تمّ موعد الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، في ظل مقاطعة أغلب الأحزاب التي كان أعضاؤها يشغلون مجلس نواب الشعب المجمّد، وحتى أولئك الذين برزوا بمعارضة إجراءات الرئيس المنتخب قيس سعيد، لكن رصيدهم الشعبي كان صفرا فاصل، أعلنوا رفضهم لمبادرته في محاربة الفساد والمفسدين، قاطعين طريق تفهّم الشعب لمشروعه الإصلاحي، واصفين إيّاه بالمستبدّ برأيه دون الرجوع إلى أهل الذّكر.
الفريق المعارض بما حواه من تآلفات وتقاطعات، غير منسجم مع بعضه في أفكاره وفي مقترحاته تقريبا، إذا صرفنا النظر عن مطالبات هؤلاء المتوافقة، بإلغاء الانتخابات، والتراجع عن المراسيم والقرارات المضافة من جانب الرئيس، إلى الدستور المنقح الجديد(1)، وإعلان انتخابات سابقة رئاسية سابقة لأوانها، بتعلّة فشل الانتخابات التشريعية، من خلال عزوف غالبية الشعب عن المشاركة فيها، ومرجع العزوف ظاهر، من خلال محاولات إرباك سيره منذ اعلان موعده، بدعوة التونسيين إلى مقاطعته، وهي دعوة استجاب لها كل من له علاقة حزبية أو نسبية بجبهة الإنقاذ المشكلة من هؤلاء جميعا.
وهؤلاء كي لا يعتقد غير التونسيين أنهم يمثلون غالبية الشعب، ليسوا كذلك واقعا وحقيقة، فغالبية الشعب ممن لم يشارك أصلا في أيّ من الانتخابات التي جرت منذ سنة 2011 ، واذا نحن نظرنا في نسب مشاركة الشعب في الانتخابات، وجدنا تراجعا كبيرا في اقبال الناخبين لأداء واجبهم الانتخابي، وهذا مردّه عقلية ترسّخت فيهم خلال نصف قرن تقريبا، جعلتهم لا يرون في المشاركة فائدة تذكر، وبالتالي لا جدوى من الادلاء بأصواتهم لأن الانتخابات صورية نتائجها مسبقة بنسب مشاركة تتجاوز التسعين بالمائة، ومع أن أغلب المواطنين لا يشاركون ومن شارك فخوفا على وظيفته أو رزقه المتربط بالحاكم.
ليس من العدل بأيّ حال من الأحول، حشر من تعوّد على عدم الإدلاء بصوته، في جملة التسعين بالمائة من عموم الشعب، ونسبتهم إلى المعارضة، وهذا اجحاف بحق واقع مرّ قديم، انضاف إليه هؤلاء الذين شاركوا في أول انتخابات المجلس التأسيسي، ثم تراجعت جموعهم تدريجيا، ليعود لهم اليأس من تغيّر حال أدوات الحكم إلى الأحسن، بعد الذي جرى من تجاوزات ومخالفات خطيرة، بين من كان الشعب يعتقد صلاحهم، مع جملة من الفاسدين من العهد البائد، يكفي أن ننظر في نسبة الإنتخابات التشريعية التي جرت سنة 2019، لنقف على تدهور نسب المشاركة الشعبية في الانتخابات طوال العشرية الفارطة، فقد سجلت الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات رقم مشاركة بلغ 628. 2.946 (2) ومقارنة بعدد الناخبين المضخّم 9.200.000 ناخب(3)، فنسبة المشاركة فيها بلغت 31.2% بالتالي فإن من رغب في أن يكون عادلا في تقييم هذه الانتخابات، من حيث نسبة المشاركة فيها شعبيّا، يجب ان يأخذ بعين الاعتبار انتماء ما تبقى من العازفين أي 20% والذين لا يمثلون جميعهم أحزاب جبهة الإنقاذ فهناك شرائح هامة غير منتمية لأي تيار أو مناصرة لأي حزب أو رئيس، هؤلاء محسوبين بالطبع مع هذه النسبة، وليس لأحد حق في نسبتها إليه، وهذا منطق من لم تأخذه ادّعاءات المدّعين بعيد عن الواقع التونسي.
