أربع احتِمالات تُفَسِّر إقدام “حزب الله” على إحداث ثلاث ثغَرات في السّياج الحُدوديّ مع فِلسطين المحتلّة.. ما هي؟ وما الرّسالة الأهم التي تَكمُن خلف هذا الاختِراق الأمنيّ الخطير؟ هل استوعب نِتنياهو وقِيادته الشماليّة مضمونَها؟
إذا كانت عمليّة إحداث ثغَرات في السّياج الحُدوديّ مع لبنان أحدَثت كل هذا الهَلع والرّعب في صُفوف القوّات الإسرائيليّة، ودفَعا قِيادتها العُليا إلى إعلان حالة الطّوارئ، وفتح تحقيقات مُكثَّفة، فكيف سيكون الحال لو نجَحت العناصر التي أحدَثت هذه الثّغرات في العُبور إلى العُمق الفِلسطينيّ المُحتل والاستِيلاء على مُستوطنات حُدوديّة؟
الأمر المُؤكِّد أنّ قِيادة “حزب الله” هي التي تَقِف خلف هذا الاختِراق الأمنيّ الخطير وغير المَسبوق في الأشهُر الأخيرة، فلا يستطيع “طائِر” الاقتِراب من الحُدود من دون عِلمها وإذنها، ناهِيك عن إحداث ثغراتٍ في السّياج الحُدوديّ، الذي من المُفترض أنّه مُحصَّنٌ من مِثل هذه الأعمال، ولا تتوقّف الدوريّات العسكريّة الإسرائيليّة عن مُراقبته على مُدَّة 24 ساعة.
السّؤال الذي يطرح نفسه بقوّةٍ في أوساط القِيادة العسكريّة الإسرائيليّة الشماليّة التي عقدت اجتِماعات طارئة بسبب حالة “الصّدمة” التي تعيشها، عن الأسباب التي دفعت قيادة “حزب الله” على الإقدام على مِثل هذه الخطوة في زمنِ الانشِغال الإسرائيليّ بانتِشار وباء كورونا، والأزَمة السياسيّة الوزاريّة المُتفاقِمَة؟
هُناك أربعة نُقاط يُمكن أن تُقدِّم بعض الإجابات في هذا الصّدد:
الأوّل: أن تأتي هذه العمليّة ردًّا على مُحاولة الاغتِيال الفاشِلة التي نفّذتها طائرة إسرائيليّة مسيّرة استهدفت سيّارة دفع رُباعي يستقلّها أربعة من قِيادات الحزب الميدانيّة على الحُدود اللبنانيّة السوريّة قبل يومين ونجُوا جميعًا من هذه المُحاولة.
الثّانية: تأكيد هذه القِيادة (حزب الله) للإسرائيليين بأنّ تدمير الأنفاق المزعومة على الحُدود اللبنانيّة الفِلسطينيّة المحتلّة التي جرت وسط عاصفة من الحملة الدعائيّة الإسرائيليّة، ومن قِبَل نِتنياهو شخصيًّا هذا التّدمير المسرحيّ لأنفاق قديمة، لا يعني أنّ خلايا الحزب غير قادرة على اختِراق الحُدود فوق الأرض في أيِّ وقتٍ تشاء، أو تَصِل إلى أهدافها.
الثالثة: إحداث هذه الثّغرات، وفي ثلاثِ مناطق حُدوديّة مُختلفة، ونجاح مُنفِّذيها في العودة إلى العُمق اللبنانيّ دون أن يكتشفهم أحد، عملٌ على درجة خطيرة في “رمزيّته” ويَعكِس اختِراقًا استِخباريًّا يُؤكِّد على كفاءة عمليّاتيّة عالية المُستوى تَقِف خلفه.
الرابعة: توجيه رسالة غير مُباشرة إلى القِيادة الإسرائيليّة تقول إنّ خلايا الحزب مُستعِدَّةٌ لكُل الاحتِمالات، وأبرزها الرّد على أيّ عمليّات اغتِيال تستهدفها مُستَقبلًا، وقد يكون الرّد بالتوغّل في الجليل الأعلى، وأخذ رهائن من المُستوطنين، إذا لم تَكُن هُناك خطّة للبقاء والتّحرير، أي أنّ أيّ عملٍ انتقاميٍّ مُستقبليٍّ لن يكون بالصّواريخ والطّائرات المُسيّرة، وحتى الأنفاق فقط، وإنّما من خِلال اختِراق السّياج الأمنيّ المُكَهرب والمحميّ جيّدًا أيضًا.
الوَقعُ النفسيّ لهذا الاختِراق من قِبَل قيادة “حزب الله” التي التزَمت الصّمت يُؤكِّد أنّها، ورغم انشِغالها بالأزَمة اللبنانيّة الداخليّة بشقّيها الاقتصاديّ والسياسيّ، إلى جانِب انتِشار الكورونا، وإرسالها قوّات للقِتال في ريف إدلب، رُغم كُل هذه الانشِغالات ما زالت المُواجهة مع الاحتِلال الإسرائيليّ، والاستِعداد لها بكُل الوسائل، تحتَل الأولويّة الاستراتيجيّة القُصوى.
قِيادة “حزب الله” بشقّيها السياسيّ والعسكريّ، لا تَنام مُطلقًا، وإذا نامت فهِي مِثل الذئب عينٌ مُغلقةٌ وأُخرى مفتوحة، والمَفتوحة باتّجاه الحُدود الجنوبيّة، وهذا ما يُفسِّر حالة الرّعب الإسرائيليّة المُتفاقِمَة.
رأي اليوم