لم يكن دخول القوات الأمريكية إلى العراق، وانشاء قواعد عسكرية فيه، بعد سقوط الطاغية سنة 1992 بموافقة الشعب العراقي، فقد بني ذلك على اتفاقات باطلة نفذها عملاؤها، ولم يكن الهجف منها مساعدة العراق على التخلص من وجود التنظيم الإرهابي الخطير داعش، بل كان الهدف الحقيقي استدامة حالة عدم الأمن والإستقرار في وسط وشمال العراق، بعد اليأس من ابقائها جنوبا، ولم يكن دخول هذه القوات إلى سوريا كذلك قانونيا، فهو على هذا الأساس غزو واحتلال لأراضي دولة مستقلة، مازالت تعاني من الإرهاب الوهابي التكفيري، الذي كان مقدّمة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد برعاية أمريكية، هذا الوجود العسكري له ثلاثة غايات:
الأولى: التواجد اللصيق على جانب القوات الحليفة للدّولة السورية، للمراقبة والاستطلاع والتدخّل عند الاقتضاء، وهو بنظر أصحاب الخبرة في المجال العسكري خطأ فادح يعرّض القوات المتواجدة هناك على قواعد متحركة وشبه ثابتة قابلة للإزالة والتنقل، وهي فرائس سهلة بالنسبة لقوات الحرس الثوري في صورة اندلاع مواجهة شاملة.
الثانية: اختيارها آبار النفط والغاز بدير الزور كشف لطبيعة العقلية الأمريكية المبنية على الإبتزاز وسرقة مقدّرات الشعوب، وبذلك نمت كدولة كبرى، وتريد أن تبقى على تلك السياسة الخبيثة المستكبرة، فهي تعيش بقلية رعاة البقر الأوائل وجرائمهم بحق أصحاب الأرض الأمريكية الحقيقيين، وليس أدلّ على ذلك خطب الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) سنة 2016 التي وصف فيها المملكة السعودية بطريقة مبتذلة رخيصة، واصفا إياها بـ”البقرة الحلوب”، مطالباً إياها بدفع ثلاثة أرباع ثروتها مقابل استمرار حمايتها، ومضيفاً أنه حين يتوقف ضرعها عن درّ الدولارات سيتم ذبحها.(1)
الثالثة: إبقاء الأوضاع الأمنية في العراق وسوريا متأزمة، ببقاء فلول داعش تتحرك تحت غطائها وحمايتها، وتنفّذ عمليات عسكرية، وإن كانت ضعيفة التأثير من حيث الخسائر البشرية، إلّا أنها تعطي مبرّرا للإدارة الأمريكية للبقاء هناك، بدعوى استمرار التحالف الدولي المزعوم في عمله العسكري لمحاربة داعش، ودعوة البرلمان العراقي حكومته لمطالبة الإدارة الأمريكية بإخراج قواتها من العراق، ومن الجانب السوري مطالبة أخرى بخروج القوات الأمريكية من الأراضي السورية فورا، على أساس عدم مشروعية بقائها هناك، قابلهما تجاهل أمريكي كامل.
هذا الخرق الفظيع من الجانب الأمريكي للإتفاقيات الدولية، والاستهانة بحقوق الشعوب، لا يمكنه أن يساعد على استتباب الأمن في العالم، وسيزيد في تأزّمه حتما، وجد الأمريكيون فسحة في تنقلهم بين العراق وسوريا، فهي ظرفية لا يمكن أن تدوم، وهذا ما بدأ يتحقق منذ مدة وأخذ منعرجا حادّا بالأمس عندما (شنت القوات الأمريكية ضربات استهدفت موقعا عسكريا لجماعة متحالفة مع إيران لكن تم استهداف مركز تنمية ريفي ومركز للحبوب قرب مطار عسكري(.(2)
الردّ الإيراني جاء في وقته، ومن شأنه أن يوقف العربدة الأمريكية، وقد صدر بيان قوي من طرف المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، معلنا فتح صفحة جديدة في مواجهة القوات الأمريكية، المتواجدة دون وجه حق على الأراضي السورية، من شأنها أن تدفع المقاومة السورية على القيام بعمليات عسكرية، سوف تُلجئ القوات الغازية إلى الخروج قسرا من الأراضي السورية، التي تمركزت فيها دون وجه حق.
