الخميس , 26 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

تونس لن تسقط… بل هم الـــــساقطــــــــون !!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

كنّا نظن أن تونس قد نجت إلى حد ما من مؤامراتهم الخبيثة، رغم محاولاتهم الحثيثة في بث الفوضي في البلاد وإثارة الفتنة بين المجتمع ، وعرقلة المسيرة الديمقراطيّة فيها.. إلاّ أنّ هوس السلطة يعيدهم في كل مرة إلى ذات الدائرة القائمة على التحريض والتشويه ضد تونس و رموزها و أمنها واستقرارها.. مؤامرات شيطانيّة تغذّيها أطراف خارجية تستهدف التجربة الديمقراطية في بلد عربي ممنوع عليه أن يجرب الديمقراطية بكل تعثراتها لأن الخوف كل الخوف هو أن يستقر المسار الديمقراطي وتتعود الشعوب العربية على الحرية و المواطنة.. وفي تونس هناك أطراف سياسية داخلية غذت هذه الحملة الضروس، وهي الأطراف الخاسرة والمتضررة من عملية الإصلاح السياسي والمستفيدون من تلك الحملة جزء من المنظومة القديمة ، وبعض رموز اليسار المتطرف الرافض للديمقراطيّة، و بعض الأطراف الداخلية والخارجية المعادية لنجاح التجربة التونسية.. و إنّ محاولات هؤلاء للعودة إلى السلطة عبر وضع العراقيل والسعي لإعادة تدوير الشعارات البائسة لن تعود عليهم إلاّ بالمزيد من العزلة.. و لا يخفى على أحد أن هناك أيادي خبيثة خفية و أموال خيالية ملوثة و هناك مؤامرة مكتملة الجوانب تحاول جر البلاد نحو الفوضى، وهي لا تريد إنتخابات أو ديمقراطية، وإنّما تريد إمّا فترة انتقالية و فوضى إلى ما لا نهاية أو العودة إلى اللاّدولة.. وجر البلاد إلى الهاوية وتطبيق مخططات الخراب التي نُفذت في دول أخرى..

إنّ صناعة الفوضى في تونس اليوم كان من ورائها ساسة لم يفقهوا معنى الديمقراطيّة أبدا ، ولم يفقهوا معنى الوطنيّة أبدا ، ولم يدركوا مخاطر الإنهيار أبدا ، ولم يتعلموا من تجارب التاريخ أبدا ، ولم يكن لديهم إلاّ التعّصب وزرع روح الفتنة في المجتمع .. و إنّ الأزمات مختلفة والفوضى متنوعة والأحداث عديدة وآلياتها مستحدثة، لكن دلالتها واحدة وهدفها واحد مهما تباينت جولات الصراع وساحاته، المعركة بين منوالين لا ثالث لهما: الثورة من ناحية وإنجاح المسار التصحيحي بشعارات 17 ديسمبر/25 جويلية الخالدة و قوى الردّة و رعاتهم في الخارج من ناحية ثانية المسلحة بمهمة إعادة النظام القديم و المنظومة السابقة السّاقطة سياسيا و شعبيا و حتى أخلاقيا.. الحذر كلّ الحذر من مؤامراتهم الخبيثة التي لن تبقي و لن تذر و التي يمكن أن تدخل البلاد في أتّون من التّناحر و الاقتتال و الفوضى و الدّمار، و هذا كلّه بسبب الغباء و الأنانية المعهودة من الذين تعوّدوا على السيطرة و النّهب لمقدّرات الشّعوب و العيش على ظهر الوطن و الشّعب مثل الطّفيليّات و الفطريّات الضارّة، نعم إنّهم عاشوا لسنوات كالطّفيليات و الفطريّات الضّارة، فهناك من الطّفيليّات ما هي نافعة، و لكنّهم طفيليّات فاسدة و مفسدة لا يتوقّع منهم صلاح و لا إصلاح.. و القاصي و الداني من المواطن العادي إلى المواطن المهتم و المتمرّس بالسّياسة، كلّهم يعلمون جيّدا أنّه بعد خلعهم من السلطة، و بعد فشلهم في العودة عبر صناعة الفوضى و خلق الفتنة و التحريض، و بعد استفاقتهم من الصّدمة انطلقوا في تجييش الشارع بهدف إضعاف الدولة ، و قد تفنّنوا في تعطيل دواليب الاقتصاد و أخذوا في تطبيق سياسة الأرض المحروقة في وجوه من استلموا الحكم بطريقة شرعيّة عبر التفويض الشعبي و المشروعيّة الشعبيّة و لكن كل ما يفعلونه يُعتبر تنكيلا بالشّعب و تدميرا للوطن، و كأنّهم ليسوا تونسيّون و لا يعني لهم الوطن شيئا فهم عديمو المسؤولية و ليس لهم من الوطنيّة و حب الوطن إلاّ الكلام الذي يتشدّقون به من منبر إلى منبر و قد سئمنا مشاهدتهم على الشاشات و النظر إليهم في الطّرقات و لكنّهم لم يستحوا و يعوا..و لو كان هولاء فيهم ذرة حياء والله لن يرجعوا وجوههم إلى السياسة و يغربوا عن وجوهنا غير مأسوف عليهم ..

