من اعتقد بطهارة وعصمة أئمة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يجب عليه أن يضعهم في قلبه وعقله منزلة رفيعة هم أهلها، فلا يفوقهم فيها أحد من الخلق، سوى سيدهم الأكبر، خاتم الأنبياء وإمام الرسل أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن المؤسف أن نرى لدى إخواننا من أتباع أهل البيت عليهم السلام، صورا مجسمة للإمام علي بن أبي طالب وابنه الحسين عليهما السلام، وصورا أخرى قد جمع فيها راسمها الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، في شكل حرف V اللاتيني، في مظاهر مستفزة تدعو إلى التساؤل: هل هذا مبلغ عقيدة من صوّر هذه الصًور، ومدى قناعة من اقنتاها ليعلّقها في بيته متبرّكا، ومن نشرها على صفحات التواصل الإجتماعي، أنا لا ألوم بسطاء الموالين على تبنيهم لهذه الصور اعتقادا برمزيتها، وإنما ألوم من عرف بعض منزلة هؤلاء المعصومين، ومضى مقتفيا أثر المقلّدين تهافتا، بلا وعي منه، بأن هؤلاء الأطهار، أرقى مما يتصوره مصوّر بخياله، وإن رحُبَ اعتقاده فيهم، وصفى إيمانه بهم، إلى درجة تجلّي الصور المقدسة واقعا في ذهنه، ولا أعتقده جريئا على اظهار ما خصّه الله به.
وإذا سألت متبنّي الصورة وهي في بيته، أو ناشرها على صفحته؟ أجابك أقربهم واقعية، أنها رمزية أو تقريبية لهم، وإذا أمعنت معه في السؤال: لماذا إذا هذا التعامل معها بالإعتقاد، طالما أنها لا تعبّر حقيقة على هؤلاء المعصومين؟ لم يجرّ أغلبهم جوابا مقنعا، وردّ من عاند منهم بأن تجسيدها، مثّل عنده رمزية قداستهم، رغم أن فيها من التقليد للمسيحية في تصوير المسيح عليه السلام شتى الصور، ما فيها من الدّلالة على أن تلك الصّور، لا علاقة لها لا بالمسيح أصلا، ولا بالأئمة الأطهار عليهم السلام صفة وشكلا.
من سوء حظي أنني لم اعثر على فتوى للإمام الخميني رضوان الله عليه ولا للإمام الخامنئي حفظه الله في هذه المسألة، الا أنني استأنست بما قاله مرجعي العراق السيدين السيستاني والحكيم، حتى يكون موقفهما من هذه الظاهرة الغريبة مرشدا لترك التشبّه بالمسيحية في نشر تصاوير مثيرة للإمتعاظ والأسف، عن أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ورفعهم مكانة عليّة من صفوة خلقه.
أمّا السيد السيستاني فقد جوز تعليق هذه الصور، لكنه قال: وأمّا الإعتقاد بمطابقتها لهم عليهم السلام فهو اعتقاد خاطئ يقينا.(1)
أما السيد محمد سعيد الحكيم فقد أجاب (الصور المذكورة لا يقصد منها إلا التمثيل والتشبيه، فليست هي الصور الحقيقية لهم عليهم السلام، يجوز بيعها وشراؤها، ولكن حيث يحرم تصوير ذوات الأرواح، فرسم الصور المذكورة حرام، ولكن استنساخها وتصويرها بأجهزة التصوير الحديثة جائز.(2)
نستنتج من هاتين الفتوايين معنى واحدا، يهمّ هدفنا من كشف زيف تلك الصّور، نفى عنهما تطابقهما بأشخاص المعصومين، والتشبيه والتمثيل بقداستهم، وقد أعطاهم الله منزلة لم يسبقهم إليها أحد من أهل بيوت الأنبياء السابقين عليهم السلام، بما يرفع ما بقي من الفتوى، بجواز تعليقها أو بيعها وشرائها، طالما أنها لا تمثل هؤلاء الأطهار، اللهم الا اذا اعتبر المصوّر أو البائع أو الشاري أنها لا تمثل صور المعصومين، وهذه الصّور في نظري حجاب أو غشاوة ظاهريان، يحولان بين بلوغ حقائق معرفتهم الباطنية، والتمسك بهذه التصاوير المزورة – بالإستناد إلى أوصافهم التي ذكرتها بعض الروايات- من شأنه أن يجعل الإعتقاد بهم هشّا وسطحيا غير عميق.
هذه موروثات لا نعلم من أين جاءت، وما قيل من كون راسمي هذه الصور، قد استندوا إلى الروايات الناطقة بأوصاف هؤلاء الأطهار عليهم السلام، قد يكون صحيحا، وبدافع حب كبير عبر عنه هؤلاء الرسامين بتلك الطريقة، الا أن الاشكال القائم هنا هو ما اعتبره اغلب المراجع والعلماء واجتمعوا على كون تلك الصّور لا تمثل في أشكالها وملامحها صورهم حقيقة حتى وعلى نحو من التقريب، ومن اعتقد بكونها مجسّدة لذواتهم الظاهرية، فهو مخطئ يقينا، فيما جاء في فتوى السيد السيستاني حفظه الله، فهل بقي لمحتجّ حجة، في بقاء هذه الصّور رمزا وتعبيرا عن الامام علي وابنه الحسين عليهما السلام؟
من هذا المنبر ادعو اخوتنا المؤمنين إلى التخلّي عن التقليد الأعمى في الإعتقاد بهذه الصّور، يكفي أن تكون في قلوبنا محبّتهم وعشقهم، تكفينا أسماؤهم وربانية أشخاصهم أرواحا وأجسادا، ويقينا حاصلا عند كل مؤمن أن هذه الصًور، تمثل تشويشا وعائقا يحول دون رؤية المعصوم في عالم الباطن، وشتّان ما بين الحقيقة والخيال.
نسأل الله لنا ولكم سلامة الإعتقاد، وحسن الولاية محبّة هؤلاء الأطهار، والدفاع عن أشخاصهم وفكرهم المحمدي الأصيل، بعيدا عن مؤثرات الموروث الذي لا يخلو من دس وتشويه، حال دون بلوغ كنه حقائق هؤلاء المصطفين الأخيار عند أغلب المسلمين، بسبب هذه الصور ونحوها من بدع، ما أنزل الله بها من سلطان، فاتقوا الله حق تقاته أيها الأعزاء.
المصادر
1 – https://www.sistani.org/arabic/qa/02120/
https://www.alkawthartv.com/news/173671
2 –https://www.alhakeem.com/ar/ questions/243