بقلم: محمد الرصافي المقداد |
حوربت إيران – وهي ونحن أدرى بمن حاربها – بمختلف الطرق والسبل والوسائل، واستمر ذلك الأسلوب بأوجهه المتعددة، طوال عمر نظامها الاسلامي، لكنها رغم كل العوائق التي اعترضت طريقها، والمشاكل التي سببتها لها الاجراءات الظالمة، المسلطة عليها أمريكيا وغربيا دون وجه حق، بقيت صامدة مقاومة في مواجهة اعتداءات، مفضوحة المصادر ومعروفة الأهداف، تمكنت من تجاوزها بثلاث عوامل أساسية:
– تثبيت هذا البناء السياسي الاسلامي، من طرف قوة لا قدرة لأحد على مواجهتها أو ردّها، وهذا العامل الذي ميز مسيرة النظام الاسلامي منذ ايام الثورة وسنوات القيام والتأسيس، جعل منه لغزا محيّرا لأعدائه ولكل من لم يعرف عنه شيئا تقريبا، ونتذكر جيدا ما حصل للقوات الامريكية الخاصة، عندما هبت عليهم رياح الله العاتية، وهم يتهيؤون لتنفيذ عدوانهم بما أسموه عملية (مخلب النسر) انطلاقا من صحراء طبس في 24/4/1980، فجعلتهم كعصف مأكول، يومها اعتد الأمريكان بقوتهم، وأخذتهم العزة بالإثم، فاتخذوا قرارا بالهجوم على العاصمة طهران، لتحرير رهائنهم، لكنهم نسوا الله وعالم غيبه، ووعده الذي قطعه في وحيه، بالدفاع عن عباده المؤمنين ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور) (الحج 38)
– حكمة الإمام الخميني الذي استطاع ان يبحر بشعبه وسط عباب من الاعداء ومؤامرتهم، ضد نظامه الاسلامي، الذي قام بتضحيات شعب جليّ المعدن، بحب الله وجميل التوكل عليه، كما أخبر عنهم: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم(. (المائدة 54) فاجتاز به بنجاح، العقبات التي وضعت بطريقه، وأكبرها الحرب الظالمة والعدوان التي شنت على ايران، والتي استمرت ثماني سنوات بدعم غربي وعربي خليجي، واصطفاف اغلب دول العالم الى جانب المعتدي، واستطاع الشعب الايراني المسلم ردّ كيد المعتدين، رغم محدودية وشح مصادر تمويله بالسلاح، في مقابل الاسلحة المتعددة والوفيرة، التي وفّرها التحالف المعادي لإيران للمعتدي.
– قوة وقدرة الإيرانيين قيادة وشعبا على معالجة قضاياهم ومستجداتهم، بما يضمن ثباتهم على مواقفهم، والتشبث بمطالبهم المعلنة على الملأ من العالم، وقد عرفوا قديما برباطة جأشهم، وقدرتهم على مواجهة التحديات، وهذه الخصال التي عرف بها قوم سلمان المحمدي، نادرة في غيرهم من شعوب العالم.
وأعتقد أنه لا يوجد شعب في العالم، متحمّس لدينه ولقيادته، مثل الشعب الايراني، الذي قدّم التضحيات الجسام، طوال مسيرة الثورة والدولة الاسلامية، ولا يزال يدفع ثمن عقيدته الصافية وولائه الكبير الذي تكسرت عنده مؤامرات الاعداء، ولا يزال كذلك، بل واشدّ من ذلك.
هذه العوامل الثلاثة التي ذكرتها أنتجت قوة ايران الاسلامية، التي ستكون في مواجهة أية مؤامرة قادمة، وطبع الشيطان الأمريكي الذي لا ييأس من محاولاته الخبيثة، أنه ينسى خيباته السابقة، على أمل أن يفلح في اللاحقة، يتناقض تماما مع الطبع الإيماني لقوم سلمان المحمدي، المعروف بحسن الظن بالله وجميل التوكّل عليه.
صعّدت أمريكا من منسوب حربها الإقتصادية والإعلامية والإستخبارية على إيران الإسلامية، وانتظر النظام الإسلامي أن يقابل الاتحاد الأوروبي موقفها، من عرقلة الإتفاق النووي، بإجراءات عملية ملموسة، ينفذ فيها التزاماته المضمّنة بالاتفاق، الممضى عليه من طرف زعمائه ( بريطانيا / المانيا / وفرنسا) في 2 أفريل 2015، بعد ماراطون طويل وشائك من المفاوضات، لكن الدول الأوروبية المعنية بتنفيذ الاتفاق، لم تفي بالتزاماتها لحد هذا اليوم، لذلك أعلن النظام الإسلامي على الشروع باتخاذ إجراءات عملية، في مواجهة التصعيد الأمريكي وتلكئ الدول الأوروبية في تنفيذ التزاماتها، لم تخرج بعد من إطار الإتفاق بعد، بل تعلقت بوقف العمل بالإجراءات الطوعية، التي نفذتها إيران خارج الإتفاق، تعبيرا منها عن حسن نيتها، تجاه الأطراف الممضية عليه.
جدير بالذكر هنا أن الإمام الخامنئي قائد النظام الاسلامي لم يكن متحمّسا للإتفاق المبرم حينها، ودعا شعبه الى عدم الفرح والتفاؤل به كثيرا، على أساس أن الطرف المقابل ليس جادّا، معبّرا بقوله: (الإتفاق النووي وسيلة وليس غاية، وإذا خلصنا الى نتيجة إنه لا يخدم مصالحنا الوطنية، فبإمكاننا التخلّي عنه.)
يبدو أن الأمور مرشحة لتصعيد أكبر من ايران، في مواجهة التعنّت الامريكي، المدفوع صهيونيا وأعرابيا، خصوصا وقد تكشّفت صفقة القرن، التي دعت اليها أمريكا لفائدة الكيان الصهيوني، وتثبيته نهائيا على كامل أرض فلسطين، مع ضم الجولان السوري والضفة بما فيها القدس، وهذا يتعارض مع هدف النظام الاسلامي، في تحرير كامل فلسطين بالقوة، مما يضعنا أمام ترجيح فرضية، نشوب حرب خاطفة أو طويلة، تكون فيها نهاية الحلم الامريكي الصهيوني، في بسط نفوذهما في منطقة الشرق الأوسط.
إيران استوعبت درس الحرب المفروضة، وخرجت منها بمحصّلة أن وسائل الدفاع، يجب أن تكون مصنوعة في الداخل، بأيد وخبرات إيرانية، مع العمل على تطويرها جار على قدم وساق، لتصل الى مستوى منافسة نظيراتها في الدول الكبرى، التي تستعمل هذه التقنيات العسكرية المتطورة، لفرض منطقها وسياساتها الإستكبارية على الدول الضعيفة، ومن كان ضعيفا ولا يملك وسائل الدفاع عن نفسه، فعليه أن يتحمل تبعات ذلك، تابعا مستعبدا مكره على ذلك أو مختار.
والعوامل التي ذكرتها في أوّل مقالي، سوف تفرز نتيجة حتمية، هي نصر الله الذي سيفرح به المؤمنون: ( وما جعله الله الا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم.) ( آل عمران 126) وطالما أن ايران الاسلامية قيادة وشعبا، ماضية في طريق مرضاة الله واعلاء دينه، فان الله سينصرهم حتما (لينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) ( الحج 40) (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) ( محمد 7).