” من السهل اعلان الحرب ولكن ليس من السهل تنظيم السلم”
تهتم الفلسفة بأسباب الحرب والعوامل المؤدية اليها مثلما تحرص على تدبير أمور السلم وتفكر الشروط المؤدية اليها ولا تكتفي فقط بالإدانة الأخلاقية للحرب وانما أيضا تفتش في ضررها وويلاتها ومخاطرها وتخوض في منافعها ومزاياها وضرورتها في ميادين العلم والتقنية والاقتصاد وبالمقابل تتأمل في حالة السلم الدائمة وأوصافها وتميز بين الركود والمسالمة والعجز والسكون والهدنة الحذرة التي يقتضيها الاعداد الذكي لحيازة القوة. فهل الوضع الأصلي هو السلم؟ وهل الحرب هي الاستثناء الذي يمكن تلافيه؟ وماهي الحرب؟ وماهي دوافعها؟ ولماذا كانت ملتصقة بالوضع البشري وعرفها التاريخ منذ بداياتها؟ وكيف يمكن إيقاف الحرب والانتصار للسلام؟ وما السلم؟ وهل هو المسالمة والتساهل؟ وكيف يرتبط بالتعايش والمدنية؟ لماذا يظل هشا وعرضة للتلف؟
والحق أن الفلاسفة انقسموا بين فريقين: الأول يناصر الحرب ويراها الوضع الأصلي والقاعدة وشرط التقدم ونجد منهم لاوتسي وميكيافيلي وهوبز وهيجل وكلاوزفيتش، والفريق الثاني يناصر السلم ويدافع عن الحقوق والمدنية والحاجة الى الأمان بغية حفظ المكاسب الحضارية وسلامة الأرواح البشرية وضمان مستقبل الحياة على الكوكب والمحافظة على البيئة والثروات ونجد منهم أرسطو وروسو وكانط وغاندي وهابرماس ورولز.
الحرب هي نزاع مسلح يؤدي إلى مواجهة مميتة من خلال عملية تصعيد في العنف إلى أقصى الحدود. ان حرب التخويف تشبه الحرب الباردة التي تستمر في مرحلة المراقبة المسلحة. ان الحرب محنة منظمة في شكل صراع مسلح بين الدول أو داخل الدولة. جملة القول أن الحرب هي نوع من القتال أو الكفاح بما في ذلك ظواهر التنافس والعلاقات التنازعية. أما يتم تعريف السلام بشكل سلبي عندما يكون نتيجة هيمنة قوة واحدة على العالم أو توازن بين القوى. السلام هو وضع الدول التي لا تنطوي علاقتها المتبادلة على أشكال عسكرية من الصراع. السلم كحالة إيجابية ليس مجرد غياب المشاكل والمعارك نتيجة العطالة والقصور الذاتي بل هو ثقة متبادلة دائمة. ان السلم هو الوحدة الك نية للشعوب والتحالف الدايم بين الأوطان وفق القواعد القانونية.
السلم هو حالة فردية من طمأنينة النفس في ظل غياب الحيرة وزوال الاضطراب وراحة الانفعالات ووحدة الرغبات. ولا يستبعد السلم الانقسامات والنزاعات بل يستبعد فقط التعبير الضار العنيف عنها ويبقى على التعبير المدني النافع من هذه النزاعات. إذا كان السلام الزائف يفرضه الاستبداد فإن السلام الدايم يفترض اتفاقا على طريقة ممارسة السلطات وغائيتها. أما السلم الأهلي فهو حالة توافق من التفاهم الجيد في العلاقات بين أعضاء نفس المجتمع السياسي. غاية المراد أن السلم هو الهدوء والسكينة. في الختام لا يوجد سلم دائن وانما هو مجرد فترة من الراحة بين معركتين وهدنة في تاريخ النزعات بين المجموعات والدول ولا توجد حرب عادلة مهما ادعت النظافة والمبررات الحيوية ومهما كانت ادواتها ناجعة. فكيف السبيل الى جعل السلم فرصة للتعايش والتثاقف واتخاذ الحرب ذريعة للاسترجاع الحضاري والتقدم العلمي وفك الارتباط السياسي؟
كاتب فلسفي