في وقت بدأت الاستعدادات تمضي بطيئة من الدول العربية وجامعتها، في إطار عودة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين شقيقتهم الكبرى سوريا، وأقول الكبرى استحقاقا لأنّ ما لاقته بلاد الشّام من مؤامرات كشفت حقيقة نوايا دول الغرب وعملائها من حكام العرب تجاه النظام السوري، وفي المقابل، أظهرت قوة وصلابة نظام ودولة، لم تستسلم لمهاجميها على تنوع أفكارهم وأعراقهم، من مقترفي جميع أنواع الجرائم على شعبها وعلى أرضها، وبمشهد من العالم بأسره دون أن يحرّك ساكنا.
كان للجمهورية الإسلامية الإيرانية موقف آخر، مغاير تماما للدول العربية، التي كان بعضها يرى أن ما كان يجري بسوريا هو ثورة شعبية، بينما هي حرب إرهابية واسعة النطاق، خططت لها أمريكا ودول الغرب وعملاؤهم في المنطقة، من أجل تغيير النظام السوري الممانع للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وصاحب الجبهة الشمالية الشرقية في مواجهته، والجولان المحتل مازال ينتظر تحريره، ولا يمكن لنظام وطني مثل النظام السوري أن يفرّط في شبر منه لأعدائه، ومن مبادئ الدول الحرّة أن لا تستكين لأي عدوان مهما قويت شوكته.
انخراط إيران الإسلامية على جانب سوريا والعراق في محاربة الإرهاب التكفيري، كان واجبا وعملا يفخر به صاحب كل قضية تحرّر في العالم، وليس مخصوصا بالعرب والمسلمين وحدهم، فهناك دول وشعوب في العالم، تضررت كثيرا من مؤامرات الدول الغربية، وعداواتها المكشوفة لها، قد اتخذت مواقف مناصرة لقضايا الشعوب المستضعفة، وموقف إيران هو من هذا القبيل، مصداق فِكْرِ المؤسّس الراحل الامام الخميني ( يوم القدس هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين)، وهذا ما فهمه أحرار العالم، وأيّده فيمن أيّده دول وشعوب من أمريكا اللاتينية، رغم اختلافها الفكري والايديولوجي، حيث أبدت رأيها ومواقفها من قضايا التحرر في العالم، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية العادلة، ومحاربة الإستكبار العالمي الذي ترأسه أمريكا، التي تُعْتَبر صاحبة اليد الطولى، في حياكة مآسي دول وشعوب العالم.
زيارة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى سوريا، جاءت تلبية لدعوة رسمية وجّهها إليه الرئيس السوري بشار الأسد، جاءت لتتوّج العلقات المتينة بين البلدين، والتي اختلطت فيها التضحيات الجسيمة، بالدماء العزيزة الطاهرة، التي سالت هنا وهناك في ساحات مواجهة دابة الإرهاب التكفيري، وأدواتها على الأراضي السورية، علاقة مبدئية واستراتيجية، كبُرَتْ خلال اثتي عشرة سنة من عمر المؤامرة المحاكة ضدّ سوريا، ولا تزال مستمرّة بأكثر عمق ومتانة وقوّة، وفي هذه الزيارة جاءت مبادرة تأصيلها اقتصاديا، ووضعها في موضع مُمَيّز ومتقدّم من بين العلاقات الأخرى التي تربط سوريا بدول صديقة كروسيا والصين وفنزويلا.
رفع مجال التعاون بين البلدين إلى أعلى مستوى ممكن، إرادة جمعت الحكومتين لفتح آفاق جدّية من التعاون والشراكة المستدامة، لتحقّق النتائج المرجوّة من العلاقات، وهو ما ينتظره الشعبان السوري والإيراني، سبْقٌ لا أعتقد أنّه سيكون عائقا أمام إعادة علاقات الدول العربية الأخرى، بل لعلّه سيكون حافزا لها على عدم التسرع في استهدافها، وتعريض مصالح الشعب السوري، وأشقائه من الشعوب العربية والإسلامية لخطر التّباين والخلاف الذي لا طائل من ورائهما، سوى تعطيل المصالح المشتركة، خدمة لأعداء الأمة العربية والاسلامية.
