الجمعة , 27 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة

حكومة العمالة والارتهان للغرب

بقلم: محمد الرصافي المقداد |

تفاجأ عموم التونسيين بمشاركة بلادهم في مؤتمر دوليّ، أقل ما يمكن القول فيه أنه مشبوه، أعدته عن سابق إصرار وترصد  الولايات المتحدة الامريكية، واشرفت عليه يوَمي13 و14 فيفري /شباط الجاري بالعاصمة البولندية وارسو،  تحت عنوان مزيف (أمن الشرق الأوسط) ممثلة بوفد قاده كاتب الدولة للخارجية (الباشطبجي)  دون إعلان أو بيان يصدر عادة  من الوزارة نفسهاتُبين  فيه مقتضى الحاجة منه.

 خطوة جاءت معاكسة تماما لإرادة الشعب التونسي، مخلة بوفائه لالتزاماته المبدئة والاخلاقية نحو قضية شقيقه الشعب الفلسطيني، متنافرة تماما مع تضحياته، بعدما امتزجت دماءهما معا في أحداث عدة، منها ما كان تطوعا من ابناء تونس الذين ليوا نداء واجب نصرة إخوانهم في مواجهة الهجمة الصهيونية على أرض فلسطين ومقدساتها، فنال منهم الشهادة على أرضها، ومنها ما اقترفته آلة العدوان الصهيوني في ثلاث مناسبات على أرض تونس، اغتيال ابو جهاد، والعدوان على حمام الشط، واغتيال المهندس محمد الزواري

  موقف الحكومة قد لا يكون مفاجئا، لدى من خبر حقيقة انها لم تعبر يوما على مصلحة تونس، ولا أنها حكومة الشعب الذي ثار من أجل تغيير أوضاعه الاقتصادية والسياسية المتردّية، بقدر ما كانت في مجمل تحركاتها راعية لمصالح دول الغرب خصوصا فرنسا وامريكا ومنفذة لسياساتهما، طلبا لرضاهما فالرأي الأول ما تراه الايليزيه والبيت الابيض.

 سياسة الحكومة التونسية بقيت على حالها الأولى، منذ الحكم البورقيبي،  واستمرت بنفس المنهج الإملائي زمن حكم بن علي، وكنا كوطنيين مناضلين نأمل في أن تتغير سياسة التبعية والعمالة المنتهجة سابقا، الا اننا منينا بخيبات متابعة، دلت على أننا لازلنا بعيدين عن قيم الثورة ونتائجها واستحقاقاتها، في القطع مع سياسات قديمة، ليس فيها شيء من تطلعات وامال الشعب التونسي.

وكأني بالحكومة اعتمدت اسلوب المراوغة والخبث في تعاملها، بحضور عدد من اعضائها، يتقدمهم وزير الصناعة، وعدد آخر من اعضاء مجلس نواب الشعب، احتفالات سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتونس، الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإيرانية، وفي الجانب الآخر مشاركة غير معلنة، في مؤتمر اقيم لاستهداف ايران، في ازدواجية تعامل  تحمل في مضامينها اساءة للثورة التونسية وللثورة الاسلامية الايرانية في آن واحد.

هذا وقد اصدرت أحزاب تونسية معارضة، بيانات استنكار على مشاركة الحكومة في المؤتمر المشبوه،  ففيما يخص التيار الشعبي،  ندد في بيانه بالمشاركة التونسية، ورأى فيها فضيحة سياسية وأخلاقية، وانخراطا من الائتلاف الحاكم في المسار التطبيعي مع كيان الصهيوني، وانتهاكا للسيادة الوطنية ، وتصفية للقضية الفلسطينية، وتمريرا لصفقة القرن عبر اختلاق اعداء وهميين، وحرفا لبوصلة الصراع مع العدو الحقيقي للعرب والمسلمين.

ولم يتخلف حزب العمال التونسي بدوره عن اصدار بيان، ندد فيه  بتلك المشاركة، واصفا إيّاها أنها تمرير لصفقة القرن، ورأى الحزب أنّ هذه المشاركة تُعتبر زجّاً بتونس في محور عدواني، لا هدف له سوى خدمة المصالح المهيمنة للإمبريالية الأميركية والكيان الصهيوني في المنطقة، واسما القمّة بـالخطوة الإضافية لفرض التطبيع مع العدوّ الصهيوني، وتحويله إلى أمر واقع وعلني، في تحدٍّ سافر لمواقف الشعوب العربية، ولمشاعر الشعب الفلسطيني الذي يتعرض إلى حملات إبادة واعتداء واستيطان وتصفية لحقوقه الوطنية المشروعة.

