بقلم/ محمد البراهمي كاتب صحفي و ناشط سياسي |
التحرّك الشعبي يوم 25جويلية2021 ، كان الشباب رأس الرمح لها ووقودها، ولكن الشعب في كل الجهات خرج ليفرض إرادته و يرفض المنظومة و يسقطها ، والمطالب أيضاً رفعها الشباب، ورفعها أغلبية الشعب ، وهي في مجموعها مطالب شعب يرفعها الشباب ويحميها الشعب ويطالب بها.. “إنّ لإرادة الشعوب قوة وصلابة لا يستطيع فهمها من تربى في الذلّ والخنوع، وإنّ لانتصار إرادة الشعوب معنى لا يستشفه من عاش كالأيتام على مأدبة اللئام، يقتات مما يلقيه إليه سادته من فتات..”
دفعت حالة الانسداد السياسي التي تشهدها تونس في ظل استمرار معركة الصلاحيات بين الرئاسات الثلاث والتي تتزامن مع أزمة اقتصادية واجتماعية وصحية حادة الشارع بهدف تغيير منظومة الحكم القائمة في ظل غياب البدائل وتعطل الحوار الوطني، في الأثناء الحكومة وبدعم من حزامها السياسي تعاملت مع مطالب الشعب بالقوة الأمنية والاعتقالات وضرب حرية التظاهر والتعبير وتحصين مرتكبي هذه الجرائم من الإفلات من العقاب، كل هذه المعطيات تسببت في حالة من الغليان الشعبي ضد الحكومة وحزامها السياسي وخاصة النهضة التي تحملت فاتورة الفشل العام الذي تعيشه البلاد منذ عشر سنوات، و الطبقة السياسية الحاكمة مدركة إستفحال الأزمة التي تعيشها تونس على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلاّ أنها تركز اهتمامها فقط على الجانب السياسي لأنها منشغلة بالسلطة وتقاسم الغنيمة.. و إختارت الهروب إلى الأمام و طريق الكذب والمماطلة والتهرب من تنفيذ المطالب الشعبية في السنوات الماضية، بل بات من المؤكد أن الجميع كانوا متفقين على هذا السلوك السياسي، بدليل أن كل الوجوه التي تداولت على السلطة كانت قد مارست النهج السياسي نفسه في التعامل مع المطالب الشعبية.. ولا حل إلاّ بإسقاط المنظومة الحاكمة الحالية التي تريد أن تعيد تونس إلى مربع الإستبداد..
الإرادة الشعبية في مواجهة نظام تهاوى، يمسك بالوطن وقيمه وعلاقاته ليأخذها معه إلى أخدود مظلم صنعه لنفسه.. و في مواجهة حالة خداع طال أمدها تعيشها البلاد جراء منظومة حكم عاجزة ومتعفنة ساهمت في دفع البلاد نحو الإفلاس والإفقار ولم تقدر على حماية أرواح الناس بوضع خطة واضحة وناجعة ضد وباء كورونا، بل وفككت مفاصل الدّولة وأصبحت تهدّد وجودها..، و الشعب التونسي قال كلمته وانتهى الأمر و حدّد بوضوح أنّه لا عودة إلى الوراء وإلى ما كانت عليه الأمور من قبل، تونس قد تغيرت، ومستقبلها في يد الشعب..، انّ الجمهورية الثانية انتهت وحان الوقت لبناء تونس جديدة يحلم بها كل المواطنين التونسيين قوامها العدالة والحرية والكرامة الوطنية بعيدا على التكالب على السلطة والسعي الى تحقيق المصالح الضيقة..، تونس بعد 25 جويلية لن تكون مثل تونس قبل 25 جويلية، المرحلة القادمة قطعاً لن تكون مثل سابقتها بإعتبار التغييرات الجذرية التي طرأت على قوانين اللعبة السياسية في تونس، لكن قبل النظر في ملامح المرحلة القادمة يجب تصفية الإرث الثقيل للمرحلة السابقة التي اتسمت بالفساد والقمع وتكريس الإفلات من العقاب والتدهور المخيف لمستوى المعيشة وتفكك حالة الدولة، فبحيث المنظومة الفاشلة طالما لم تصلح نفسها وأساليبها فلن تحكم لو عادت إلى السلطة بالصندوق أو بغيره، لن تحكم ولن تتحكم، فالشعب في غالبيته العظمى، تغير ولن يعود الى الوراء.
