من يقرأ استراتيجية واشنطن الجديدة القديمة، تجاه ايران يخرج بنتيجة، مفادها ان ما جاء في هذه الاستراتيجية لا علاقة له بالتزام ايران او عدمه بالاتفاق النووي وبنوده، انما هدفه ضرب ايران ودورها ونظامها.. فالاستراتيجية تقول.. على ايران ايقاف دعمها حزب الله وسحب عملائها في المنطقة وانهاء دعم “الميليشيات” العراقية ووقف دعمها لــ”الحوثيين” وسحب جميع قواتها “العسكرية” من سوريا وفتح جميع منشأتها النووية، ووقف تخصيب اليورانيوم فورا ..
ما علاقة كل هذا بالالتزام بالاتفاق النووي؟ واين هي ملاحظات واشنطن على عدم التزام ايران بالاتفاق او خرقه حتى يستوجب كل هذه الاجراءات العقابية ” بغض النظر عن اثرها او عدمه على يطهران” وكل هذه الضوضاء المفتعلة.
السؤال المطروح، لو وافقت ايران ونفذت المطالب الامريكية، هل يعود من مشكلة للادارة الامريكية مع الاتفاق النووي؟ اذا لم يعد لديها مشكلة، فهذا يعني ان الاتفاق ليس المشكلة. المشكلة في مكان اخر، هذا المكان هو تجريد الجمهورية الاسلامية من قواها الدفاعية على اختلافها، واضعاف نفوذها في محاولة لاجتثاثه من المنطقة، ليسهل لاحقا القضاء على نظامها بسهولة ، سواء كان ذلك من خلال الحصار او الحروب على اختلافها الخشنة والناعمة والذكية وغيرها، وصولا الى الاتيان بنظام مطيع طيع مدجن على غرار بعض الدول المعروفة في المنطقة..
اما لماذا ؟ الاجابة بسيطة جدا، لان ايران هي تقريبا الوحيدة التي تقف معرقلة مشاريع واشنطن في المنطقة، بدءا من قيادتها لتحالف محور المقاومة في مواجهة الارهاب والتكفير المولود امريكيا والممول عربيا، مرورا بتدمير مشروع التقسيم في المنطقة لا سيما سوريا، وصولا وهو الاهم الى العمل على قطع الطريق على صفقة القرن القاضية بتصفية القضية الفلسطينية وتتويج “اسرائيل” حاكما آمراَ ناهيا في المنطقة تركع وتسجد لها ملوك المنطقة وقادتها،مقبّلة اياديها حصولا على الرضا وبقاء العروش والمناصب.. ولكن هل ستحقق واشنطن اهدافها من خلال استراتيجيتها الجديدة..؟
في عودة بسيطة الى الوراء قليلا نجد ان العقوبات على ايران كانت مفروضة من قبل واشنطن واوروبا ومجلس الامن الدولي ، حينذاك، صمدت ايران ووقفت، وحولت العقوبات الى فرصة عبر اعتمادها مبدأ الاقتصاد المقاوم يقوم على معادلة الاكتفاء الذاتي.. ونجحت. وهي في تلك المرحلة لم تكن تمتلك القدرات الحالية المتنوعة سواء على المستوى العسكري او التكنولوجي او الاقتصادي او التحالفي الدولي او النفوذي في المنطقة.. اليوم ايران تمتلك قدرات هائلة يعترف بها العدو قبل الصديق، ولديها تحالفات متينة جدا مع قوى عظمى كروسيا والصين، ولديها محور مقاوم هو الافعل والاوسع والاشمل في المنطقة.. اضف الى ذلك، ان الاتحاد الاوروبي، الذي يعاني وضعا اقتصاديا وماليا صعبا، يقف بقوة مع ايران، ليس حبا بها، بل بمصالحه المتضررة من انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي ومن اتفاقية المناخ، وفرض ترامب الجزية على اوروبا بشأن تمويل الحلف الاطلسي، وضربه بعرض الحائط القرارات الدولية لا سيما المتعلق منها بالقضية الفلسطينية واعلان القدس عاصمة للكيان الصيهوني”..
الاستنتاج البسيط من ذلك، يشير بشكل واضح الى تراكم قوة لدى ايران، وتراجع قوى لدى امريكا وحلفائها، خاصة بعد هزائم مشروعهم في المنطقة، سواء في سوريا والعراق ولبنان او في اليمن على ايدي المحور المدعوم ايرانيا.. من هنا، يمكن القول ان ادارة ترامب لا تواجه ايران الان فحسب، بل تواجه العالم كل العالم المتضرر من ادارة ترامب التي لا يقف معها من هذا المجتمع الدولي سواء الكيان الصيهوني وبعض الانظمة العربية المكشوفة.