درعا السورية تمثل شريانا إقتصاديا حيويا وأساسيا لتمرير البضائع السورية الى بعض دول الوطن العربي الى جانب البضائع اللبنانية أيضا. ومن هنا تنبع اهمية هذا الشريان وضرورة تأمين الطريق للوصول الى المعبر الحدودي مع الاردن. وبعد أنقطاع دام لسنوات ونتيجة مباحثات مع الجانب الاردني فتح المعبر قبل اسبوعين تقريبا.واستبشر سكان المدن الحدودية خيرا لعودة النشاط من خلال المعبر لما يمثله من اهمية معيشية لهم ولعائلاتهم.
وما ان فتح المعبر ليومين او ثلاثة حتى بادرت المجموعات الارهابية والمسلحين الرافضين لاية تسوية مع الدولة السورية الى قطع الطريق المؤدية الى المعبر مما استدعى إغلاق المعبر وذلك لما يحمله ذلك من مخاطر أمنية من قطاع الطرق المأجورين واللذين يشاركون أعداء الوطن في حصار الوطن من أجل حفنة من الدولارات, ولا يمكن رؤية القضية الا من هذا الجانب. ولا فرق بينهم وبين الاحتلال الامريكي ورجالات قسد اللذين يسرقون النفط ويحملونه على ناقلات الى الطرف العراقي حيث يباع وتعود إيراداته لتغذية الارهاب في الشمال الشرقي من الوطن السوري.
درعا تكتسب اهمية استراتيجية كبيرة من حيث موقعها الجغرافي لكونها الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد السوري برا الى جانب انها المدينة التي بدأت منها التظاهرات في بداية الازمة السورية والتي كان من المخطط لها ان تمتد الى بقية المدن السورية لاشاعة الفوضى وعدم الاستقرار الى ان تنتهي الى عدم قدرة الدولة على السيطرة على الاوضاع, يتبع بتدخل خارجي مباشر او غير مباشر لإسقاط الدولة السورية ضمن مخطط استراتيجي يتم فيه إسقاط الدول الوطنية هذا المخطط الذي بدأ فعليا في الغزو الامريكي-البريطاني للعراق عام 2003 والذي اتبع لاحقا بما سمي بالربيع العربي الذي سقطت به أنظمة عربية في مصر وتونس وليبيا.
لم يدرك البعض هذا المخطط الجهنمي إما نتيجة قصر نظر سياسي وعدم القدرة على فهم الواقع وطبيعة الصراعات في المنطقة والساحة العالمية. ولقد سقطت أحزاب وشخصيات “وطنية” و” يسارية” ضمن هذه الرؤية, أو نتيجة تآمر واضح وإنخراط في هذا المخطط ولقد لعب البترودولار دورا قذرا ضمن هذه المؤامرة.
لا نريد هنا ان نمر على ما حصل خلال الحرب الكونية التي شنت على الوطن السوري فقد اصبحت الامور واضحة للعيان. ولكن نود ان نشير الى أنه وبعد ان تجاوزت سوريا الخطر الداهم وتمكنت وبمساعدة الحلفاء والاصدقاء الاوفياء من تحقيق الانتصارات وفرض سيطرة الدولة على غالبية أراضي الوطن السوري, ما زالت جيوب من الارهابيين والمجموعات المسلحة التي ترفض تسوية اوضاعهم والعودة الى الوطن الحاضن لجميع مكوناته. يشاركهم في هذا الانذال والادوات التي تأتمر بآوامر البيت الابيض الذي لا يمكن ان يكون من المريدين للخير لا لسوريا ولا لاي شعب عبر إمتداد هذا الكون ولذلك لجؤا ومنذ فترة طويلة الى محاولة الخنق الاقتصادي الشديد لسوريا سواء عن طريق فرض “قانون قيصر” الذي يحرم التعامل مع الدولة السورية حتى مع أصغر دولة او شركة او بنك في العالم والا خضع للعقوبات الامريكية, أو عن طريق نهب الثروات الطبيعية للدولة السورية من نفط ومحاصيل زراعية كما هو حاصل في الشمال الشرقي لسوريا.
قضية مدينة درعا يجب ان ترى من هذا الجانب وضمن هذا المخطط وبالتالي فإن التصرفات الاخيرة لبعض المسلحين من أبناء البلد لا يمكن إعتبارها الا على انها تصرفات لا تمت الى الوطنية ومعارضة النظام في سوريا. ولا بد من القضاء على هذه الظاهرة المافياوية والمتناغمة مع أعداء الوطن السوري شعبا وجيشا وقيادة. والجيش السوري أثبت قدرته على التعامل مع الارهاب والمجموعات المسلحة الذي تمدد لسنوات على معظم أرجاء الجغرافيا السورية. وهو قادر على حسم قضية مدينة درعا والتخلص من هذه المجموعات المسلحة وبدعم من الاهالي الذين يريدون العودة الى الحياة الطبيعية ولكنه وحقنا للدماء من الطرفين قام بإعطاء الحليف الروسي فرصة أخيرة للضغط على هذه الفئات المسلحة الالتزام بالتفاهمات السابقة مع الدولة السورية والا سيكون هنالك حسابات أخرى. فلا يمكن للدولة السورية ان تتهاون مع هذه المجموعات المسلحة وتتحمل قطع شريان إقتصادي حيوي لها وخاصة مع استعداد بعض الدول العربية التعامل تجاريا وإقتصاديا مع الدولة السورية الان بعد توصل معظمهم الى قناعة على ان سوريا بثالوثها المقدس جيشها وشعبا وقيادة باقية وعملية تغيير النظام اصبح من وراء تمنياتهم وتمنيات غيرهم منذ فترة طويلة.
* كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني