عشر سنوات عجاف منذ ثورة “17 ديسمبر ” ثورة الحرية والكرامة التي اندلعت من قلب مدينة سيدي بوزيد لتعطي إشارة انطلاق الثورة وتأجيج المظاهرات والتحركات الإجتماعية في أنحاء مختلفة من أحياء مدينة سيدي بوزيد وفي عدد من معتمدياتها قبل ان يشتد لهيبها في الولايات المجاورة وفي العاصمة حيث سقط عدد من الشهداء والجرحى و سقط معها النظام السابق ..
بعد عشر سنوات ؛ ثورة لم تتحقق أهدافها
شعب لم تتحقق تطلعاته ومكاسبه و السياسيون حققو كل أحلامهم.. و اليوم البلاد في أسوأ حالاتها وفي تراجع في كل المجالات و الشعب التونسي كان ينتظر إجراء إصلاحات اقتصادية عاجلة من شأنها الحد من قضايا البطالة والفقر والتهميش والإقصاء و بعد حصيلة عشر سنوات تعد هزيلة و هذا من شأنه ان يعمق في شعور الناس بالمأساة و البؤس وفقدان الأمل، و عمت الإحتجاجات المطلبية الاجتماعية و هي ترجمة للواقع المزري الذي يعيشه أبناء الثورة بصفة عامة والشباب بصفة خاصة في سيدي بوزيد التي لم يتم انصافها عقودا و عقودا و هذا ما زاد في وتيرة الاحتجاجات و فقدان الثقة في الدولة..و ظلت ذكرى الثورة مجرد حدث يمر مرور الكرام و لم نرى منها الثورة سوى التهميش والوعود الجوفاء، وعاش الشعب على وقع المماطلة وغياب التنمية و إنتظاراته كلها ظلت حبرا على ورق بل الأسوأ من ذلك أنها كانت مجرد مسكنات لجروح عميقة ولثورة لم تكتمل..
الثورة لم تتحقق أهدافها و لكنها مستمرة.!!
إذا أردنا تونس جديدة قوية وعادلة يجب أن تحقق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية للثورة وهي الكرامة والتشغيل؛ وهنا لم تنجح الطبقة السياسية و الحكومات المتعاقبة في تحقيق العدالة الاجتماعية و التوازن بين الجهات لأن البطالة زادت والفوارق الاجتماعية زادت والجهات المهمشة لا تزال مهمشة..ثورة الحرية و الكرامة بالنسبة إلى التونسيين لم تكن تتعلق بالديمقراطية فقط، بل كانت تهدف في الدرجة الأولى إلى تقليص الفوارق الطبقية و تحقيق العدالة الإجتماعية ، وهو ما فشلت الحكومات المتتالية في القيام به جراء التجاذبات السياسية و المصالح الضيقة .. و علينا أن نعترف أننا لم ننجح لحد الآن في تحقيق أهداف الثورة نتيجة شراسة الثورة المضادة.. و فشل الحكومات المتعاقبة في الإستجابة لمطالب الشعب المشروعة ..
أبناء مهد الثورة نطالب الحكومة و كل الأطراف الفاعلة بالنهوض بالتنمية في سيدي بوزيد خصوصا و الجهات الداخلية المهمشة بصيفة عامة..
لا مجال للإنكار أن معظم التونسيين أصيبوا اليوم بخيبة أمل كبرى و نكسة من حصيلة عشر سنوات من استياء متزايد على تأزيم الوضع الاجتماعي والاقتصادي و السياسي بالأساس و هو عنوان الفشل الكبير للثورة التونسية والذي إن استمر وتفاقم سيكون قادرا على هدم كل مكاسب الثورة في لحظة واحدة.. أزمة تونس تكمن في نخبها التي تتحمل الجزء الكبير من المسؤولية لأنها عجزت عن الفعل الإيجابي وظلت حبيسة معارك وهمية بين العائلات الأيديولوجية بعيدا عن مطالب الشعب وتطلعاته وهمومه، بل عمدت في العديد من المناسبات إلى استحضار صراعات قديمة لتصفية حسابات سياسية ضيقة و الشعب في غنى عنها..
الوضع من سيئ إلى اسوأ و أرقام الفقر والبطالة وغلاء الأسعار تتصاعد بشكل مخيف مع استمرار تهميش مناطق كاملة من البلاد.. و الشعب تعب و مل من هذا الوضع المشؤوم و يأمل في طبقة سياسية تتحمل المسؤولية التاريخية تجاه الشعب والوطن، لكن مع الأسف بعض الأطراف السياسية يعملون على إطالة عمر الأزمة وتعقيدها، و لا يهـــمهم سوى الحفاظ على مصالحهم الشخصية الضيقة غير مكترثين بمصالح الشعب وبمصير البلاد..
بعد 10 سنوات من عمر الثورة أصبحت هناك حقيقة تؤكدها كل المؤشرات وينطق بها الواقع وهي؛ مشهد سياسي متردي متعفن يشوبه الصراع السياسي العقيم و المكايدات و الإبتزاز السياسي الغير محمود العواقب.. و الجميع غير مدركين ان اللحظة الراهنة في تونس لحظة منذرة بانهيار سياسي كبير يتبعه انهيار اقتصادي واجتماعي أكبر، فكل طرقات التسوية مغلقة والانسداد يقطع كل أمل في الخروج بالبلاد من المأزق السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي ؛ اليوم و بعد عشر سنوات الكل يدرك بأن التطورات السياسية التي حصلت في تونس منذ الثورة لم تغير المشهد السياسي في العمق وإنما غطت على عاهاته بديمقراطية شكلية..و الطبقة السياسية غير واعية بخطورة اللحظة وقراءتهم لواقع البلد الاقتصادي والاجتماعي، فأهدافهم ليست أهداف الشعب الذي انتخبهم وانتظر تحقيق مطالبه بل هي تموقع ضمن ميدان حرب لا يرون فيه إلا أعداءهم و مصالحهم الشخصية الضيقة.. إلى أين يصل بنا هذا الوضع المشؤوم ؟ وإلى أين أنتم ذاهبون بنا و بالوطن أيها السياسيون ؟ من المؤكد أنهم يتجهون مباشرة إلى كارثة سياسية سيخرج منها فائز وحيد و هم قوى الشر أعداء الثورة و أعداء الوطن..!!
عموما و بعد عشر سنوات عجاف بعد الثورة لا يزال المشهد السياسي التونسي وما فيه من توتر واحتقان ينذر بأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات و يستوجب مراجعة هادئة لمسيرة 10 سنوات على الثورة و العودة إلى الحوار لمعالجة التراكمات التي افرزتها الصراعات العقيمة و العبثية و أخلقة الحياة السياسية؛ و الشعب التونسي يستحق أن يحظى بحياة أفضل من هذه التي يعيشها اليوم و يستحق أن يقطف ثمار ثورته التي خرج من أجلها بهدف الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية ، ضد الظلم و الاستبداد ، فهي ثورة الشجعان ركبوا عليها الجبناء !! .. راجعوا حساباتكم أيها السياسيون و حكموا عقولكم قبل فوات الأوان !!
رغم التحديات و الأزمات فأني على يقين تام بقدرة الشعب التونسي على تجاوز الأزمات، مهما كانت حدتها، وإني كذلك أؤمن يقينا أن الفوضاويين الخونة مهما طال الأمد فمصيرهم إلى الزوال، أما الوطن فهو باق إلى الأبد..
عاشت تونس الثورة
17 ديسمبر