الإثنين , 23 ديسمبر 2024
أخبار عاجلة
جيفري فيلتمان

سقطت الاقنعة وبات الصراع مع الولايات المتحدة وأذنابها في المنطقة والبنك الدولي ومحاربة الفساد هو العنوان الجامع لخروج لبنان من أزمته فأين الحراك والقوى السياسية من هذا؟

الدكتور بهيج سكاكيني |

بالشأن اللبناني هنالك ثلاثة تصريحات صدرت مؤخرا تشير بشكل واضح وصريح أن الازمة اللبنانية هي أزمة مفتعلة بإمتياز والهدف منها إقحام لبنان بشكل فعلي وعملي في الصراع الرئيسي الدائر في المنطقة بين محور المقاومة من جانب وقوى الرجعية العربية التي ارهنت مستقبلها ومقدرات بلدها مع سيد البيت الابيض وكذلك إقحام لبنان في الصراع الدائر على الساحة الدولية التي تشهد ضعفا ملموسا آفول للنظام العالمي التي تميز بإحادية القطب والذي تمتعت به الولايات المتحدة وذلك منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته والتي اصبحت في معظمها دولا ضمن حلف الناتو.

فالتصريحات الذي ادلى بها مؤخرا السفير الامريكي السابق لدى لبنان أشارت وبشكل واضح دون لبس او مداورة بأن ” لبنان مساحة للتنافس الاستراتيجي العالمي”. وإذا ما اخذنا بعين الاعتبار ان الولايات المتحدة ترى في روسيا والصين الد اعدائها على الساحة الدولية وذلك لان كلا الدولتين إستطاعتا لجم العنترية والسياسة العدوانية التي تقودها الولايات المتحدة على مستوى الكون كما شهدنا بوضوح في ثلاثة حالات على الاقل وهي سوريا وإيران وفنزويلا على وجه التحديد, فإن ما عبر عنه فيلتمان هو المخاوف الامريكية بشأن تمدد النفوذ الروسي والصيني في منطقة ذات أهمية استراتيجية كبرى نظرا لموقعها الجغرافي الى جانب الثروات النفطية والغاز الطبيعي في باطن الارض. ولا شك ان الصراع الدائر في سوريا والعداء الامريكي الواضح لايران وحزب الله اللبناني وكذلك توفير “الامن” للكيان الصهيوني الذي يندرج كعنصر رئيسي ضمن الاستراتيجية الامريكية في المنطقة, الى جانب وجود احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي الذي اكتشف مؤخرا في المياه الاقليمية اللبنانية يكسب لبنان أهمية استراتيجية كبرى ويؤكد مرة أخرى أن كل من يدعي بأن الولايات المتحدة عازمة على ترك منطقة الشرق الاوسط واهم ومخطىء خطأ فادحا. ولم يفت فيلتمان الاشارة الى هذا بوضوح عندما صرح قائلا ” وإذا استغلت روسيا موانئ لبنان الثلاثة ومخزونات الهيدروكربون البحرية (النفط والغاز)، سيعطي هذا انطباعاً بأن روسيا تفوز في شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، على حساب الولايات المتحدة”.

فيلتمان يريد أن يبقى لبنان مساحة أميركية صالحة “لتنفيذ مصالح الولايات المتحدة التي تتمثل أولا بحماية أمن إسرائيل”. فيلتمان لا يريد ان يرى تواجد أو نفوذ روسي او صيني او إيراني أو سوري في لبنان فهو يريد احتكار الساحة للمصالح الامريكية ويرى ان اي تواجد لاي من هذه الدول يشكل تهديدا وخطورة على المصالح الامريكية. إذا بات الامر واضحا وبالفم الملئان ولم نعد بحاجة الى التحليل والتمحيص في الامر. وهذا يطرح العديد من التساؤلات وخاصة على الحراك وعلى القوى السياسية اللبنانية وماذا سيكون عليه الرد وليس الاكتفاء بالتصريحات الجوفاء والكلام الذي تذره الرياح, بل بالافعال على الارض. وما يجب ان نفهمه ان الاستهداف الامريكي للبنان ليس بالشيء الجديد والتدخلات في الشؤون الداخلية معروف لجميع القوى اللبنانية وخاصة في الفترة عندما كان فيلتمان السفير الامريكي في لبنان والتحريض على حزب الله اللبناني وسلاح المقاومة لصالح العدو الصهيوني و “أمنه” ومحاولات الضغط لمنع مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية كلها كانت حاضرة على الساحة اللبنانية سواء بشكل مباشر وفج ووقح أو من خلال أزلام وأدوات امريكية لبنانية وإقليمية. ولقد وصل الحد في الفترة الاخيرة بتقديم مذكرة الى الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيرش موقعة من قبل 240 عضوا في الكونغرس الامريكي يطالبونه العمل على تحرك أممي للحد لما اسموه “نفوذ حزب الله” ويحذرون من عواقب نزاع محتمل بين لبنان واسرائيل.

