المشهد السياسي التونسي متأزم، وأجواؤه مليئة بالاحتقان السياسي والشعبي؛ خصوصا في ظل التدهور الاقتصادي والاجتماعي والسجال السياسي والتراشق البرلماني، هذا الإنسداد السياسي ينذر بالخطر و ليس إلا واحدا من مظاهر انهيار الدولة وضعفها وعدم قدرتها على حماية سيادتها و سيادة شعبها..
لا تستحق تونس أن تصيبها هذه الكارثة ، دولة كانت بهيبتها ذات يوم عندما كان مصيرها في يد سياسيين يعرفون قيمتها، ويدركون أهمية المسؤولية الملقاة على عاتقهم لحماية هذا الشعب وهذا البلد.. نعم لم تكن تونس هكذا عندما كان هناك رجال في مواقع الحكم يستحقون أن يكونوا حيث هم، كان هناك رجال لا يتقربون لكل صاحب نفوذ أو بارون فساد ، ليوصلهم إلى حيث هم، كان هناك رجال يديرون الدولة بمسؤولية.. لقد استسهلت الدولة الاستهتار بإدارة أمورها إلى أن وصل الأمر إلى هذا الوضع الغير مسبوق.. إلى أين يمكن أن يصل كل هذا إلا إلى انهيار الدولة وإفلاسها وعجزها عن إدارة شؤونها؟
إنشغال الطبقة السياسية بالنزاعات والتجاذبات والاختلافات على المواقع والمناصب أدخل البلاد في دوامة من عدم الاستقرار والتخلف عن بقية الشعوب و أجهزوا على الدولة و اصبح من الصعب التنبؤ بإمكانية قيام دولة يتساوى فيها المواطنون، و يتحمل فيها السياسيون المسؤولية..بعض الأطراف الفوضوية تتحرك حسب منطق الغنيمة و المصالح الضيقة و تسجيل النقاط السياسية العبثية .. ليس الصراع السياسي في تونس اليوم صراع برامج ومشاريع و مبادرات ؛ بقدر ما هو صراع رموز ومرجعيات ترى لنفسها الأحقية بالسلطة دون غيرها، ودون رصيد يذكر إلا بعض الشعارات الرنانة و الشعبوية، و أيضا صراع عائلات ولوبيات وجهات حكمت البلاد بيد من حديد ، وترى أنها الوريث الشرعي للسلطة والمال؛ في ظل ان الجهات الداخلية المهمشة إندثرت تحت ركام الفقر والبطالة والتهميش والإقصاء والاحتقار، فعن اي عدالة إجتماعية تتحدثون؟
اليوم البلاد تنزلق تدريجيا في منعطف خطير و الطبقة السياسية حققت كل الأرقام القياسية في مؤشرات الفشل.. و مايحدث اليوم في الساحة السياسية هو نتيجة طبيعية لمسار سياسي خاطئ، و لابد أن ينتهي هذا النشاز السياسي، و إنقاذ البلاد من الإفلاس والإنهيار ، وإلا سيخسر الشعب، وتخسر الدولة ويخسر السياسيون جميعا..!!
