(هواجسها ومخاوفها من تداعيات تحرير إدلب, دفعتها لإستعجال تأزيم الأوضاع ولقبولها بما كانت ترفضه, ولإستعجال استنساخ الكيان الإسرائيلي شمالا ًوشرقا ًبالنكهة التركية والإنفصالية … ودَعَتها منطقة اّمنة رغم التكريد والتتريك على غرار التهويد … ورأت في إنفصالييها وأردوغانها عكاز بقائها اللاشرعي على الأراضي السورية, والذي رأى نفسه ضامنا ً للحلم العصملي, وراّه السوريون عدوا ًوقحا ًضامنا ً للإرهاب والإحتلال البائد لا محالة .. واعتبروها فرصة لإستلاب السيادة ولإبراز العضلات بالوكالة, لكنهم بَدوا تائهين وربما سيتحولون إلى نادمين وللعفو طالبين… وَيحَكم … فهذه سوريا ربة الحكمة ومنجبة النور والأبطال والحرية والكرامة وليست أرضا ًمشاعا ًلعربدتكم وأوهامكم).
مع غيابٍ كلي للأمم المتحدة والقانون الدولي, يُكشّر الوحش الأمريكي عن أنيابه, ويزحفُ بمشروعه الصهيو-أمريكي إلى سوريا والمنطقة, وهو يحلم بشرق أوسط جديد ومزيف بغير دول وغير شعوب, لكنه وبعد سلسلة الهزائم العسكرية والسياسية التي مُني بها, اختزل مشروعه وأصبح همّه الخروج من سوريا بأقل الخسائر وأكبر المكاسب داخلها وعلى حساب دورها التاريخي والإقليمي والدولي, ولم يغب عن باله, كيفية إحكام قبضته على الحدود بين سوريا والعراق ومنع خط التواصل البري السياسي والإقتصادي والعسكري والإستراتيجي لمحور المقاومة ما بين طهران ودمشق عبر بغداد وصولا ًإلى بيروت والقدس وكافة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة, ومنع مرور خط النفط الإيراني بإتجاه خطوط النفط السوري وموانىء تصديره عبر المتوسط إلى العالم, في وقتٍ لم ولن يغيب عن باله الحفاظ على أمن ووجود الكيان الإسرائيلي الغاصب, الذي بدت فيه عوامل بقائه ووجوده رهانٌ خاسر على محك محور المقاومة… وعليه احتفظ القطب المتهاوي ببعض اّماله عبر إطالة أمد الحرب من خلال ممارسته أعلى الضغوط على الدولة والسيادة السورية, والتطاول على وحدة أراضيها, ليقود مشروع تقسيمها في شرقي الفرات وغربه.
على المقلب التركي ….
ثماني سنوات ولا تزال تركيا هي الأخطر على الدولة السورية, تبعا ًلحدودها الطويلة معها ولحجم إنغماسها في خدمة المهمة القذرة والذي يعادل حجم أطماعها وإجرامها في سوريا.. فمنذ اللحظات الأولى للعدوان التركي-الإرهابي والمباشر على السيادة ووحدة الأراضي السورية, أعلن أردوغان نيته بإقامة منطقة عازلة أو اّمنة مدعومة بقرارٍ أممي أو أمريكي يضمن فيها حظرا ًللطيران السوري وحدودا ًاستعمارية تمنع تقدم الجيش العربي السوري نحوها… فسعى لتهجير أهلها وادعى حيازته على صكوك ملكيتها, وأراد أن يجعل منها منطقة خاضعة لنفوذه, واعتمد على عمالة بعض السوريين ممن باعوا أنفسهم للشيطان… يبدو أن أردوغان مستمرٌ بتصدير أزماته وهزائمه الداخلية, ويحلم بإعادة توحيد الشارع التركي خلف قيادته عبر إثارة مشاعره القومية بمعارك تخوضها الدولة والشعب التركي لأجل إعادة تعويم “السلطان”.
وعلى المقلب الإنفصالي …
فقد بدأت فصول القصة الفعلية في 1722016 عندما أُطلق في مدينة رميلان وبزعامة حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي ما يسمى “وثيقة النظام الإتحادي الديمقراطي الفيدرالي في روج آفا – شمال سوريا”, لإقامة “إدارة حكمٍ ذاتي” في الرقة وعين العرب وعفرين والجزيرة, وكافة الأراضي التي سيطرت عليها ميليشيات “قسد” بدعمٍ مطلق من قوات الإحتلال الأمريكي والفرنسي, وبالتنسيق الكامل مع كافة التنظيمات والمجاميع الإرهابية المتواجدة هناك وعلى رأسها تنظيم “داعش” الإرهابي.
