في ليلة ظلماء من ليالي آذار، يغمرها السواد، وسط اصطخاب الأمواج العاتية، كانت الشهيدة دلال المغربي ومجموعتها الفدائية من فرقة دير ياسين يمخرون عباب المستحيل، ويضيئون بتضحياتهم ساحل فلسطين السليب.
اثنا عشر فدائيا حطوا رحالهم في الحادي عشر من آذار عام ١٩٧٨م في أرض الآباء والأجداد.
وما إن وطئت أقدامهم ثراها المقدس؛ حتى دوت صرختهم ملء الكون.
من أرض اللجوء في لبنان، جاؤوا يجسدون حلم العودة، وأمل المشردين في احتضان الوطن؛ فنصبوا من دمائهم منارة للكبرياء، وشيدوا من أجسادهم وأرواحهم جسرا للأجيال القابضة على الحق.
في أشرف مواجهة، امتد لهيبها ساعات، صنعوا بطولة نادرة تلمس الأسطورة يظللهم كرمل حيفا وبرتقال يافا، وذكرى الشهداء، وفي مقدمتهم الشهيد كمال عدوان الذي اقترنت العملية باسمه.
ودولة مدججة بالخوف تستنفر جنونها؛ لتمنع الفلسطيني أن يمنح التاريخ الفلسطيني والعربي هبة من هبات المجد والشرف الرفيع، بعد ما شابه من انكسارات.
وفي ذروة هذا الاندفاع الاستثنائي لإعلاء صوت فلسطين، كانت جمهورية دلال تتوهج في وعي العالم.
وبعد ثلاثة وأربعين عاما، من تلك المأثرة، المحفورة في الوجدان، ما برح الاحتلال الإسرائيلي يحتجز جثمان هذه الشهيدة الخالدة وغيرها من الشهداء في انتهاك سافر لأبسط القيم الإنسانية، وتنكر لكل الأعراف التي تواضع عليها البشر وأقرتها الشرائع، ومحاولة يائسة لحجب نورهم وإشعاعهم.
فالشهداء وإن غابو بأجسادهم، هم (أحياء عند ربهم يرزقون)، وعند شعبهم يكتبون خلودهم في قلوب تنبض بالفخر والوفاء والإكبار.
وسيرتهم عابرة للزمان والمكان بوضاءتها وطهرها، وهي مليئة بالايثار والنبل الإنساني والوطني، ومنهل للعطاء.
هم ليسوا أرقاما في مقابر مجهولة، بل هم كتاب مفتوح تشع سطوره بأسمائهم وأفعالهم وانتمائهم العالي، وتبتل صفحاته بأسمى معاني الذود والإباء.
لقد أدركت الشهيدة دلال المغربي بوعيها الثوري المبكر، أنها تنسج بنضالها وفلسطينيتها، صورة المرأة العظيمة، التي تتجاوز دورها التقليدي المتوارث – وهو من الأهمية بمكان – في التربية والعطف وغرس المثل، إلى لحظة فارقة تقدم فيها روحها على مذبح حرية شعبها وكرامته واستقلاله، وان تكون دماؤها خيطا لامعا من خيوط الفجر القادم؛ امتدادا لقوافل من النساء العظيمات في تاريخنا الشامخات بتضحياتهن وكفاحهن العريق.
مناضلة خالدة وعروس زفها الإقدام والشجاعة أنت يا دلال لا إرهابية.