لا يمكن لأي تونسي ألا أن يشعر بالألم والحسرة جراء الاقتتال الذي يجري على الأرض الليبية، فهم شعبين يجمعهم القدر والمصير الواحد والهدف المشترك. إذ أكدت دروس التاريخ أنه كلما كانت ليبيا وتونس في خندق واحد، وموقع واحد متضامنتين فإن ذلك يحقق الأمن والاستقرار للإقليم العربي، ومن هذا المنطلق يقع على عاتق تونس اليوم أمام الوضع المؤلم في ليبيا أن تلعب دورها السياسي للتوصل إلى حل حقيقي لحقن الدماء والتدخل الأجنبي بشؤونها الداخلية، لأنها المؤهلة للقيام بهذا الدور.
ما تتعرض له الشقيقة ليبيا لا يقل خطورة عن ما تواجهه تونس، إنه الإرهاب الذي يستهدف قدراتهما، لكن اليوم الرئيس التونسي قيس سعيد قد يقحم تونس في عراك إقليمي هي في غنى عنه، فالتقاءه بالرئيس التركي في هذا الوقت يرسخ فكرة أن البلاد قد انخرطت في صراع المحاور خاصة وأن تصريحات أردوغان في قصر قرطاج كانت ممهدة لوجود عسكري تركي على الحدود الجنوبية الشرقية، مهدداً بـ ” أما أن تساعدونا على احتلال ليبيا وإلا جلبت لكم الدواعش”.
اردوغان في تونس يحاول إعلان انتصار معنوي لجماعاته الإرهابية ومن جهة أخرى يبحث كيف ستدعم حركة النهضة حكومة السراج من خلال إيجاد موطئ قدم لمهاجمة ليبيا بما يخدم المصالح التركية في المنطقة، والحدث الأهم والذي سيؤدي إلى رحيل الرئيس قيس والنهضة عن المشهد السياسي اذا قررت تونس الانضمام للاتفاق الموقع بين السراج واردوغان والذي يهدف إلى منح تركيا غطاءا سياسيا لنقل “مقاتلين” إلى ليبيا .
لا شك ان اردوغان يرغب في خلق أزمة خطيرة تهدد الأمن والسلم الدوليين في حوض المتوسط، ويريد أن يصدّر الأزمة التي كان يستثمرها في سورية إلى ليبيا من خلال الاستعانة بالتنظيمات الإرهابية التي انتشرت في شمال سورية ونقلها إلى ليبيا، وذلك في محاولة لإعادة إحيائها على أمل مساعدتها في تغيير مسارك المعارك لصالحها، خاصة بعد انهيارها أمام ضربات الجيش السوري.
وبموازاة ذلك لا يخفى على أحد أن هناك أطرافاً دولية وإقليمية ودول جوار لا يسرها وصول ليبيا الشقيقة إلى حالة من الأمن والاستقرار، وأن تمضي في طريق التنمية والإزدهار، حيث ترعى هذه الأطراف الإرهاب والتطرف وتمده بالمال وبكل أدوات القتل والدمار لنشر الإرهاب والفوضى في ربوع ليبيا، فالذي يحدث في هناك هو تهديد مباشر لأمن تونس القومي والعربي بأكمله، ينبغي معه مزيد من التضامن بين أبناء الوطن الواحد، والالتفاف حول الجيش وهو يخوض حرب حقيقية ضد الإرهاب الذي يهدد حياة ومستقبل الشعب الليبي.
إن الأيدي المرتعشة لن تصنع وتبني وطناً مستقلاً قادراً على حماية شعبه، لذلك نتمنى من الرئيس التونسي قيس سعيد عدم الانخراط بمحور الارهاب الذي يستهدف الشعب الليبي، وأن يدرك أن هناك قوى تتربص لضرب العلاقات التونسية-الليبية وعزل تونس عن الصف العربي لأنها تدرك جيداً خطورة التقارب التونسي-الليبي على مصالحهما الحيوية في المنطقة، ولأن تونس دولة وطنية تتمسك بقرارها المستقل وترفض الوصاية، هنا ندرك و نعلم أن تونس العروبة وشعبها العريق، لا يمكن أن يقبل أن تكون تونس مررا للسلاح وللدواعش الذين يريد أردوغان أن يتخذ منها ممرا آمنا إلي حكومة السراج في طرابلس الليبية.
بإختصار شديد، أن تونس وليبيا، مدعوتان اليوم للوقوف صفاً واحداً أمام الإرهاب الذي يهددهما في أكثر من مكان، ومن هذه النقطة يجب على الدول العربية العمل المشترك لدحر قوى الإرهاب وهزيمة هذا التيار المتطرف ورد هجمته عن منطقتنا ومجتمعاتنا وأهلنا.
Khaym1979@yahoo.com
جامعة الفرات