ففي البداية لم يكن السوريون يعرفون الكثير عن مّا سُمى “قوات سورية الديمقراطية” ولا عن أهدافها, لكن الأيام كشفت نوايا مطلقي هذا المشروع المشبوه وأنه لا يعدو أكثر من إدارة توحشٍ جديدة بإدارةٍ مختلفة… يقوم على الطاعة العمياء للسيد الأمريكي, وبإدعاءات محاربة الإرهاب, فقد رأى العالم كله مرور وعبور الإرهابيين وإمداداتهم عبر مناطق سيطرة ميليشيات “قسد”, وكان لهم “شرف” حضور حفلات نقل الدواعش عبر الحوامات الأمريكية إلى غير جبهات, وكانت اّخر المسرحيات معارك الهول والباغوز ونهاية التنظيم في سوريا … لكن الرئيس ترامب تراجع عن إعلان القضاء عليه في اللحظات الأخيرة, ليعود ويعلن عن إمكانية عودة التنظيم, ومؤخرا ً ليعلن رسميا ًعن عودته, لكن الأهم أنه حافظ على ذريعة وجود وتسليح ميليشيات “قسد”, والتي احتفظت بدورها عبر مخاوفها من العدو التركي, وحقها بالدفاع عن نفسها ومناطق “إحتلالها”.
الموقف السوري الرسمي …
وعلى الرغم من إعلان الدولة السورية عن موقفها الرافض لأي مشروع تقسيمي, وتحذيرها لكل من “تسول له نفسه النيل من وحدة أرض وشعب الجمهورية العربية السورية تحت أي عنوان”, وتأكيدها مرارا ً أن “طرح موضوع الإتحاد أو الفيدرالية يشكل مساسا ًبوحدة الأراضي السورية, وأنه “يتناقض مع الدستور والمفاهيم الوطنية والقرارات الدولية” وأنه “لا قيمة ولا أثر قانوني له”.. واعتبرته عملا ًداعما ً للإرهاب وأنه يصب في خانة إضعاف سوريا, وأنها ترى في أي تواجد لا شرعي على أراضيها هو مجرد إحتلال.
لكن هذا لم يُثن قادة الميليشيات الإنفصالية, واستمرت في العمل على تكريس الإنفصال, وأقاموا هياكل الجسم الفيدرالي–التقسيمي, واستولوا على كافة مصادر الثروات المتنوعة على امتداد الشرق السوري, وبنوا بأيدهم القواعد الأمريكية, وحفروا الخنادق حول القواعد الفرنسية, وقاموا بتنفيذ كل ما من شأنه خدمة المشروع الأمريكي-الصهيوني, مستغلين إنشغال الدولة والجيش السوري وحلفائه في دحر الإرهاب جنوب ووسط البلاد.
لقد بالغوا في تقدير قدراتهم وحجمهم في الميدان والمنطقة, واعتقدوا أنهم قادرين على تنفيذ المهمة الأمريكية في الحصار الإقتصادي للدولة والشعب السوري في محاولةٍ لكسر إرادة السوريين, وبقدرتهم على تغيير أوراق اللعبة الدولية, وغاب عن ذهنهم سرعة تخلي أسيادهم عنهم كما فعلوا بغير ميليشيات وغير أدوات … ومن الواضح أنهم أضاعوا جميع الفرص التي منحتهم إياها الدولة السورية, وتجاهلوا الغضب الشعبي وقدرة الدولة والجيش السوري على فرض السيادة السورية, ووضعوا أنفسهم في وجه العاصفة وعليهم تحمل النتائج.
