الكبير وعن المغرب الكبير، سرقوا ثورة الشباب .
– من أجل إنقاذوطننا وثورتنا، وليس فقط إنقاذ شعبنا من كارثة كورونا ستكون من أضخم كوارثها في العالم بسبب هذه السياسة غير الإنسانية وغير الشعبية… لا بد أن نكتب الآن وبسرعة جماعية، مشروع الأمل، مشروع عودة الأمل في وطن سيادي-وحدوي…
وليكن
لا بدّ لي أن أرفض الموت
وأن أحرق دمع الأغنيات الراعفةْ
وأُعري شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة
-لا وقت لنا نضيعه… فبعد ترشيحنا لحكم الفساد ، ها نحن نرشح سلطة السفسطائية لمن ليس بعالم الاقتصاد ولا بالطبيب… فسنكون مضطرين لانتخابات عاجلة يقودها ما يشبه تجمع دراسات برسبكتيف، أي قيادة علمية للتغيير… وإلا فإن انهيار دولة محمد الصادق باي المتسترة بعهد أمان وبرضى سفراء الممالك الأوروبية على مرمى حجر.
يا مصر قومي وشدي الحيل
كل إلي تتمنيه عندي
لا القهر يطويني ولا الليل
آمان آمان بيرم أفندي
***
رافعين جباه حرة شريفة
باسطين أيادي تؤدي الفرض
ناقصين مؤذن وخليفة
ونور ما بين السما والأرض