لا يساورنا أدنى شك وعلى ضوء عمليات الشد والجذب الطائفي وغيرها اللتي أفرزها “الربيع العربي”، بأن العنوان أعلاه من أساسه إنما في جانب منه، سوف يلقى دون شك القبول لدى البعض بل الثناء عليه، الذي لا يختلف فيما بينه على أن إستقرار أمن أي عاصمة عربية أو إسلامية وإستبابه إنما يكمن في هزيمة الكيان الصهيوني، وقيام الدولة الفلسطينية التاريخية المستقلة والقدس عاصمتها، في الوقت الذي قد يعتبره آخرون على الجانب الآخر، استفزازا وربما تجنيا على حساب الوعي العربي، الذي يزعم أن “التمدد” الإيراني، إنما هو الذي يمثل التهديد المفتعل للأمن القومي العربي! وبغض النظر عن موقف هذا الفريق من ذاك، فأنما تهديد الوجود العربي كان قد بدأ منذ عقود على إثر معاهدات وإتفاقيت ووعود و إصطناع أنظمة، كانت قد سبقت قيام الثورة الإسلامية عام 1979, خاضت على إثرها الجيوش العربية أكثر من حرب في مواجهة غطرسة الإستعمار الغربي وأطماع العدو الصهيوني، التي لم تتوقف حتى يومنا هذا! بالأمس خر صريع الموت المستشرق الصهيوني، برنارد لويس الذي يعتبر من المستشرقين الأكثر تأثيرا في صناعة الرأي العام الغربي، وهو الذي عرف عنه شدة كراهيته للعرب والمسلمين، إلى الحد الذي نادى فيه إلى تقسيم دول الشرق الأوسط، إلى دويلات على أساس اللغة والعرق والدين، وإعتباره أن القدس إنما هي حق تاريخي لليهود!* ومع وصول جورج بوش الإبن إلى البيت الأبيض، عام 2001, اعتبر الهالك لويس من أهم ملهمي الرئيس الثالث والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية و أركان إدارته من المحافظين الجدد المولعون بنظرياته، اللتي تعتبر المرجعية في كيفية فهم العقلية العربية ورسم سياساتهم الخارجية بناء عليه. وعلى الرغم من غيابه ومن قبله، إلا أن ذلك لم ولن يحل دون إستمرار تأثير أفكاره، الذي بدا واضحا من خلال إستغلال صناع القرار في مجلس الأمن القومي الأمريكي، جهل الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في عالم السياسة الخارجية، وركوبه مطية يمكن من خلاله ترجمة فلسفة “حكيم العصر” إلى واقع ملموس، ليس من أبلغ دليل على ذلك حين تم فرض الوصاية على أنظمة “الإعتدال” العربي، والإعتراف زورا بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وما يتم تداوله عن “صفعة القرن” القادمة من تصفية للقضية الفلسطينية، ناهيك عن التدخل القائم في الشأن السوري، ولاحقا في الإعلان من جانب واحد عن الإنسحاب من طرف واحد من الإتفاق النووي مع إيران، إضافة إلى فرض شروط تعجيزية عليها، حتى تتحقق رؤيته بأن التعامل مع دول الشرق الأوسط، إنما يجب أن يقوم على أساس أنها قبائل تتنازع وتتصارع فيما بينها، وأنه لا بد من تقسيمها من أجل الحيلولة دون التفكير في بناء قوة ذاتية مستقلة ومكتفية بحد ذاتها! وعود على بدء، ولما كانت القدس هي العاصمة الروحية لكل العرب والمسملين، فإن ما يمس البعض من عواصمهم من تهديد ووعيد، لاشك أنه لا يقل عما يمس عاصمة فلسطين من إغتصاب و تهويد، ولعله من باب أولى على العواصم الأخرى التي لا تجيد سوى المزايدة والتنديد، أن تصحو على نفسها وتدرك أن الثمالة في سكرها لن تجدي نفعا لها، حتى تلحق الرياض والقاهرة وعمان، بدمشق وطهران قبل أن تستفيق شعوبها عليها، وفي مزابل التاريخ ستلفظها يومها! وفي الختام بصراحة نقولها، أنه لن يضيرنا التكرار في التنويه، أن ندائنا هذا إنما ليس بالضرورة موجه لحكامنا، ولكنه بالتأكيد إلى شعوبنا التي لا تختلف عنهم، والتي كلما استفاقت من نوم، حتى غطت من جديد في سبات أعمق منه!
* كاتب فلسطيني واشنطن