ويجب التأكيد على ان جزء رئيسي من الاسباب التي وصلت فيها الحالة اللبنانية الى ما هي عليه الان يعود الى السياسات الامريكية وخاصة في فرض العقوبات الاقتصادية على لبنان والتعاملات المالية التي فرضت على البنوك اللبنانية. ولم يخفي فيلتمان ما ستقوم به امريكا عندما قال بأن المساهمة في حشد الدعم الاقتصادي للبنان مرهون بالقرارات التي ستتخذ بشأن تشكيل الحكومة المقبلة. هذا طبعا لا يتنافى من ان الفساد المالي والاداري والسياسة المالية والتي بمجملها سمحت وأتاحت الفرصة أمام النهب المستمر والنزيف المالي للبلاد على مدى عقود من قبل طبقة سياسية فاسدة وأفراد عائلات لبنانية حكمت لبنان منذ خروج المستعمر الفرنسي من البلاد والذي ترك إرثا طائفيا ومذهبيا ضمن في الدستور اللبناني والذي ما زال لبنان يعاني من أثره لغاية هذه الساعة.

ما صرح به فيلتمان مؤخرا أمام لجنة السياسة الخارجية في الكونغرس الامريكي نراه متناغما مع تصريحات الشيخ الحريري الذي يشغل منصب رئيس حكومة تصريف الاعمال حاليا بعد ان قدم استقالته “الفجائية” بعد ان صدرت أوامر لإقليمية له بذلك على امل ان يؤدي ذلك الى خلق الفوضى العارمة في لبنان وإغراق البلد في مزيد من المشاكل الاقتصادية والامنية وفتح المجال الى تحميل حزب الله مسؤولية فلتان الوضع الاقتصادي والامني لحزب الله. كان الهدف وما زال هو تحجيم حزب الله وسلاح المقاومة إذا لم يتمكن الاعداء المحليين والاقليمين بمساعدة من الولايات المتحدة على القضاء على الحزب ومقاومته وتجريده من السلاح الذي يشكل الضمانة ربما الوحيدة من أجل احباط كل المخططات الصهيو-امريكية على الساحة اللبنانية ومنع الكيان الصهيوني من نهب الثروات النفطية والغاز الطبيعي من المياه الاقليمية اللبنانية.

السيد الحريري يصر على تشكيل حكومة من التكنوقراط وهذا الاقتراح والاصرار عليه ما هو الا وسيلة لاخراج حزب الله من الحكومة. ولا بد ان نطرح السؤال هل السيد الحريري سيكون محسوبا على التكنوقراط؟ وهل الاسماء التي طرحت أو قد تطرح ستكون فعلا من خارج القوى السياسية المعروفة ؟ وهل التكنوقراط تعني ان لا يكون لهؤلاء الوزراء رأيا سياسيا أو إقتصاديا يدعم هذا التوجه أو ذاك؟ التركيبة والمنظومة السياسية في لبنان لن تسمح بتكوين مثل هذه الحكومة ببساطة لانها لن تنال موافقة المجلس النيابي المبني على اسس محاصصة طائفية ومذهبية ولن يتخلى اي فريق عن مكانه ونفوذه في اية حكومة مهما كانت مسمياتها. الاصرار من قبل السيد الحريري على هذا يعني ان الاطراف الاقليمية تريد الابقاء على حالة الشلل التام في لبنان وتراهن على عامل الوقت في تحقيق مآربها السياسية ومأرب مشغلها في البيت الابيض.

