منذ إنهيار الخلافة العثمانية، وتقسيم تركتها إلى كيانات مصطنعة سياسية، التي توجت على رأسها بنادق تحركها أدوات صهيونية، وفي غياب أي بارقة أمل في أن تسمح تلك الأنظمة يوما لرعيتها، بالمشاركة في تقرير مصيرها وصنع مستقبلها، فقد توجهت الأنظار نحو الجيوش العربية، أملا من جماهيرها بأن تعيد هذه للأمة العربية بعضا من توازنها، الذي يحفظ لها كرامتها ويعيد لها هيبتها ومكانتها، وهكذا توالت العقود والجميع يحذوه الرجاء، أن تنهض تلك المؤسسة يوما، التي سوف تأخذ على عاتقها حماية الوطن بكل شرف وإخلاص!
وإنصافا للأمانة والتاريخ، فقد جرت هنالك الكثير من المحاولات والتجارب، في سبيل بعث هذه الأمة من جديد، من مصر إلى العراق وسورية واليمن وليبيا والجزائر، إلا أن مكر المتربصين بها سوءا، نتيجة تحالفاتهم المشبوهة وحرصهم على عروشهم، فقد تمكنوا من إحباط كل بارقة أمل، كانت تنتظرها الأمة من أجل خيرها ورفعتها، إلى أن وصل الأمر في الكثير من المؤسسات العسكرية العربية، أن تم تفريغها من مضمون العقيدة العسكرية التقليدية، وحرفها عن واجباتها الوطنية، كي تنتهي إلى شبه مؤسسات إقتصادية تجارية ربحية، كما هو واقع الحال لدى الجيش الذي كان يوما محط الأفئدة العربية، قبل أن تكبله معاهدات أخرجته من الصف العربي، تماما كما هو الحال الذي انتهى إليه جيش النشامى، الذي حوله نظامه إلى فصيل ملحق في الجيش الأمريكي، وهو الجيش الذي لو قدر له إمتلاك زمام المبادرة، لكان اليوم واحدا من أهم روافد محور المقاومة، ناهيك بالطبع وكما هو معلوم، عن الجيوش التي منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا، لم تكن أكثر من مؤسسات إستهلاكية، يتم من خلالها تسويق المنتهية فعاليتها، من الأسلحة الغربية وبالأخص الأمريكية، حتى لا نعرج بالتفاصيل على القوى الأمنية، التي تحولت من مشروع ثورة وتحرير، إلى طوق أمن وأمان لجلاديها وشعبها، ورفقا بحالتنا النفسية وتوازننا العقلي، فإننا لن نسهب في الحديث كثيرا عن باقي جيوشنا، التي منها من تلاشت وغدت ميليشيات قبلية، والواحدة الأخرى التي نسفها من أساسها المحتل الأمريكي، كي يعيد تشكيلها وتقييد عقيدتها بما يخدم مصالحه، من خلال أزلام وصلت على ظهور دباباته، ويا للأسف ذلك الجيش الذي ما لبث أن وصل إلى الحكم، حتى تكشفت نواياه الخبيثة، وهو يسارع علانية إلى التطبيع مع العدو الصهيوني، قبل أن تجف دماء الشهداء من أبناء شعبه التي أوصلته إلى الحكم، حتى يقدموا لنا جميعهم البرهان تلو البرهان، أنه لا أمل يرجى من هذه الجيوش، التي تحولت عقيدتها من حماية الوطن ومصالحه، إلى التنكر والتنازل عن كل الثوابت والإلتزامات الوطنية المؤتمنة عليها، وهو ما كان ولا يزال يسعى إليه الكيان الصهيوني منذ أمد طويل، إلا من العقبة الكأداء والمزمنه التي ما دامت تؤرقه، التي يمثلها الجيش العربي السوري العقائدي، بكل ما تعنيه هذه الأخيرة من الإخلاص بكل شرف للوطن!
حاولت الصهيونية وأدواتها من الرجعية العربية، والجماعات المتنكرة برداء الدين، على إثر إندلاع الإنتفاضة العربية عام 2011, إستغلال حالة الفوضى التي رافقتها، والتسلل من خلالها إلى داخل النسيج الإجتماعي المتنوع، التي لم تستثني منه بلد وفي مقدمتها صيدها الثمين سورية المقاومة، حين راحت بدورها في إشعال الفتن الطائفية والمذهبية والقبلية الدفينة وتغذيتها، في الوقت الذي لم تتوانى فيه، عن تقديم كل أنواع الدعم المادي واللوجستي، إلى كل من انغمس في التآمر على الجيش العربي السوري، حتى تحرفه عن طبيعة مهامه الأساسية، كي يتسنى لها تحطيمه وإلحاقه بقوافل الجيوش العربية الأخرى، التي غدت إسما بلا مسمى، وقيافات بلا محتوى أو مضمون، وأوسمة بلا معنى!
إلا وإنه ولولا الرعاية الربانية، التي حبى الله بها الشعب والجيش والقيادة السورية، فلربما كنا نتحدث اليوم عن نكبة أخرى، حتى تهون علينا نكباتنا الماضية، وفي مقدمتها النكبة الأولى، التي هي الهدف والغرض والمغزى النهائي، من كل ما تعرضت له ولا تزال قلب محور المقاومة، بالتناوب تارة من العدو الصهيوني، وأخرى من المحتل التركي والأمريكي، حتى ندرك ومعنا كل حر شريف، أن الحلم الذي كان يوما يراودنا، أنه يتحقق اليوم على مسامعنا وناظرينا، ونحن نتابع ملاحم البطولة التي يتصدى لها حماة الديار، من أجل حفظ كرامة الوطن وهيبته ومكانته، بكل إخلاص وشرف، فطوبى لهم يوم ولدوا، ويوم يستشهدون أحياء عند ربهم يرزقون، ويوم يبعثون.
* فلسطيني واشنطن