بقلم: فوزي حساينية – كاتب جزائري |
يوم 17 جوان 2020 تكون سنة كاملة قد مرت على وفاة الرئيس المصري السابق في سجنه، وبغض النظر عن أية اعتبارات أخرى قد تكون مهمة لدى هذا الطرف أو ذاك، فإن موت الرئيس المصري السابق الدكتور محمد مرسي وهو في قاعة المحاكمة، مأساة كبرى، وجريمة مروعة ستكون لها تداعياتها الآنية والمستقبلية،ومن المهم هنا أن نقف عند المعطيات الآتية :
أولا : إن الدكتور محمد مرسي رحمه الله قد تم انتخابه رئيسا لمصر في انتخابات حرة وديمقراطية ونزيهةٍ على مرأى ومسمع العالم كله، وذلك في مشهد ديمقراطي نادر الحدوث في الوطن العربي،وبذلك فقد كانت مصر أمام فرصة حقيقية للدخول إلى الحياة الديمقراطية ، وما يتبع ذلك من إمكانية استثمار مصر لقدراتها المادية والبشرية الهائلة ، فضلا عن إمكانية انتقال التأثير الديمقراطي من مصر إلى الدول المجاورة، وما سينتج عن ذلك حتما من تحولات إقليمية ودولية ..
ثانيا : بعد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، لم يكن ثمة مبرر لمعاملته كمجرم من مجرمي الحق العام ، كما لم تكن ثمة ضرورة لسجنه بتلك الكيفية القاسية وغير الإنسانية ، فسلب حرية الإنسان – دون مبرر – وحده يعد أمرا قاسيا ، فما بالك بالحبس الانفرادي ومنع الزيارات العائلية، والأكثر قسوة ووحشية الحيلولة بين الرئيس السابق وبين حقِّه في تلقي العلاج ، وإخضاع حالته الصحية للمتابعة اللازمة، لذلك فالأمر لا يتعلق بوفاة طارئة بل بعملية قتل مبرمجة…
ثالثا: من أكثر مظاهر القسوة والوحشية في محاكمة الرئيس محمد مرسي هي كثرة وجسامة التهم الموجهة إليه، ومن الواضح أن إثقال كاهل الرئيس السابق بكل تلك التهم كان أمرا مقصودا ومتعمدا ، وذلك لإطالة أمد المحاكمة أو بالأحرى المحاكمات، وبالتالي تبرير صدور أحكام قاسية، وإلا هل من المعقول أن يحاكم الرئيس السابق من سنة 2013 إلى سنة 2019 ولا تصل المحاكمات إلى نهايتها ! ! ؟ ؟ علما وأن الصورة التي يظهر فيها الرئيس السابق والشرعي لمصر في قفص الاتهام ، صورة لا تشرف مصر ولا عدالة مصر ، إذ كان واضحا من المشهد الذي يظهر فيه الرئيس حالته الجسمانية والمعنوية المتدهورة، وكان جليا أنه يعاني من العزلة الخانقة والتضييق عليه وهو في سجنه ! فإذا سلمنا بقدرتنا على فهم دوافع تصرف الحكام في مصر، فما هو مبرر ومسوغات العدالة للسكوت على هكذا معاملة غير إنسانية لرئيس مصر السابق الذي تمت الإطاحة به بانقلاب عسكري دموي ، بعد أن كان قد تم انتخابه بطريقة ديمقراطية مشهودة ؟
رابعا: لا أدري هل من المناسب أم لا، أن نُعيد ماسبق أن قاله وكتبه الكثيرون من أنه كانت هناك أخطاء ناتجة عن غياب الخبرة في ممارسة الحكم، فتلك مسألة كتب فيها وتحدث عنها الكثيرون ومن ضمنهم أساتذة وباحثون من الدائرة السياسية للرئيس محمد مرسي رحمه الله،وذلك عبر ما يُعرف بالمراجعات والاعترافات …إلخ…لكن أعود فأقول بوضوح : أنَّه لايوجد أي مبرر لتلك المعاملة القاسية والخالية من الإنسانية والرحمة التي عُومِل بها أول رئيس مدني منتحب في مصر، بل لم تكن ثمة مبررات لحبسه ثم سجنه ، كان يمكن مثلا للنظام المصري، أن يضع الرئيس بعد عزله قيد الإقامة الجبرية مثلا، وهو ماقام به مجلس الثورة في الجزائر بعد التصحيح الثوري يوم 19 جوان 1965 أين جرى وضع الرئيس المطاح به ، في إقامة خاصة ، مع توفير كل شروط الحياة والكرامة للرئيس المعزول أحمد بن بلة رحمه الله، ولم تكن ثمة لا محاكمة ولا تعذيب ولا حرمان من الحقوق الإنسانية المعروفة ( الوصف هنا على سبيل المقارنة وليس التبرير ).