ويبدو أن الفساد قد تغلغل في البلاد تغلغلا يصعب استئصاله منها، ففي جميع مرافق البلاد مفسدين متنفّذين، ومصلحيين لا يأخذون بعين الاعتبار لشيء إلّا وفيه مصالحهم، وتراكم الفساد وتكاثر المفسدين والمصلحيين، جعل من الصعوبة بما كان القيام بعمليات إصلاح، واستئصال للفساد في البلاد، وطالما ان الكمال الفاسد يقوم بأدواره المتنوعة بين أوساط الشعب، وهناك غالبية ترضى بذلك، فإنّه من الصعب جدّا التوفّق في أي مشروع إصلاحي مهما كانت حزمة حاضنته الشعبية، والخطر هنا كامن في الدولة العميقة المرتبطة بالخارج هي سبب ما نحن فيه من ارتباك وتشكيك في صحة مبادرة الرئيس قيس سعيد.
وطالما ان المفسدين لا يزالون ماسكين بمفاصل البلاد، تأثيرا سلبيا، واعاقة مالية واقتصادية ومعنوية، فان المطروح سيؤدي الى رجوع دبابير الفساد لقيادة البلاد من جديد، وحكمها بأوامر الغرب واملاءاته، هناك حل اولي يتمثل في الاسراع بتطهير المرافق الموبوءة بالفاسدين ومحاسبتهم بكل قوة، حتى يرى الشعب فيهم حكما يرضيه، بما سببوه من خسائر للبلاد، لن تنجح انتخابات في ظل وجود هؤلاء المتنفذين في البلاد، والذين مازالت مؤثراتهم المادية والمعنوية تمنحهم شرعية زائفة، هذا البيان يعيدنا للمربع الاول من العبث بتونس، الشعب المقصر يستحق أكثر من هذا، ويتحمل مسؤوليته كاملة، تحية لمن انتخب واكبارا له على اداء واجبه، وهذا العدد أقولها بكل أسف انه معبر على مستوى الوعي عند الشعب التونسي .. والشعب الذي يعزف عن تفعيل ديمقراطيته، يستحق ان ينال حكما يعيده إلى حيث كان في مستنقع دكتاتورية لا ترحم، ولا يهمها من مستقبل تونس شيئا، ثوبوا الى رشدكم فأن من يتزعمون المعارضة اليوم هم ممن فشلوا في قيادة البلاد طيلة عشر سنوات كاملة، لم تجني البلاد فيهن سوى الخسائر الفادحة، تذكروا على سبيل المثال خسائر القمح والفوسفات، لتدركوا مدى تلك الخيبات وثقل تلك الخسائر.
فتح الملفات بانواعها هو الحلّ المستعجل اليوم قبل الغد، وعلى الرئيس الإسراع بها، قبل أن يتغلب المستجيرون بقوى الغرب، ومن غير المستبعد أن يسقط هؤلاء في مستنقع التطبيع مع الكيان الصهيوني، من اجل إزاحة الرئيس قيس سعيد، بأي صورة تمكنهم من العودة من جديد إلى مشهد البؤس السياسي القديم.
وعلى عموم الشعب ان يتسلحوا بوطنيّتهم قبل فوات الأوان، فمن تخلّف من واجباته فلا يلومن غيره، بل عليه أن يلوم نفسه على تقصيره، وتونس ليت تورتة للأكل بين شركاء يرون الوطن مغنما، يجب أن ينالوا منه رغباتهم الخاصة، حمى الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء.
المراجع
1 – مرسوم عدد 55 لسنة 2022 مؤرّخ في 15 سبتمبر
https://www.google.com/search? 1671523266089
2 – الانتخابات التشريعية التونسية 2019
https://ar.wikipedia.org/wiki
3 – تونس .. 9.2 ملايين ناخب مدعوون لانتخاب
https://www.aa.com.tr/ar/2765459