لقد أصبحت قضية سد النهضة واحدة من القضايا التي تشغل الرأي العام في كل من مصر والسودان, فبعد إعلان فشل المفاوضات الأخيرة في كينشاسا عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية التي ترأس الاتحاد الإفريقي في دورته الحالية, وتصميم إثيوبيا على الذهاب لحافة الهاوية بإعلانها العزم على البدء في الملء الثاني للسد بعد ثلاثة أشهر من دون توقيع اتفاقية ملزمة مع دولتي المصب مصر والسودان, ضاربة بحقوقهما التاريخية في مياه النيل عرض الحائط, حيث ترفض الاعتراف بالاتفاقيات المبرمة بين دول حوض النيل المختلفة سواء الثنائية أو المتعددة الأطراف بحجة أن هذه الاتفاقيات وقعت خلال مراحل الاحتلال.
وفيما يتعلق بالاتفاقيات التاريخية فهناك عدة اتفاقيات تنظم التعامل مع نهر النيل وروافده حرصت مصر على إبرامها سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي وقع بعضها أبان فترات الاحتلال ويأتي برتوكول روما في المقدمة والذي وقع في 15 نيسان/ إبريل 1891 بين بريطانيا التي كانت تحتل مصر وإيطاليا التي كانت تحتل إريتريا في ذلك الوقت, يليه اتفاقية أديس أبابا في 15 أيار/ مايو 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا, ثم اتفاقية لندن الموقعة في 13 كانون الأول/ ديسمبر 1906 بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا, ثم اتفاقية روما وهي عبارة عن مجموعة من الخطابات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا في 1925, وتعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق والأبيض وروافده, ثم اتفاقية 1929 وهي عبارة عن خطابين متبادلين بين كل من رئيس الوزراء المصري آنذاك محمد محمود باشا وبين المندوب السامي البريطاني لويد, وتنظم هذه الاتفاقية العلاقة المائية بين مصر ودول الهضبة الاستوائية, ثم اتفاقية لندن الموقعة في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 1934 بين كل من بريطانيا نيابة عن تنجانيقا (تنزانيا حالياً) وبين بلجيكا نيابة عن رواندا وأوروندي (رواندا وبورندي حالياً) وتتعلق باستخدام كلا الدولتين لنهر كاجيرا, ثم اتفاقية 1953 الموقعة بين مصر وبريطانيا نيابة عن أوغندا بخصوص إنشاء خزان أوين عند مخرج بحيرة فيكتوريا, ثم اتفاقية 1959 التي وقعت في القاهرة بين مصر والسودان, وجاءت مكملة لاتفاقية 1929 وليست ملغية لها, ثم اتفاقية 1991 بين مصر وأوغندا التي وقعها الرئيس المصري حسني مبارك مع الرئيس موسيفيتي, وأخيراً إطار التعاون الذي تم توقيعه في القاهرة في الأول من تموز/ يوليو 1993 بين كل الرئيس مبارك ورئيس وزراء إثيوبيا ميليس زيناوي.
وإذا كانت إثيوبيا لا تعترف بهذه الاتفاقيات المشتركة بين دول حوض النيل بحجة أن غالبيتها قد قام به الاحتلال, فمن المعروف أن ترسيم الحدود المصطنعة بين دول الإقليم قد تمت في عهد الاحتلال, والثابت تاريخياً أن الأرض التي شيد عليها سد النهضة المزعوم وهي منطقة بني شنقول قمز والتي تقع على بعد 15 كيلو متر شرقاً من الحدود الإثيوبية السودانية, جذورها بالأساس سودانية وحصلت عليها إثيوبيا بفعل الاحتلال وأغلب قياداتها يقيمون خارج إثيوبيا ويناضلون من أجل عودة الإقليم إلى السودان, وإذا كانت إثيوبيا لا تعترف بالاتفاقيات التي وقعت في عهد الاحتلال فعليها أيضاً ألا تعترف بالحدود التي وضعها وترد إقليم بني شنقول قمز إلى السودان.
بالطبع هناك من يقف خلف إثيوبيا ويدفعها للتعنت من أجل إلحاق الضرر بدولتي المصب مصر والسودان, وفي مقدمة القوى الداعمة للموقف الإثيوبي الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الصهيوني, وبناء على الموقف المتعنت لإثيوبيا يمكننا رسم أربعة سيناريوهات محتملة الأول يأتي عبر الضغط المصري خاصة بعد تأكيد الرئيس السيسي بأن مياه النيل خط أحمر وأن كل الخيارات مفتوحة, حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحرك المجتمع الدولي للتأثير على إثيوبيا لوقف عملية الملء الثاني للسد والجلوس على طاولة المفاوضات مجدداً لإنجاز اتفاق ملزم للحفاظ على حصة مصر والسودان التاريخية في مياه النيل, والسيناريو الثاني هو التعنت الإثيوبي والإصرار على الملء الثاني في موعده بعد ثلاثة أشهر ورفض الجلوس على طاولة المفاوضات وفرض أمر واقع وهو ما يدفع مصر والسودان إلى توجيه ضربة مؤثرة لتعطيل العمل في استكمال السد مؤقتاً حتى يتم إنجاز الاتفاق الملزم, والسيناريو الثالث وهو التعنت الإثيوبي وتوجيه ضربة عسكرية ناسفة للسد من مصر والسودان تنشب على أثرها حرب إقليمية واسعة, والسيناريو الرابع هو تعنت إثيوبيا والضغط الدولي على مصر والسودان لقبول الأمر الواقع وعدم توجيه أي ضربات أو تعطيل لاستكمال السد, وهو ما يعني موت شعبي البلدين جوعاً وعطشاً, وبالطبع لا تسعى مصر والسودان لأي حلول خارج الشرعية الدولية لكنهما يبحثان عن حل يحفظ لهما حياة شعبيهما المهددة لذلك فالسيناريو الرابع لا يمكن أن يقبله شعبا مصر والسودان, اللهم بلغت اللهم فاشهد.
*كاتب من مصر