خامسا : مما يستوجب التنديد والإدانة أيضا هو حرمان الرئيس محمد مرسي من حقه في جنازة شعبية ، وبالتالي حرمان جزء كبير من الشعب المصري من توديع أول رئيس مدني منتحب في مصر، وبعبارة أخرى ، إثبات قسوة النظام في مصر وسوء معاملته للرئيس السابق حيا وميتا، وعدم احترام إرادة جزء كبير من الشعب المصري في الإعراب عن قناعاته السياسية وتطلعاته وآمانيه ، ولو من خلال تشييع جنازة رئيس لم يُكمل فترة رئاسته بسبب الانقلاب…ولاشك أن هذا القمع الممارس على جزء كبير من الشعب المصري لن يكون دون عواقب، بل إن هذه العواقب قد لا يتأخر ظهورها…
سادسا: إن انتخاب الرئيس محمد مرسي ثم عزله ونجاح الانقلابيين في ذلك،على ماذا يدل ؟ الواقع أن ثمة دلا لات كثيرة، نذكر بعضها باختصار :
- ممارسة الفعل الديمقراطي في – جانبه الانتخابي- وحده لايكفي، فحتَّى عندما تكون الانتخابات حرة ونزيهة ، فإنَّه لا وجود لضمانٍ حقيقي ، يوفر الحماية للإرادة الشعبية المُعبر عنها ، فهذه الإرادة يمكن مصادرتها والانقلاب عليها بتوظيف جزء من الشعب أو الرأي العام نفسه، فالشعوب أو بعضها على الأقل ليست صديقا بديهيا مسلما به للديمقراطية ونتائجها، كما هو شائع في بعض الأدبيات أو بالأحرى في بعض البكائيات الديمقراطية.
- وعلى هذا الأساس ندرك أن عدم وجود قوى حية ومنظمة ومجندة قادرة على حماية الممارسة الديمقراطية كآلية وكنتائج ،يجعل من الفعل الديمقراطي مجرد أداة في يد الجماعات المتنفذة للاستمرار في ممارسة الحكم خلف واجهة براقة ومزركشة من ديمقراطية الواجهة التي هي أسوأ من الأنظمة الديكتاتورية الصريحة، كما أن المراهنة على أي دور خارجي لحماية الديمقراطية في الدول العربية مجرد وهم واهم أو غباء متغابي، فالدول الغربية بالأساس يخدمها ويتفق مع مصالحها عدم نجاح الديمقراطية في أي بلد عربي، وهذا الأمر لا يحتاج إلى توضيح أو شرح…
- واحد من أبرز كتاب ” الإخوان المسلمين ” في سوريا وهو سعيد حوى اعترف بأن ” وقوف الإخوان المسلمين ضد تجربة الوحدة بين مصر وسوريا(1958 ) كان من بين الأخطاء الإستراتيجية للجماعة ” وأَوْضَحَ ” أننا وقفنا ضد الوحدة المصرية السورية من منطلق العداء للنظام الناصري، ولكننا لم نأخذ بعين الاعتبار أهمية هذا المشروع من الوجهة القومية، ولاحتى من الوجهة الدينية ” يشير بذلك إلى أن وحدة مصر وسوريا كانت مقدمة ضرورية للقضاء على الإمارات والممالك الصليبية في المشرق العربي، ولذلك فإن وحدة مصر مع سوريا مستقبلا أمر لامناص منه في الطريق إلى تحرير الأرض المقدسة،وهنا نستطيع أن نتوقف عند الدور الذي إضطلع به الإخوان المسلمون في الحرب على سوريا وليبيا وهو دور بالغ السوء، ويكفي أن نستحضر يوسف القرضاوي وهو يطل من شاشة قناة الجزيرة مؤيدا للحرب العدوانية على سوريا وليبيا ومحرضا للمغفلين على الإنضام لـ” مجاهدي الناتو” ومبشرا إياهم باقتراب النصر المبين، وكان يتحدث بإسم الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين !؟ ويكفي أن نستحضر أيضا مشهد القاضي الإخواني مصطفى عبد الجليل الذي فاز بدور بارز في الترويج للحرب على بلاده ليبيا، وكيف أنه وعلى مدار أشهر وأشهر تحول إلى صديق حميم للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أحد أبرز وجوه العدوان الأطلسي على ليبيا، ولابد من القول هنا أن أبرز الوجوه الاخوانية في الجزائر كما في تونس وغيرهما قد أيدت وساندت العدوان على ليبيا وسوريا، وسيبقى هذا الجانب من أخطر الجوانب في أيديولوجية ومواقف جماعة الإخوان المسلمين.