والسيد الحريري يطرح نفسه على انه الضامن الوحيد للحصول على مساعدات وقروض من صندوق البنك الدولي “للنهوض” الاقتصادي في لبنان. الا يتناغم ذلك مع تصريحات فيلتمان من أن حشد الدعم الاقتصادي للبنان مرهون بالقرارات التي ستتخذ بشأن تشكيل الحكومة المقبلة؟

من لديه معلومة على ان دخول صندوق البنك الدولي على خط “مساعدة” الدول النامية او المتخلفة أو دول العالم الثالث سمها ما شئت قد ادى الى النمو الاقتصادي في البلد المعني لصالح الجماهير الفقيرة ومنع الفساد المالي والاداري وحقق نوع من الرفاهية والعيش الكريم لغالبية الناس أو على الاقل اعطى الامل في تحقيق ذلك فليقدم لنا هذه المعلومة. الوقائع على الارض تشهد بغير ذلك كلية وفشروط البنك الدولي تستدعي قبل تقديم الدعم والقروض التحكم في المسار الاقتصادي للبلد المعني والذي اولها رفع الدعم الحكومي عن السلع الاساسية للطبقات الفقيرة وفتح البلاد الى الاستثمارات الاجنبية ودخول شركات الدول الغربية دون قيود على نشاطاتها الاقتصادية. بإختصار إعطاء الترخيص الرسمي بنهب البلاد وجعل الفقير اكثر فقرا والغني أكثر غناء وخلق طبقة سياسية محلية منتفعة وفاسدة ومتحكمة ومتساهلة ومشاركة في نهب البلد. ألم تؤدي السياسات المالية والاقتصادية التي فرضت على لبنان لعقود من قبل صندوق النقد الدولي الى ما وصلنا اليه اليوم؟ ومن هي الدولة التي تتحكم في صندوق النقد الدولي وقراراته؟ اليست هي الولايات المتحدة؟ والمتابع لتقديم “المساعدات” الامريكية للدول يرى بكل وضوح إرتباط هذه المعونات والمساعدات بمدى ارتباط الدول المعنية بتنفيذ السياسات والاستراتيجية الامريكية السياسية والعسكرية والاقتصادية.

الاقتصاد اللبناني وخاصة القطاع الزراعي والصناعي قد تضرر الى حد كبير من الحرب الكونية التي شنت على سوريا والتي شكلت المنفذ البري والرئة الاقتصادية للبضائع اللبنانية, هذا الى جانب إصرار رئيس الوزراء الحريري على عدم إقامة اية علاقات مع الجانب السوري حتى بعد ان هدأ الوضع نسبيا في سوريا وفتحت إمكانية تسهيل خروج البضائع اللبنانية دون مشاكل عن طريق الحدود السورية. وطبعا هذا كله كان وما زال خاضعا لضغوط إقليمية ودولية والسؤال لماذا هذا الانصياع لمشيئة الخارج والضرب بعرض الحائط المصالح الاقتصادية اللبنانية؟ والاقتصاد اللبناني تضرر أيضا من وجود عدد كبير من النازحين السوريين على أرضه والسيد الحريري وغيره من القوى اللبنانية تشتكي من هذا الوجود وتكلفته على الخزينة اللبنانية وتذهب ” للشحدة” من هنا وهناك أو لزيادة الاعباء على الخزين اللبنانية بأخذ القروض. والمصيبة انه بدلا من التفاهم مع الحكومة السورية للعمل على رجوع القسم الاكبر من هؤلاء اللاجئيين والمهجرين من السوريين الى ارض الوطن وخاصة ان هنالك مناطق شاسعة اصبحت تحت سيطرة الدولة السورية، وقف رئيس الوزراء الحريري ضد هذه المحاولات والتفاهم أيضا بضغط إقليمي ودولي الى جانب عداوته للرئيس الاسد ومشاركته في الحرب على سوريا ووعوده التي اطلقها في السابق انه سيعود الى لبنان من البوابة السورية ومن مطار دمشق بالتحديد.

وفي النهاية نود أن نؤكد, أما وقد دخل لبنان وبشكل علني الان على مسرح التجاذبات العالمية والاقليمية ولم يعد الامر يقتصر الان على التحليلات أو التخمينات فإن الحراك المطلبي المحق في لبنان وكذلك القوى السياسية لا بد ان تعلن مواقفها من هذه الرعونة والوقاحة الامريكية وكذلك من مواقف الادوات في المنطقة التي ما فتئت بالتدخل بالشؤون الداخلية في لبنان. إن حماية لبنان من هذه التدخلات السافرة والعلنية مرهون بالدرجة الاولى بالشعب اللبناني قبل قياداته السياسية التي يتماهى بعضها ويرهن مستقبله السياسي على هذه الاطراف الخارجية لأسباب لم تعد خافية على أحد.

 

bahij.sakakini@gmail.com

 

 

شاهد أيضاً

هل سيتكرر سيناريو1982…بقلم الدكتور بهيج سكاكيني

عندما اجتاح جيش الكيان الصهيوني في عمليته “المحدودة” تحت إمرة السفاح شارون آنذاك ووصلت الى …

المحور العربي © كل الحقوق محفوظة 2024