بعد 25 جويلية حركة النهضة تعلن استعدادها لتقديم تنازلات يأتي بينما تسعى للتموقع في المشهد السياسي الجديد بعد قرارا الرئيس قيس سعيّد، لكنها قد تفشل في مسعاها بعد فقدان ثقة التونسيين وخسارتها شقا كبيرا من مناصريها، و باتت تفكر في مناورة سياسية جديدة يبدو أنها متأخرة لاستعادة ثقة الشارع التونسي الذي يحملها مسؤولية تدهور أوضاع البلاد، حركة النهضة استفاقت من الصدمة.. وبدأت تنفيذ المناورات..، النهضة بإختصار تُحاول و تُناور و تُعدّل أشرعتها مع اتجاهات الرياح ، للتقليل من خسائرها ، من خلال الدعوة إلى حوار سياسي وطني وربما ترى أنّه ملاذها الأخير من أجل إعادة التموقع من جديد..وفي نفس الوقت تبعث برسائل للداخل والخارج وللرئيس قيس سعيد بأنها مستعدة لمراجعات عميقة وشاملة وإعادة ترتيب بيتها الداخلي بفعل ”الصدمة“ التي أحدثها تفعيل الرئيس للإجراءات الاستثنائية.. خصوصاً بعدما لفظها الشارع مُطالباً برحيلها و رحيل المنظومة السياسية الفاشلة برُمّتها..و الشّعب التونسي قال كلمته وانتهى الأمر، وحكم الإخوان انتهى إلى غير رجعة و المناورات الداخلية و الخارجية لإنقاذ جماعتهم لن تُجدي، فمشروعهم يواجه الفشل الحتمي، و يجب أن يدركوا أن الشعب الذي ثار على القمع والكبت و التفقير و التهميش و الإذلال ، قد دمّر كل حواجز الخوف ولم يعد بإمكان أي قوة كبرى أو صغرى أو جماعة أو حزب أن تفرض إرادتها عليه مرة أخرى.. و لا يمكن لأحد الدفاع عن فكرة الرجوع إلى الوراء.، و منظومة دستور 2014 ليست قرآناً مُنزلاً أو قدراً محتوماً، فقد أصبح من الضروري تغيير هذه المنظومة التي لم تنتج سوى الفشل والأزمات والخيبات.. و بالتالي نظام الحكم الراهن في تونس هو نظام أعرج و لا يمكن له أن يقود إلى إصلاحات وهو أصل الأزمة ويجب التوجه بسرعة قصوى نحو تعديله..
إن المرحلة القادمة تحتاج إجراءات تعيد ثقة المواطن في الدولة وإعادة الاعتبار للديمقراطية الحقيقية التي تقوم على أساس حماية مصالح الشعب والعدالة للجميع على قدم المساواة وانهاء الإفلات من العقاب وحماية حقوق الانسان والحريات الأساسية، و محاسبة الفاسدين و مافيات الفساد التي تتحكم في مصير تونس هي الأولوية القصوى من أجل إنقاذ ما تبقى من الدولة، وخاصة توفير الحد الأدنى من الكرامة للمواطنين، وهو ما كان مفقودا في الفترة السابقة، و يجب أن تتلوها قرارات تحدد الخطوات السياسية للمرحلة القادمة و خارطة طريق واضحة ابرز معالمها تعيين رئيس حكومة جديد ، و محاسبة الفاسدين ، وتعديل النظام الانتخابي و اجراء استفتاء على النظام السياسي و تمرّرنا بسلاسة و عقلانية إلى الجمهورية الثالثة التي تؤسس لدولة عصرية وشفافة ومسؤولة وتعمل لخدمة الشعب والوطن .. لا يمكن تجاهل مطالب المواطنين الذين خرجوا يوم 25 جويلية محتجين على تردي أوضاعهم المعيشية ومطالبين بحقهم في حياة سياسية تقطع مع الانحدار السياسي والأخلاقي ومع العجز الفادح في تسيير شؤون الدولة، حتى لا يصاب التونسيون بالإحباط بعد هذه الخطوة التصحيحية التي شهدتها البلاد، ونمر من حالة الفشل إلى حالة استبشار جديدة.. تونس بعد الخامس و العشرين.. لا عــــودة إلى الوراء..!! عاشت تونس حرّة مستقلّة و شعبها العظيم.