يقول ابن خلدون عن دور الفساد في انهيار الدول، إن “انتشار الفساد يدفع بعامة الشعب إلى مهاوي الفقر والعجز عن تأمين مقتضيات العيش، وهو بداية شرخ يؤدي إلى انهيار الحضارات والأمم”، لقد كان ابن خلدون محقًا في هذا الرأي الذي يعطي صورة مُختصرة عن الواقع المؤسف الذي وصلت إليه دولتنا اليوم نتيجة تراكمات الفساد و العبث والتنصل عن المسؤولية السياسية والأخلاقية التي ضاعفت الفقر والبطالة والحرمان الإجتماعي ، والتي قادت الوطن إلى شرخ سياسي وحضاري عميق يتطلب عملية إصلاحية جذرية..

طريقنا إلى بناء الدولة الديمقراطيّة مرتبط بشكل وثيق بتغيير ميزان القوى في مشهدنا السياسي، وبوابة هذا الهدف هي بناء تكتل سياسي مجتمعي يستقطب كل القوى الرافضة لعودة منظومة الفساد والداعمة لخط المسار التصحيحي .. ولن يتم هذا الأمر بشكل فعّال إلا إن نجحنا في تقسيم هذا المشهد السياسي إلى فريقين فقط وليس أكثر لأن في كل قسمة زائدة عن ذلك هي تقوية و جرعة أوكسجين للمنظومة الفاسدة الساقطة ، وهذا يحتاج منا إعادة فرز الساحة السياسية على معيار القرب أو البعد من النظام السابق فقط، وهذا في مرحلة أولى أمر حاسم لتقوية كفة التكتل المناهض لعودة الفساد و الفاسدين.. آن الأوان للتقييم والتقويم واستخلاص خلاصات تكون منطلقات لعمل نضالي مشترك على قاعدة برنامج حد أدنى موحد لكل القوى التي لها مصلحة في مناهضة الفساد، هذا أمر هام وذو أولوية قصوى، وكل وقت يمر دون تقييم المشهد السياسي و تصويب البوصلة يعد هدرا للوقت والجهد ومنح فرصة لقوى الفساد والاستبداد لإعادة رص صفها وتجديد ذاتها.. لذا لابد من عودة الوعي إلى النخب السياسية والمدنية وتفعيل روح الوطنية داخل المجتمع وتعزيز الاصطفاف الوطني وفق وحدة وطنية تاريخية يتأسس معها مشروع سياسي لإعادة بناء الدولة والمجتمع والخروج من نفق الازمات وإعادة الأمل للمواطن الفرد ولعامة المجتمع.. و هذه الوحدة الوطنية هي التي ستمنح الوعي الشعبي المتربص القدرة على إتمام تحصين المسار وتفعيل الموجات الجديدة التي ستحقق حتما الأهداف التي من أجلها سقط شهداء الوطن في 17 ديسمبر 2010 ودفع عبرها الفقراء والمعطلون من أحرار الوطن كل ما يملكون وما لا يملكون ذات 25 جويلية 2021 .. تونس بحاجة الى مشروع سياسي تقوده طبقة سياسية ناضجة، تبدأ أولاً بالشروع نحو نقاش جديد لا يقوم على إستغفال الناس ومداعبة غرائزهم الوجدانية، نقاش يتواضع فيه السياسيون الذين يحاولون تقديم أنفسهم بإعتبارهم وصايا على الشّعب التونسي، وأن يبتعدوا عن المتاجرة بالقضايا الكبرى التي يقدمون أنفسهم مدافعين عنها ومتصدين لمشاريع المؤامرة التي تقف ضدها.. لقد آن الأوان، لمغادرة المراهقة السياسية القائمة على أساس عدم الثقة والتآمر والرهان على حماسة الخطابات والتعالي على الدولة، وتقزيمها أمام قوى اللاّدولة، وآن الأوان لوضع معايير عملية يمكن من خلالها تقدير قيمة الإنجاز من عدمه، كفاءة الأداء من فشله، فتلك التي تبدو تفاصيل تقنية صغيرة هي مصدر آلام ومعاناة الكثير من التونسيين ، اكثر من تلك التي تبدو قضايا كبرى مصيرية في تفكير الزعامات السياسية وحاشيتها .. لقد آن الأوان لتعديل البوصلة قبل فوات الأوان.. تونس لابد أن تتقدم خطوات إيجابية إلى الأمام رغم العراقيل والعقبات المفتعلة… أعداء هذا الشعب وهذا الوطن قد إتّحدوا ومستعدون للقيام بأي ألاعيب مهما بلغت قذارتها، لكن هذا الشعب الذي هب واقفا لن يسمح بمرور خططهم وألاعيبهم ولن يسمح للحياة أن تدب فيما تربو إليه نفوسهم الإرهابية، هذا الشعب لم يستسلم ولن يستسلم…و تونس لن تسقط… بل هم الـــــساقطـــــون ..

عاشت تونس حرّة مستقلّة
عاش الشعب التونسي العظيم

شاهد أيضاً

القضية الفلسطينية.. بين الصمت والتآمر والتضليل!!…بقلم الناشط السياسي محمد البراهمي

يرى كثيرون ان أصل الشرور في الشرق الاوسط في المائة سنة الاخيرة هو (اغتصاب فلسطين) …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024