أمريكا خرجت من فيتنام عام 1975 بعد ان حاربت للعديد من السنوات بعد ان تسلمت الراية من المستعمر الفرنسي الذي خرج مهزوما عام 56 من القرن الماضي بعد معركة ديان بيان فو. في ذلك العام نشرت صور الطائرات الامريكية في مطار سايغون في جنوب فيتنام والامريكيين من جنود ومدنيين يتراكضون على طائرات الاخلاء وفي نفس الوقت كان الجنود الامريكيين يطلقون النار في الهواء وفوق رؤوس الفيتناميين من العملاء اللذين تراكضوا لركوب طائرات الاخلاء حتى يبعدوهم عنها وتركوهم لمجابهة مصيرهم مع قوات الفيتكونج التي دخلت العاصمة سايغون بعد ان حررت كل اراضي فيتنام من المحتل الامريكي. والصورة في مطار كابول لم تختلف على الاطلاق بالرغم من أكثر من نصف قرن من الفارق الزمني.
هذه الصور والمقاربات تتحدث أكثر مما يتضمنه ربما كتاب من الف صفحة عن الوجود الامريكي في فيتنام وقوتها العسكرية وقتل ملايين من سكان فيتنام ولاوس وكمبوديا آنذاك وحرق الارض والبشر بالقنابل الفسفورية…الخ معتقدة ان هذا الكم الهائل من الاجرام والقوة العسكرية سيؤهلها لحكم البلاد والتحكم برقاب العباد. وكما هو الحال في أفغانستان وضعت دمية فيتنامية لتحكم جنوب فيتنام الذي على ما اظن فر من البلاد كما هو الحال مع الدمية الذي وضع في كابول اشرف غني أحمدزي وهرب من البلاد على متن طائرة على عجل تاركا البلد الذي اصلا لا ينتمي اليها الا بالاسم فقط فالعميل لا وطن له.
اليوم امريكا تخرج من أفغانستان وبعد أكثر من 20 عاما من إحتلالها مهزومة ومأزومة دون ان تحقق أي هدف من الاهداف التي وضعتها لتبرير غزوها وإحتلالها. فأفغانستان ما زالت التربة الخصبة للارهاب والمرشح ان يزداد مع تسلم حركة طالبان الحكم, ولم تقيم الديمقراطية المزعومة وحتى بالمفهوم الغربي لها ولم تؤمن الاستقرار في البلد ولم تتقدم حقوق الانسان قيد انملة وكذلك حقوق المرأة والاحوال الاجتماعية فظهور إمراة واحدة او إثنتين باللباس الغربي في كابول لا يعني أن المرأة قد اخذت حقوقها. وفشلت فشلا ذريعا في بناء دولة المؤسسات وبقي التخلف وعلى جميع الاصعدة سيد الموقف.
وبعد عشرون عاما من الاحتلال لم تتمكن الولايات المتحدة من بناء جيش أفغاني قادر على الدفاع عن البلاد أمام حركة طالبان التي زعمت الولايات المتحدة انها غزت أفغانستان للقضاء عليها فهذه القوات في معظمها لم تتصدى لتمدد قوات طالبان وفي بعض الاحيان قامت بتسليم اسلحتها واستسلامها لطالبان. هذا يعيدنا الى الوراء عندما احتلت داعش الموصل نفس الصورة وهروب عناصر الجيش العراقي او استسلامهم. والمصيبة ان أمريكا الان تلوم الجيش الافغاني لعدم قدرته على التصدي لقوات طالبان.
وتجارة المواد المخدرة وخاصة الافيون في حقيقة الامر إنتعشت وزادت مساحات الاراضي المزروعة بنباتات الافيون وما زال 95% من مادة الافيون المتداولة عالميا مصدرها أفغانستان. وهنالك تقارير نشرت عن تورط المخابرات المركزية الامريكية في تجارة المخدرات وتحقيق مئات الملايين من تجارتها.
واليوم ومع دخول قوات طالبان الى كابول وسيطرتها التامة على الاراضي الافغانية والحدود والمعابر مع الدول المجاورة ستعود افغانستان كما كانت قبل الغزو الامريكي. وكل من يعتقد ان حركة طالبان اليوم لم تعد كما كانت بالامس قبل 20 عاما مخطىء فالتخلف والتحجر العقائدي والتطرف في فرض أنماط إجتماعية موغلة بالتخلف ما زالت سيد الموقف. وها هي حركة طالبان تتحضر لإعلان إمارة أفغانستان الاسلامية فلا حكومة مؤقتة ولا حكومة تشاركية.
يبقى ان اوضح ان المقارنة والمقاربة لاتعني بالمطلق انني اشبه قوات الفيتكونج بحركة طالبان المتخلفة.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني