بداية لا بد من الإشارة إلى أنني أكن لك سيادة ألمطران عطا الله حنا كل الاحترام والمحبة والتقدير، فأنت رجل دين شجاع ومدافع صلب عن المقدسات الاسلامية والمسيحية في وجه مؤامرات التهويد والاقتلاع ومحو الهوية العربية لفلسطينين ومناضل لا تلبن له قناة ضد صفقة القرن التصفوية ومشروع الضم وكل المشاريع المعادية التي تستهدف النيل من الامة في مشرفها و مغربها وآخرها قانون قيصر الأمريكي الذي يستهدف سوريا ولبنان والعراق .
كما يعجبني فيك وقوفك بشرف ضد الحرب الظالمة التي تشنها السعودية والإمارات على الشعب اليمني الشقيق خدمة لاجندات صهيو-امريكية وكل مواقفك الوطنية والقومية التي تؤكد على اصالتك ونيل اخلاقك وعلى صدق انتمائك الوطني والقومي والإنساني.
ولا أجاملك او اتملق لك، ما عاذ الله، إن قلت لك بأنه عندما تحدث تطورات فلسطينية او عربية او دولية مهمة فإنني أنتظر سماع رأيك لاستنير به ولا انتظر سماع رأي علماء السلاطين لانهم لا ينطقون بالحق وإنما بلسان السلطان ولذلك فإن رأيهم لا يهمني ولا قيمة لهم عندي.
وعندما تعرضت لحادثة التسميم بألمواد الكيماوية قبل عدة أشهر ونقلت إلى أحد المشافي الأردنية للعلاج فقد قلق عليك مسلمو فلسطين كما مسيحيوها ولم يهدأ لهم بال حتى تعاقبت وعدت الى ارض الوطن بيمن الله ورعايته لكي تواصل عملك الديني والوطني
ولكن يؤسفني القول ان التصريحات التي أدليت بها لوسائل الإعلام يوم أمس الاحد حول القرار التركي الخاص بتحويل كاتدرائية و متحف آيا صوفيا إلى مسجد، وبصرف النظر عن موقفنا من أردوغان وتصرفاته، والدور التخريبي الذي قام ويقوم به في سوريا، لم تكن منسجمة مع ما عهدناه عنك من حرص على ما يوحد ونبذ ما يفرق، فأنت قيمة كبيرة لمسلمي فلسطين قبل أن تكون ومسيحيين مثل مطران القدس الراحل اليساريون كبوتشي..
فموضوع آيا صوفيا هو موضوع معقد لانه يتعلق بمعلم ديني بدأ مسحياً بدون شك وتحول إلى مسجد حين ابتاعه السلطان محمد الفاتح من القساوسة بعد فتح القسطنطينية ومن ثم حوله مصطفى كمال أتاتورك إلى متحف ليعود ويتحول الى مسجد في عهد أردوغان.
ولكي أضع لك النقاط على الحروف فإنني لا أعقب على تفوهات نيافتكم من مواقع التطرف الديني فأنا أحترم كل الأديان السماوية واعتبر أن المسيحي الوطني والمسلم الوطني والشيعي الوطني والعلوي الوطني والدرزي الوطني واليهودي المعادي للاحتلال والرافض للصهيونية فكراً وممارسة والملحد الوطني في كل القارات أخوة لي بينما اعتبر كل نقائضهم من عملاء الاستعمار اعداءاً لي.
بناء على ذلك فإنني أود ان اقول لك وبكل محبة بأن تصريحاتك فاجأتني للأسباب التالية:-
اولاً : لأن النفس الطائفي كان واضحاً فيها.
ثانياً:لأنه فهم منها أن انتماء صاحبها للمسيحية كدين وللكنيسة الأرثوذكسية ككنيسة هي فوق انتمائه لفلسطين، وهذا يتناقض مع ما نؤمن به نحن في فلسطين من شعار خالد رفعا ذات يوم الشهيد عز الدين القسام حينما قال:”الدين لله والوطن للجميع”.
ثالثاً: لأنها تعاملت مع التاريخ بإنتقائية حيث اعتبرت الحكم العثماني لبلادنا إحتلالاً وإستعماراً بينما لم تتطرق لا من قريب ولا من بعيد للغزوات الصليبة التي استهدفت بلادنا بحجة إنقاذ قبر السيد المسيح من البرابرة المسلمين فيما كان هدفها الحقيقي هو السيطرة والسرقة والنهب بإسم الصليب.
رابعاً: انها تجاهلت حقيقة تاريخية مهمة وهي ان الصليبيين عندما احتلوا بيت المقدس وفلسطين لم بتورعوا حتى عن قتل المسيحيين العرب، الذين إدعوا انهم جاؤوا لإنقاذهم كما قتلوا بالمسلمين وحولوا المسجد الأقصى آولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين الى إسطبل لخيولهم قبل أن يحررها صلاح الدين الأيوبي.
خامساً: لأنها لم تراعي حقيقة مهمة وهي ان الإتراك مكروهين من الآوروبيبن بسبب ديانتهم الاسلامية في المقام الاول وليس لجرائم ارتكبها العثمانيون ضد الأرمن او بسبب الحروب والغزوات التي شنوها في آوروبا بدليل ان الاتحاد الآوروبي لم يوافق على منح تركيا عضويته رغم تلبيتها لكل الشروط التي طلبها الإتحاد منها بينما قبل عضوية دولة مثل ألمانيا كانت مسؤولة عن مقتل عشرات ملايين الأوروبيين في حربين عالميين مدمرتين.
سادسا: لأنه حتى لو افترضنا جدلاً ان هدف أردوغان من تحويل آيا صوفيا إلى مسجد هو توفير المبررات للإسرائيليين للسيطرة على المسجد الأقصى وتقسيمه زمانياً ومكانياً فان من شأن الإنجرار إلى معركة طائفية هو تسهيل تمرير هذا المخطط،هذا مع قناعتي ان اسرائيل لم تكن يوماً بحاجة الى ذرائع ومبررات لتحقيق أهدافها في تهويد الارض والمقدسات والاستيلاء عليها.
اخيراً وليس آخراً فكما ان هناك داعش اسلامي تكفيري هناك ايضاً داعش مسيحي إنعزالي متحالف معه يسعى إلى ضرب اية آفاق لنهوض الامة ولذلك فإن البحث عن كل ما يوحد ونبذ كل ما يفرق يبقى احد اهم شروط النجاح في مواجهة الصعوبات وتذليلها.
بقي القول ان اي محاولة للإساءة للمطران عطا الله حنا على خلفية تلك التصريحات هي مدانة ومرفوضة فليس بمقدور أحد ان يدعي لوحده امتلاك الحقيقة او ان ينصب نفسه ناطقاً بإسم الذات الإلهية.
ويظل الحوار الجاد والمسؤول المبني على قيم الاخلاق والتسامح ورفض التعصب الديني وآحترام الراي والراي الآخر بعيداً عن الغرائزيات هو اقصر الطرق للوصول لى الحقيقة.
مع فائق إحترامي وتقديري.
أما التعصب الديني والمذهبي والحض على الكراهية فهو اقصر الطرق للفتن والحروب الداخلية وهذاا ما يجب محاربته على الصعيد الفكري وبلا هوادة.