لا أعتقد أن الحكومة ستخجل فيما اقدمت عليه من تصرف، مخالف لإرادة الشعب، فقد ثبت لدينا انها حكومة الامتثال لإملاءات اسيادها الغربيين، حيث لا اعتبار لكلمة الشعب، ولا التفتت لالتزامه الأدبي والاخلاقي نحو قضية اشقائه الفلسطينيين، التي يعتبرها احرار تونس  قضيتهم في المقام الأول.

 وفيما تبدو انعكاسات هذه المشاركة مرشحة لمزيد من تعابير الاستنكار والتنديد بها، كخطوة معارضة تماما لخيارات الشعب، حيث سيكون احراره على مواعيد جديدة من النضال الجماهيري ضد ممارسات، اقل ما يقال عنها بأنها فضيحة حكومة، تسترت على مشاركة افقدها شرف مناصرة شعب شقيق مظلوم، ووضعها في موقف سيء جدا مع شعب شقيق آخر هو الشعب الإيراني  ونظامه المستهدف في ذلك المؤتمر.

خروج قاطرة الحكومة التونسية عن سكة الشعب ليس جديدا، اذا ما التفتنا إلى سابق ما اقدمت عليه من تجاوزات، لم تراعي ارادته ولا مصلحته، بحيث أصبحت في حالة انجرار طوعي، تستجيب فيه لرغبات امريكا وحلفائها وعملائها

 كان من  باب أولى ان تلتفت الحكومة إلى أن الفلسطينيين المعنيين اكثر بأمن الشرق الأوسط، وهم طرف مهم فيه لم يشاركوا، بل لم توجه حتى للسلطة الفلسطينية المتمشّية مع مسار المفاوضات والتطبيع دعوة للحضور،  ولم تشارك تركيا ولا روسيا ودول أخرى اكبر شأنا، حتى أن (فريديريكا موغيريني) المفوضة للشؤون الخارجية للإتحاد الأوروبي رفضت المشاركة في المؤتمر، على اعتبار انه لا يعكس مضمونه السلم الحقيقي للمنطقة.

ان استجلاب رضا دول بسخط آخرين، ليس من حكمة السياسة في شيء، والجدوى منه معدومة تماما، وهذا ما يدفعنا الى القول بأن الحكومة قائمة على تنفيذ أجندات معارضة لمبادئ تونس شعبا وارضا ومقدسات، طمعا فيما ستعود به من حوافز قذرة.  

السؤال المطروح اليوم بعد هذا الانحراف الخطير ما جدوى المشاركة في هكذا مؤتمرات؟ ومتى يبقى الشعب اخر من يعلم؟ والى اي مدى سيتواصل خرق ارادته و طعنه في خاصرة استحقاقات ثورته؟ والسؤال الموجّه الى زعيم حركة النهضة في هذا الخصوص: الى أي مدى ستذهب في تنفيذ هذه الانتكاسات وانت وحزبك ممثلون في هذه الحكومة بل وداعمون لها من السقوط، ولا تقل أنك لا تعلم؟ فقد مر اسقاط قانون تجريم التطبيع بعدم اعتماده من طرفكم وبالتالي عدم تصويتكم عليه، وتزكيتكم لوزير صهيوني في الحكومة، يؤكد قطعا انكم تنفذون اجندة خارجية، أمضيتم عليها وانتم في بريطانيا، وهذا كله في نظري أسوأ ما جئتم به الى تونس.

إن مؤتمر وارسو الذي دعت اليه امريكا، لا يمكنه ان يحل مشكلة الأمن في الشرق الاوسط، المفتعلة أمريكيا وصهيونيا، وقد كشف عن أوراقه في استهداف ايران، التي بقيت وحيدة في نهجها الثوري المقاوم، المناصر للقضية الفلسطينية، وهو اجتماع تآمريّ يهدف الى جمع الصهاينة العرب والصهاينة اليهود، لمواجهة ايران وانهاء القضية الفلسطينية وفق نظرة صهيونية عنصرية توسعية، ونحن كتونسيين نرفض رفضا قاطعا أن نكون من الصهاينة العرب، فتعسا لحكومات رضيت بذلّ العمالة والتبعية، وباعت شرف نضال شعبها بالدّون.

شاهد أيضاً

الردّ على جرائم الكيان قادم لا محالة…بقلم محمد الرصافي المقداد

لم نعهد على ايران أن تخلف وعدا قطعته على نفسها أيّا كانت قيمته، السياسية أو …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024