وقال المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي، رداً على تصريحات المسؤولين الأمريكيين، بشأن مشاركة إيران في الهجوم على القواعد غير الشرعية لهذا البلد في سوريا ، إن الولايات المتحدة تحاول من خلال الإسقاط، التهرب من تداعيات الاحتلال غير الشرعي لجزء من الأراضي السورية، تحميل ذلك للقوات العسكرية لهذا البلد، وإن الإتهامات الموجهة لإيران غير صحيحة. حيث لا يمكن لواشنطن أن تنسب المواجهة الطبيعية والقانونية للدول المحتلة مع القوات العسكرية الأمريكية إلى دول أخرى، من خلال خلق أزمات مصطنعة، واللجوء الى الزيف .
لقد تكبدت إيران الكثير من التكاليف من أجل التصدي للإرهاب المرتبط أمريكيا، وتحقيق الأمن المستتب في سوريا، وهي تعارض أي عمل يهدد استقرار هذا البلد وستتصدى له، حيث لم يعد خافيا دور الولايات المتحدة، في إنشاء ودعم داعش كأداة بديلة، لتحقيق مارب سياسية في سوريا والعراق، ففي اليومين الماضيين قامت مروحيات أمريكية، عبر تنفيذ عدة طلعات جوية، بهدف تكريس زعزعة الإستقرار في سوريا، بنقل إرهابيي داعش إلى أراضي هذا البلد، وعليهم ان يتحملوا مسؤولية ذلك .
وشدد (كيوان خسروي) في النهاية على أن أي ذريعة لمهاجمة القواعد التي تم إنشاءها بطلب من الحكومة السورية للتصدي للإرهاب وعناصر داعش في هذا البلد ستقابل على الفور برد مضاد.(3)
فيما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن الجيش الأمريكي نفذ عدة ضربات جوية مساء يوم الخميس في سوريا استهدفت جماعات متحالفة مع إيران تتهمها الولايات المتحدة بتنفيذ هجوم بطائرة مسيرة أسفر عن مقتل متعاقد أمريكي وإصابة آخر إضافة لإصابة خمسة جنود أمريكيين. (4) وجاء هذا الإستهداف ردّا على هجوم سابق، نفّذته القوات الأمريكية ضدّ مواقع قوى المقاومة، المتمركزة في وسط وشمال سورية
وقد دأبت القوات الأمريكية تنفيذا لأوامر قيادتها في البيت الأبيض على شن هجمات جوية وصاروخية في اعتداءات صارخة متكررة، مناوبة مع الكيان الصهيوني، على نقاط محددة في دمشق وحلب ودير الزور وتدمر وريف حمص بأعذار مختلفة، وفي اعتقاد قادتها أنهم بأفعالهم العدوانية التي ارتكبوها، سيُخضِعون المنطقة لمشيئتهم، لكن حساباتهم لم تكن صائبة، والرّدّ عليها من طرف السوريين والإيرانيين كان مؤجّلا كل مرّة، حسب البيانات الصادرة بعد كل إعتداء، وها قد جاء وقت الردّ الذي سيردع المعتدي الأمريكي في مواصلة عربدته، بل لعله بداية انسحاب عسكري أمريكي بطعم الهزيمة، والقوّة يجب أن تقابل بمثيلتها أو أكبر منها، الحقوق لا تؤخذ بالدبلوماسية في هذه الحالة، وإنّما بالتصدّي وردّ الصاع صاعين والصاروخ صاروخين، وهو المنطق والأسلوب الذي يفهمه الأمريكي وإدارته المتعجرفة.
المراجع
1 – نظرية البقرة الحلوب … كيف ينظر ترامب الى دول الخليج؟
نظرية “البقرة الحلوب”… كيف ينظر ترامب إلى دول الخليج؟ – رصيف22 (raseef22.net)
2 – بايدن يحذر إيران بعد ضربات متبادلة في سوريا
بايدن يحذر إيران بعد ضربات متبادلة في سوريا – SWI swissinfo.ch
3 – الأمن القومي الإيراني: أي هجمات على قواعد أقيمت بطلب من سوريا ستقابل برد فعل فوري
الأمن القومي الإيراني: أي هجمات على قواعد أقيمت بطلب من سوريا ستقابل برد فعل فوري | وكالة انباء فارس (farsnews.ir)
4 – أمريكا تقصف جماعات متحالفة مع إيران في سوريا
أمريكا تقصف جماعات متحالفة مع إيران في سوريا – SWI swissinfo.ch