وعلى المقلب الأمريكي …
لم يتوقف تأرجح ولعب الإدارة الأمريكية على الحبلين التركي والإنفصالي, ومضت في استغلالهما إلى أبعد مدى, فقد رفضت المنطقة الاّمنة على مدى ثمان سنوات, ورفضت سحب السلاح الأمريكي من أيدي الإنفصاليين, وحافظت على النقيضين وصاعقي التفجير, فالأتراك يتمسكون بأمنهم القومي وبمنع قيام أي شكل سياسي لكيان كردي لطالما دعاه الرئيس أردوغان بالإرهابي, فيما يمضي الإنفصاليون تحت العباءة الأمريكية بتكرار مخاوفهم من عدوان تركي يجتاح مناطقهم .. من خلال علاقة تكافلية لم يعد بالإمكان إخفائها, ما يدفع للسؤال, هل هم حقا ًعلى خلاف وعداء, وهل ما قبل أسر واحتجاز عبدالله أوجلان يختلف عمّا بعده ؟.
من الواضح أن مطالبة كلا الطرفين التركي والإنفصالي بإنشاء المنطقة الاّمنة, ومن خلال مقارنة ما يتحدثا عنه يتضح أنهما يتفقان على إغتصاب الأرض السورية لكنهما يختلفان حول السيطرة, فأردوغان يريدها مناطق نفوذ تركي ولا يمانع بالإبقاء على مناطق الإدارة الذاتية وبهيمنة المكون الكردي من باب الرشوة, فيما يريدها الإنفصاليين منطقة اّمنة بقرار دولي أو أمريكي تمنحهم أحقية السيطرة عليها وإدارتها.
حقيقة الإتفاق الأمريكي – التركي لإقامة المنطقة الاّمنة …
فبعد لقاءاتٍ مكثفة تم الإعلان عن الإتفاق التركي-الأمريكي لإقامة المنطقة الاّمنة, وعلى إقامة مركز عمليات مشترك بينهما في “شانلي أورفا” أو “غازي عنتاب”, وقد يتوهم البعض بأن مبررات الرفض الأمريكي قد زالت, وزالت معها هواجس ومخاوف الأتراك والإنفصاليين, مع تحوّل الإعلام للحديث عن طول وعمق المنطقة وعن ترتيبات المجال الجوي, ومناطق إنتشار القوات, وتركيبة الدوريات, واّليات إنسحاب القوى الإرهابية بحسب تصنيف كلٍ منهما, وعن قوى الأمن والسيطرة الفعلية على الأرض.
في حين أن الأمريكيين لم يفصحوا عن أيا ًمن تلك النقاط, وفضلوا الحفاظ على منسوب الغموض, وتركوا المجال مفتوحا ً للتوقعات والتكهنات, وربما لإنتظار ردود الأفعال وقبض الثمن من كافة الأطراف بدءأ ًمن الدولة السورية وحلفائها ولكافة الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثرة في المواجهة… في حين تبقى عينها على قطع طريق التقارب التركي–الروسي, وعلى جهود الوساطة والدور الروسي لتقريب وجهات النظر وتقدم الحوار بين الأكراد والدولة السورية.
رؤى عديدة وحقيقة سورية واحدة …
وسط مشاهد الغموض والضباب, هناك من هلل لمنع التحرك التركي العسكري بإتجاه شرق الفرات, وهناك من ادعى وقوع أردوغان في الفخ الأمريكي, ووقوع الإنفصاليين في شباك التجميد الأمريكي تمهيدا ً لبيعهم كالأسماك المجمدة في السوق المحلية والإقليم …
في وقتٍ تراقب فيه واشنطن الإندفاعة السورية–الروسية نحو تطبيق بنود إتفاق سوتشي بالقوة العسكرية, وربما إلى أبعد من ذلك فتحرير إدلب بات متاحا ًومتوقعا ًفي أية لحظة, فترى أردوغان يقف غبيا ًمكتوف الأيدي تحت عباءة الدور الضامن لدولة الإحتلال التركي ومشروعها …
ويحق للبعض الاّخر أن يتحدثوا عن رد فعلٍ أمريكي استباقي لتحرير إدلب عبر التهويل بمشروع التقسيم الخيالي وغير القابل للتحقيق, ويحق للسوريين أن يرونه إتفاقا ًميتا ً قبل أن يولد, فما من قوة في العالم تستطيع منع السوريين من فرض سيطرتهم وسيادتهم على أراضيهم, ولو كلف ذلك خوض المزيد من المعارك, بعدما أثبتوا قوتهم ورباطة جاشهم واستعدادهم لقتال وطرد كل من تجرأ على وطنهم وسيادتهم ووحدة أراضيهم.