سلط إشهار العلاقات بين الإمارات والكيان الإسرئيلي، مجدّداً، الضوء على الأهداف الحقيقية للحرب على اليمن، مؤكّداً ما أعلنته صنعاء منذ اليوم الأول من أن تلك الأهداف أميركية – إسرائيلية بالدرجة الأولى، يقود عمليةَ تحقيقها، بالنيابة، كلٌّ من السعودية والإمارات. وفيما تُواصل المنابر الخليجية الادّعاء أن غاية العدوان تقويض العلاقة بين حركة «أنصار الله» وإيران أو «قطع يد إيران في اليمن» وفق أدبيات «التحالف»، يَثبت يوماً بعد يوم أن غايات الحرب مُركّبة ومتعدّدة الأبعاد وليست محصورة في جانب واحد.
في هذا السياق، تتكشّف اليوم خلفيات استماتة الإمارات في احتلال جزيرة سقطرى في بحر العرب، وكذلك تصدّرِها الهجوم على مدينة الحديدة على البحر الأحمر، وتحمّلها التكلفة الباهظة لمحاولاتها المتكرّرة (الفاشلة) إسقاط ميناء المدينة عام 2018. إذ تتواتر المعلومات المؤكَّدة حول خطط أميركية – إسرائيلية لاستغلال تلك المواقع الاستراتيجية، بعدما ثَبُت وجود دور لواشنطن وتل أبيب في معارك الساحل الغربي. وفي الإطار المتقدّم، كشف موقع «ساوث فرونت» الأميركي المتخصّص في الأبحاث العسكرية والاستراتيجية اعتزام الإمارات وإسرائيل إنشاء مرافق عسكرية واستخبارية في سقطرى. ونقل الموقع، يوم الجمعة الماضي، عن مصادر عربية وفرنسية لم يُسمّها، أن وفداً ضَمّ ضباطاً إماراتيين وإسرائيليين زار الجزيرة أخيراً، حيث فحص عدّة مواقع يمكن فيها إنشاء المرافق المذكورة.
كذلك، أشارت صحيفة «jforum» الناطقة بالفرنسية إلى أن التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب بدأ يؤتي «ثماراً استراتيجية» بالفعل، عن طريق اليمن. ونقلت الصحيفة عن مصادر يمنية قولها إن إسرائيل والإمارات تقومان بالاستعدادات اللوجستية كافة لإنشاء قواعد استخباراتية لجمع المعلومات في جميع أنحاء خليج عدن، من باب المندب (غرباً) وحتى جزيرة سقطرى (جنوباً). ووفقاً للمصادر اليمنية، فإنّ وفداً مشتركاً من ضباط المخابرات الإسرائيلية والإماراتية وصل أخيراً إلى الجزيرة، حيث قام بفحص مواقع مختلفة للقواعد الاستخباراتية التي سيتمّ إنشاؤها هناك. وفي خلفية ما تَقدّم، اعتبرت صحيفة «وول ستريت جورنال» بدورها، نقلاً عن خبراء، أن جزيرة سقطرى تُعدّ أفضل موقع لضرب المشروع الصيني – الباكستاني – القطري القائم على صياغة أجندة اقتصادية للمنطقة على أساس الاقتصاد الجيولوجي لميناء جوادر الباكستاني، في حين تعارض الهند والإمارات ومن خلفهما الولايات المتحدة الأميركية هذا المشروع، وتحاولان عرقلته.
يُشار هنا إلى أن الإمارات لم تكتفِ باحتلال جزيرة سقطرى، بل اتّخذت العديد من الخطوات الهادفة إلى إلغاء الهوية اليمنية للجزيرة، وفي مقدّمة ذلك منح الجنسية الإماراتية لكلّ الراغبين من «السقطريين» الذين لا يتجاوز عددهم أصلاً عشرات الآلاف، فضلاً عن ربط شبكة اتّصالات الأرخبيل بشبكة الاتصالات الإماراتية (كود إماراتي). وإلى جانب احتلالها سقطرى المطلّة على المحيط الهندي والتي تربط بين باب المندب ومضيق هرمز، تسيطر أبو ظبي أيضاً على أرخبيل حنيش عبر حلفائها من ميليشيا «حرّاس الجمهورية» بقيادة طارق محمد صالح، وجزيرة ميون في قلب باب المندب. كما أنها تمتلك عدّة قواعد في القرن الأفريقي، أبرزها في مدينة عصب الإرتيرية.
ومنذ الأيام الأولى للحرب، ربطت القيادة السياسية في صنعاء بين العدوان على اليمن والمصالح الإسرائيلية في هذا البلد ذي الموقع الاستراتيجي (البري والبحري)، والذي يشكّل مطمعاً كبيراً للكيان العبري، فضلاً عن سعي السعودية الدائم إلى إبقائه تحت وصايتها. ومن هنا، بدا واضحاً أن السياسة الإعلامية في صنعاء والخطاب السياسي هناك تأسّسا على ركيزة الشراكة بين دول العدوان وإسرائيل، بهدف ترسيخ تلك الحقيقة في الوعي الشعبي والنخبوي في اليمن وفي العالم العربي أيضاً. في البداية، قابلت الدعاية السعودية – الإماراتية تلك الأدبيات بالهزء حيناً، وعدم الاكتراث أحياناً أخرى، فيما حرصت إسرائيل على إخفاء بصمتها في مجريات الحرب، لا سيما في مجالَي الاستخبارات ونقل التجربة. لكنها مع ذلك لم تستطع تمويه حضورها المباشر في معارك الساحل الغربي وقدوم ضباطها وقياداتها إلى ميناء المخا، وفق ما تؤكّد المعطيات المتوافرة لدى صنعاء.
على أن التكتّم الذي صاحَب الحضور الإسرائيلي في الحرب على اليمن بدأ يتلاشى منذ العام الماضي، وتحديداً خلال الزيارة التي قام بها وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين إلى تل أبيب في 28 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث اجتمع مع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الذي تحدّث آنذاك، لأوّل مرة، عن التحول الخطير الذي طرأ على قدرات مَن سمّاهم «الحوثيين»، مشيراً إلى أنه بحسب التقديرات الاستخبارية، فإن طهران نصبت بعض الصواريخ في اليمن بهدف المسّ بإسرائيل، وأنها تنوي نصب منظومات مماثلة في العراق وسورية ولبنان. وكانت مجلة «عدكون استراتيجي» التي يصدرها «مركز أبحاث الأمن القومي» الإسرائيلي قد أصدرت دراسة حول اليمن قالت فيها إنه على الرغم من أن تل أبيب ليست لاعباً مركزياً في الحرب الدائرة في هذا البلد، إلّا أن مصالحها ستتأثر بالتحوّلات هناك، على اعتبار أن الحرب تدور بين السعودية التي تُعدّ شريكا «غير رسمي» لإسرائيل في التحالف ضدّ التمدد الإيراني وجماعة «أنصار الله» (الحوثيين). واعتبرت الدراسة التي أعدّها الباحث آرييه سيتمان أن «الحوثيين» باتوا يمثّلون تهديداً لإسرائيل لما يمتلكون من ترسانة صاروخية يمكن أن تطال مناطق داخل الكيان.
(الاخبار اللبنانية)