الأحداث الأخيرة في تونس و الإحتجاجات المطلبية الاجتماعية و مسلسلات الفوضى و الصراعات السياسية العقيمة في مشهد سياسي عقيم و معقد و متعفن ، يبدو أنها أحداث سيئة متسارعة يستغلها البعض ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺒﺌﺔ جزء هام ﻣﻦ الشعب ضد الدولة و إستقرارها .. هؤلاء اﻟﻤﺘﺮﺑﺼﻴﻦ يستغلون ﻫﺬا المناخ اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ المأزوم ﻣﻦ أجل قضاء ﻣﺂﺭﺑﻬﻢ اﻟﻤﺸﺒﻮﻫﺔ الذين يريدوﻧﻬﺎ ﻓﻮﺿﻰ عارمة في دولة عميقة ﻻ رقيب ﻓﻴﻬﺎ و ﻻ ﺣﺴﻴﺐ.. ﻓﻲ ﺣﻴﻦ اﺳﺘﻐﻠﺘﻬﺎ ﺑﻌﺾ القوى اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺗﺼﻔﻴﺔ ﺣﺴﺎﺑﺎﺗﻬﺎ ﻣﻊ ﺧﺼﻮﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻴﻦ إﻋﺘﺒﺮﻫﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺍﻵﺧﺮ ﻓﺮﺻﺔ ﻣﻮاﺗﻴﺔ ﻟﻺجهاز ﻋﻠﻰ النظام السياسي اﻟﺘﻮﻧﺴﻲ ﺑﺮﻣﺘﻪ..بعض الأطراف السياسية ساهمت، بتفاوت، في الوصول إلى هذا المستوى من الترذيل السياسي الذي بلغته البلاد، وهو ترذيل يعكس استخفافا مريعا بالأوضاع التونسية الراهنة على كل الأصعدة، ويترجم عجزا حقيقيا عن تشخيص الأزمة التونسية وعن التوصل إلى العلاجات؛ ﻓﻬﻞ ﺳﺘﻨﺠﺢ ﺗﻮﻧﺲ :رئاسة و ﺣﻜﻮﻣﺔ و أحزاب و منظمات ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ هذه الأزمة و إفشال رغبة البعض ﻓﻲ الزج ﺑﺎﻟﺒﻼد ﻓﻲ مربع الصراع و الفوضى التي ﻻ تخدم سوى قوى الشر أعداء الشعب و الوطن ؟
ما حصل بعد الثورة إلى اليوم و بعد عشر سنوات عجاف، تونس في أسوأ حالاتها وفي تراجع في كل المجالات و الشعب التونسي كان ينتظر إجراء إصلاحات اقتصادية عاجلة من شأنها الحد من قضايا البطالة والفقر والتهميش، بعيدا عن الصراعات السياسية التي لم تغير شيئا في الواقع اليومي للمواطنين؛ ما يحدث اليوم في في تونس صدمة و نكسة كبيرة للشعب و للثورة ليس فقط لتعفن المشهد السياسي برمته ، ولكن أيضا لحجم الصدمة وخيبة الأمل والتزييف؛ أحلام و تطلعات شعب تتحطم ، وأهداف ثورة واعدة تتبخر ، ومشروع إصلاحي صمد عقودا وضحت من أجله أجيال يهوي، ويهوي معه عدد من رواده الذين رشحتهم الأقدار ليقودوا ثورة شعب ونهضة وطن وفرصة ذهبية نادرة للتحرر و النهوض؛ احلام شعب ضاعت بمبررات أقبح من الفشل.!
لا بد ان يدركوا اهل السياسة بأن البلاد ستواجه أزمة اقتصادية وإجتماعية عاصفة ،وما لم يدرك الجميع هذه الحقيقة فإن شعبنا التونسي العظيم لا يمكن أن يكون لعبة شطرنج بيد هذا أو ذاك يحركها كيف ما شاء ومتى أراد ! وهو من أوصل الجميع إلى السلطة .. لقد صنع الشعب العظيم التغيير من خلال ثورة الحرية و الكرامة ، وفي مقدمته الشباب ، وقدم الغالي والنفيس من أجل الإنعتاق من الظلم و الاستبداد.. ، الشعب التونسي يستحق أن يحظى بحياة أفضل من هذه التي يعيشها اليوم، و لن تتحقق في ظل التجاذبات التي تفرق القوى السياسية وتدفعها إلى التكالب خلف مصالحها وتتناسى مصالح الشعب الذي يستحق أن يقطف ثمار ثورته التي خرج من أجلها قبل عشر سنوات بهدف التغيير، و الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية.. مايحدث اليوم في الساحة السياسية هو نتيجة طبيعية لمسار سياسي خاطئ و لم يكن في مستوى تطلعات الشعب بعد الثورة..
تحتاج تونس إلى نخبة تجيد إدارة الأزمات و تحليلها واستنباط حلول واقعية و جذرية قابلة للتحقق، وفي ما عدا ذلك ستستمر المناكفات والخصومات وغيرها من تعابير الضحالة والترذيل و ستغرق السفينة بالجميع..!!
إلى أين.. بهذه المهزلة.. ؟