- بناء على العنصر الثالث أعلاه، نجد أن قيام الرئيس محمد مرسي بإعلان قطع العلاقات مع الجمهورية العربية السورية – هو استخدم في إعلانه تعبير النظام السوري – في مشهد دراماتيكي لم يكن له داع ولا فائدة، كان تكرارا لخطأ الإخوان المسلمين، في وقوفهم ضد الوحدة المصرية السورية من منطلق إيديولوجي ضيق، كما كان تجسيدا مأساويا لقلة الخبرة السياسية، وإلا فإن العلاقات بين مصر وسوريا لا يمكن قطعها أبدا، وأي قراءة موضوعية للمشهد السوري والإقليمي والدولي، كانت لتقود إلى أن قطع العلاقات مع سوريا خطأ بكل المعايير ، وهذا من بين الأخطاء على الصعيد الخارجي، خاصة وأن مسارعة الرئيس محمد مرسي إلى قطع العلاقات مع سوريا كان يثير السؤال الحتمي ، وماذا عن العلاقات مع الكيان الصهيوني؟ خطأ زاد من جسامته وتهوره ماكان الرئيس مرسي يعتزمه-حسب البعض- من إرسال ألاف الجنود المصريين للقتال إلى جانب أعداء سوريا ! أما على الصعيد الداخلي فإن الخطأ الأساسي تمثَّل في عدم أخذ مجمل القوى في المشهد المصري التي لا تتفق مع رؤية وأهداف جماعة الإخوان المسلمين،والدخول في صراعات سياسية مبكرة حرَّكت مخاوف – حقيقية أو مفتعلة – وقلق تلك القوى، مثل : محاولة إعادة البرلمان المنحل، والدخول في صراع سابق لأوانه مع المؤسسة القضائية الضخمة في مصر، وإعطاء فرصة للإعلام للتحدث عن عدم احترام الفصل بين السلطات ..إلخ
سابعا : من المهم أن نتساءل هنا ، هل موت الرئيس السابق، في تلك الظروف المأساوية، سيعجِّل بنهاية حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، خاصة مع زيادة حدة ما تشير إليه التقارير من معاناة ملايين المصرييين من ظروف معيشية قاسية، وتضييق غير مسبوق على مختلف الحريات الفردية والجماعية، والمساس بكرامة وكبرياء الشعب المصري مثل التنازل عن أجزاء من مصر، وارتفاع وتيرة ومساحة التعاون مع الكيان الصهيوني …إلخ من الصعب أن نجزم لتوقف الأمر على العديد من المعطيات الداخلية والخارجية، لكن المؤكد تأكيدا لاشك فيه، أنه ستكون ثمة عواقب لهذه الوفاة المأساوية، وقد يتسع مدى هذه العواقب ليعصف ليس فقط بحكم عبد الفتاح السيسي، ولكن بمجمل النظام المصري ،كما أن القمع المسلط حاليا على جماعة الإخوان المسلمين لن يزيلها من المشهد المصري، بل قد يزيدها رسوخا وقوة، و لذلك تبقى الديمقراطية بكل مساوئها أفضل من الديكتاتورية بكل محاسنها..
وفي الأخير نرفع واجب العزاء إلى عائلة الفقيد، وإلى كل شهداء الكفاح الديمقراطي في أي مكان وزمان، دون أن أتردد في القول أن موقف الرئيس الراحل محمد مرسي من سوريا كان خطأ جسيما قاتلا ليس لرئاسته فقط بل ولتراث جماعة الإخوان المسلمين ومستقبلها، إلى درجة أنه يمكننا أن نتساءل بعد استعراض المصير الذي آل إليه محمد مرسي ورفاقه ، هل هي لعنة الموقف المعادي لسوريا ؟ وقد يُسارع البعض إلى الإجابة هنا، أن ماحدث للرئيس محمد مرسي لا علاقة له بسوريا بل بمجمل الوضع الداخلي في مصر، وقد يكون ذلك صحيحا، ولكن السؤال يبقى قائما، لأن التاريخ له قوله وأساليبه التي قد تخفى علينا.
مهما يكن، فلستُ من الذين يعتنقون أفكار الإخوان المسلمين، ولكنني وبكل تأكيد من الذين يعتنقون الإيمان بأهمية تكريس وترسيخ الأسس الصلبة للحياة الديمقراطية بكل أبعادها، لأنه في ظل الديمقراطية وحدها سنكون قادرين على ممارسة اختلافاتنا دون أن نضطر إلى قتال أو تدمير بعضنا البعض…..