تونس ومحاولات السّقوط في “رجس الخراب” والرّذيلة بمناسبة شهر الفضيلة!

د.مصباح الشيباني |
ردّا على جمعية “حركة المفكرين الأحرار” التي قامت بوقفات “احتجاجية” تحت شعار “موش بالسّيف” في دعوتها إلى الجهر بالإفطار في رمضان وفتح المقاهي والمطاعم في تونس. هذه الجمعية وأخواتها التي كثرت في تونس خاصة بعد 2011 تعمل على تفكيك هوية المجتمع والتأثير في الشباب من أجل التسويق إلى أفكارها التضليلية والمنافية لكل المعايير القانونية والأخلاقية والدينية وإلى القيم الإنسانية. وقد نسي أعضاؤها أن الفصل الأول من الدّستور واضح في دلالته ولا يقبل التأويل الذي يؤكّد فيه على أن تونس دينها الإسلام. ومن يعتدي على دين المجتمع (الأغلبية)، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يعتبر معتديا على الدّستور. وبالتّالي، فإنّ الدّعوة من قبل هذه المنظمة مخالفة للقوانين ولمبادئ الدستور ولضوابط العيش المشترك وهي تستهدف وحدة المجتمع في تونس وانسجاميته. ولهذا، ينبغي علينا جميعا التصدي لها، وأن نكشف كل من يدعمها سواء بالفكر أو المال.
لقد كتب الباحث الفرنسي “فرانسيس بال” عميد المعهد الفرنسي للصحافة في دراسة وجهَها إلى “الجمعية الفرنسية للقانون الدّولي” نشرت عام 1978 ” إنّه منذ زمن طويل ودول العالم الثالث تشعر بالخطر المسلّط على شعوبها من خلال وسائل الدّعاية والإعلام التي تملكها وتُوجّهها القوى الاستعمارية بقصد الحفاظ على هيمنتها الدّائمة فيها. وكان على رأس قائمة المخاطر تشويه حقيقة مجتمعات “العالم الثالث” وتفكيك مكوّناتها الحضارية والتاريخية وإعادة بناء ثقافتها وأفكارها وتقاليدها وقيمها لتكون على ما يتّفق مع مصالح دول الغرب الإستعماري.
فليس مصادفة أن يكون لبعض العقول المسكونة بـ”الفتنة” والهذيان “اللاّديني” و”اللاّأخلاقي” من محاربة دين مجتمعهم وثقافته وهم يعرفون أن هناك واقع يتجاوز هذيانهم، وبالتالي لن ينجحوا في إعادة تشكيله بترّهاتهم ومعالجاتهم “الفتنويّة” التي لم تعد لها أيّة قيمة، بل لن تكون سوى سحابة عابرة سوف تنقشع وتعتم بصائرهم، ولن تمطر في أرضنا إلا خزيا ولعنة عليهم وعلى مموّليهم وداعميهم وأسيادهم.
نحن نعرف أنّ اصطناع قضايا فكرية أو معارك دينية في تونس خاصة، وفي الوطن العربي عموما اليوم، دون مبرّرات واقعية أو وجاهة مجتمعية لا تعدو أن تكون اصطناعا من أجل الهروب من مواجهة مشاكل الواقع الحقيقية والملحّة مثل: البطالة والتهميش والفساد وغيرها. لقد وقعت في تونس منذ 2011 أحداثا ومسرحيات كثيرة من هذا النوع، ومازالت ستحصل مثلها أيضا في المستقبل كلّما رأوا أعداء الوطن حاجة لذلك، ولكن مهما تكاثفت هذه الحملات ستظل هامشية، ولن تطال عمق القضايا بل سوف تسقط مثلما سقطت سابقاتها، وبحسب القاموس الانجيلي في “رجس الخراب” والرّذيلة، ولن يحصد أصحابها سوى مزيدا من الخبل والاختلاط الذهني والعمى في البصيرة.
وليعلم هؤلاء، أنّه لا يمكن لتاريخ المجتمع أن يتشكل عبر الأوهام والأحداث العابرة والمصطنعة مهما كانت سياقات دينامياته غير عادية أو “لامعيارية”. كما إنّ حضارة المجتمعاتها وثقافاتها لا تؤسّسها الاحتجاجات الفوضوية أو محاولات تأسيس عادات وقيم دون مرجعية منطقية وتاريخية أو شرعية دينية أو علمية أو قيمية. فالمجتمع يرفض بشكل قاطع هذه الحملات المشبوّهة التي تتم باسم “حقوق الإنسان” وهي ليست إلا دعوات محبوكة وتسويقية من أجل تحقيق ما فشل أعداؤنا في تحقيقه عسكريا، أي العمل على تفكيك النظام القيمي وهوية المجتمع بأشكال جديدة ناعمة (الانحلال الأخلاقي، والشذوذ، وانفصام الشخصية وغيرها). هؤلاء أصحاب الأفق الضيق وعملاء الاستعمار والمطبّعون مع الصهيونية سيظلون مبتورين عن أصولهم، ولن يفتحوا الميادين التي يقصدها الكثرة ولن يكونوا سوى مخادعين ومرفوضين بل سيظلوا يعيشون هستيريا ولن تزيدهم أفكارهم إلا مرضا وبؤسًا، لأنهم يفتقدون إلى ملكة التفكير الحر في البحث عن البدائل الحقيقية التي تفك أسرهم؛ فيحسبون أنّهم في عدائهم لمجتمعهم والتنكر لهوية شعبهم يصنعون انتصارا للحرية والديمقراطية!
فهذه الحركة التي تنادي بالمجاهرة بالإفطار تعتمد منطقا مقلوبا لا يستهوي إلا أصحاب النفوس المريضة والداعية إلى الكذب والتضليل. وبهذا “الأسلوب التسويغي” كمدخل لإباحة المحرّمات باسم حقوق الإنسان وبأساليب فاحشة وعلى حساب هوية عامة الناس. هؤلاء الذين يعملون بدأب، تحت غيمة كثيفة محجوبة ومضللة من الشعارات “الحقوقية” يستخدمون جميع الوسائل “الصّالحة” و”الفاسدة” من أجل التّضليل والهيمنة على الشباب. وعمليات التخويف من الدين الإسلامي ومحاربته يعاد تدويرها اجتماعيا وثقافيا ورمزيا من أجل خلق منطقة رمادية تخدر الاحساس لدى بعض الشباب السذّج ومن أجل التلاعب بعقولهم وتشويه هوية مجتمعهم وتفكيك مكوّناتها الثقافية.
صحيح أنّ أمتنا تمرّ بحالة من التشتّت و”الفتنة” ( بكل أشكالها وأبعادها) وتسودها كل علامات العجز عن التغيير والتطور والفشل في معالجة مشاكلها ومواجهة تحدياتها الكبرى، سواء في مجال الصّراع ضد الامبريالية العالمية والصهيونية، أو في مجال النمو الاقتصادي وتجاوز التخلف. ورغم ذلك، ستظل أمّة واحدة ذات حضارة عربية إسلامية عظيمة، وذات مصير واحد وسيهلك المُفْتنون والشّاردون والمجتثّون من أوطانهم. هذا أمر لاشك فيه.

شارك على :
المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2023