مرة أخرى كشف قرار توريد اللحوم الحمراء من الولايات المتحدة الأمريكية عن عمق القطيعة بين الشاهد وحكومته من جهة، والنقابات الفلاحية والشعب التونسي الذي عبر عن رفضه لهذا القرار من جهة ثانية.
ولئن يسمح قانون الأسعار للدولة التونسية بتعديل السوق الداخلية بالتوريد من زاوية الضغط على الأسعار والضرب على أيدي المحتكرين، إلا أن الشاهد قفز على هذه المعادلة الاقتصادية بمعادلة سياسية يحقق بفضلها ما تعهد به للولايات المتحدة الأمريكية في ماي 2017.
فخلال زيارته للولايات المتحدة الأمريكية صرح الشاهد بإمكانية توقيع اتفاقية تبادل حر بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية وذلك في إطار تعزيز العلاقات التاريخية والاقتصادية بين البلدين.
تصريح الشاهد في الولايات المتحدة الأمريكية جاء في سياق مبدأ «استمرارية الدولة» الذي تعهدت به الدولة التونسية في قمة «دوفيل» المنعقدة بفرنسا في ماي 2011 من خلال السيد باجي قائد السبسي رئيس الحكومة آنذاك تجاه مجموعة السبعة، والولايات المتحدة الأمريكية احد أعضائها، وذلك مقابل حصول تونس على دعم المجموعة لانتقالها الديمقراطي.
إن تصريح الشاهد بصفة مباشرة بالتوقيع على اتفاقية تبادل حر مع الولايات المتحدة الأمريكية جاء بناء على وجود مفاوضات بين الجانبين حول إقامة منطقة تبادل حر انطلقت في أكتوبر 2003 وتواصلت إلى سنة 2005 حيث نظمت الغرفة التجارية والصناعية المشتركة التونسية الأمريكية يومي 29 و30 جوان 2005 لقاء جمع خبراء ومسؤولين عن البلدين في إطار اتفاقية تبادل حر.
وتندرج هذه المفاوضات بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية في إطار مسار إرساء الولايات المتحدة الأمريكية لمناطق تبادل حر مع عدد من البلدان العربية وبلدان شمال إفريقيا. ولئن توجت هذه المفاوضات بالتوقيع على اتفاقيات تبادل حر بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والمغرب والأردن والبحرين في سنة 2004 من جهة ثانية رغم الإقرار بعدم التكافؤ فقد بقيت المفاوضات بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية معلقة على خلفية رفض الجانب التونسي الانخراط في المسار دون تأهيل اقتصاده إلى أن جاءت الثورة وتم تركيز مؤسسات الجمهورية الثانية في إطار دستور جديد يقرّ بسيادة الدولة.
إن قرار حكومة الشاهد توريد اللحوم الحمراء من الولايات المتحدة الأمريكية رغم الجدل القائم بين هذه الأخيرة والاتحاد الأوروبي الذي رفض توريد اللحوم الحمراء على خلفية ما أثبتته الدراسات الطبية من مخاطر على صحة المستهلك بسبب استعمال الولايات المتحدة الأمريكية البذور المعدلة جينيا والهرمونات في التسمين، ورغم موقف الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري الرافض لعملية التوريد، هو تمهيد لإحياء المفاوضات المعلقة والذهاب مباشرة الى مرحلة التوقيع دون الرجوع إلى مجلس نواب الشعب ودون الرجوع إلى المنظمات النقابية والمهنية وذلك في سياق سياسة الأمر الواقع التي انتهجها الشاهد لفرض اتفاقيات تبادل حر تتعارض مع الدستور مستفيدا من غياب المحكمة الدستورية كما هو الشأن مع مشروع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق «الأليكا» مع الاتحاد الأوروبي.
إن قرار توريد اللحوم الحمراء من الولايات المتحدة الأمريكية في ظل موجة الرفض القوية من قبل القوى الوطنية في البلاد لمشروع «الأليكا» هو حجة إضافية ضد الشاهد الذي جاء لخدمة أجندات أجنبية على حساب السيادة الوطنية..
الصحافة