على نخب الإنتصار على شركاء الاستكبار والصهيونية بدأت الزيارة التاريخية لرئيس دولة إسلامية شهد لها القاصي والداني والعدوّ كما الصّديق بأنها أصيلة وصاحبة ثوابت مواقف تبعا لها لن تتغير مهما تكالب أعداؤها عليها، وهذا ما عُرِفت به إيران الثورة والدولة منذ تأسيسها سنة 1979، كما يجدر التنويه له محافظة الرئيس بشار الأسد ونظامه الحالي، على العلاقات المتينة التي بناها أبوه الراحل حافظ الأسد مع إيران، وهي مواقف مشرّفة ميّزت سياسات سوريا على غيرها من الدول العربية، التي اصطف أغلبها ضدّ إيران، استجابة لرغبات وأوامر أمريكا.
زيارة جاءت في وقتها، لتؤكّد على عمق هذه الروابط ومتانة العلاقات التي تربط البلدين، وقد ظلّت ثابتة طوال الأزمات التي حامت حولها، بما يُعْطي انطباعا ثابتا على مبدئيتها على الأقل في المحافظة على أواصر الأخوّة بينهما، وما استوجبته من دعم ومساندة كبيرين، خلال سنوات المحنة التي مرّت بها سوريا، دولة وشعبا وأرضا، مضمونها اعلان عن انتصار مبدئي على أعداء البلدين، باعتبارهما مشتركين في مصير واحد حِيال الهجمة الإرهابية التكفيرية، ومواجهة الكيان الصهيوني المحتل، ومعاداة نظُمِ الإستكبار العالمي مؤسسات وأحلاف، تتمحور جميعها حول أمريكا.
ما كان يأمله الحلف المعادي لإيران وسوريا، سقط في الماء فلم يعد له وجود على الأراضي السورية، ومخطط قطع اليد الإيرانية الداعمة لمحور المقاومة، وما وصفه الملك الأردني تشويها بخطر الهلال الشيعي، قد أصبح بدرًا انظمّت إليه حركات فلسطينية ولبنانية وسورية ويمنية، فضلا عن إيران التي تُعتبر الراعيَ الأوّل لهذا المحور المبارك، وبالنتيجة أصبحت التواجد العسكري لإيران أمرا واقعا بموافقة الدولة السورية، على أساس توجد في خندق واحد في مواجهة عدوّ شرس لا يفهم بغير منطق القوّة، والمصير هنا مشترك وواحد.
بلا شكّ فإن هذه الزيارة قد فتحت أبوابا جديدة من التعاون الإقتصادي المشترك، في مواجهة العقوبات الظالمة التي يتعرّض لها البلدان، وتطوير هذا التعاون امر مفروغ، وسط أجواء عربية رسمية لم تعد خافية على أحد، فمن كان مصطفا في مواجهة النظام السوري من أجل اسقاطه اصبح اليوم يطلب مودّته، ويسعى إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفتح صفحة جديدة من التعاون معه، وهذا من شأنه أن ينهي مشروع إخراج سوريا من محورها المقاوم، وتسقط به أحلام أمريكا والكيان الصهيوني، في صياغة شرق أوسط جديد، على المقاس الغربي الصهيوني.
يمكن القول بأن الحرب على الإرهاب انتهت تقريبا، وما بقي من فلوله سيتلاشى بمرور الوقت، والحاضر يستدعي الدخول في مرحلة جديدة، من إعمار ما دمرته الحرب في سوريا، من بنى تحتية ومشاريع صناعية، وهو ما يتطلب عزما راسخا وشراكة قوية، بإمكانها أن تغيّر الأوضاع الحالية في سوريا إلى الأحسن، والشعب السوري معطاء ومخلص في أعماله، ينتظر فقط شركاء نزهاء بإمكانهم أن يقفوا إلى جانبه للخروج من النتائج الكارثية التي أوصلته إليها مقاومته للجماعات التكفيرية ومن كان يدعمها سابقا.
زيارة السيد إبراهيم رئيسي إلى سوريا جاءت لتدلّل على مدى فشل وهزيمة أمريكا وربيبها الكيان الصهيوني في قطع هذا الجسر من التواصل، والذي بالمقابل ازداد متانة وقوة، ما بشّر بمستقبل أفضل من العلاقات ليس بين سوريا وإيران فقط، فذلك من تحصيل حاصل، بل وأيضا مع الدول العربية العائدة إلى الحضن السوري مختارة أو مكرهة، فذلك ما سيفصح عنه المستقبل، وعلى أيّة حال نحن نأمل الخير لكل من أراد بهذه الأمّة خيرا، ونعطي كل ذر حقّ حقّه.