يستمر النزيف الاقتصادي والبشري في بلدان المشرق العربي، وتطحن الأزمات المعيشية الخانقة ملايين متزايدة في العراق وسورية ولبنان، وإذا كان الخراب والدمار، بعد جولات الحروب ونيران الحرائق بعد الاحتلال الأجنبي وغزوة التكفير المتواصلة، يعكس الوجه الأبرز لأحداث العشرية الأخيرة، فإننا بتنا في قلب إعصار الخنق الاقتصادي المدبر بالقرار الأميركي الغربي، استكمالا لحصاد التدمير والقتل ولإجهاض مبادرات إعادة البناء والنهوض، لمنع انقلاب ثوري استراتيجي، لاحت بشائره على مساحة المشرق، يؤذن بولادة تكتّل تحرّري، سيقلب المعادلات الكبرى، وينقل المنطقة من جحيم الهلاك إلى نهضة واعدة.
أولا: في كل من العراق وسورية تتواجد بؤر استنزاف وعدوان، تشلّ المنطقة وتمنع انتعاشها الاقتصادي، كما تعترض جدران النار وبؤر الإرهاب طريق التعافي في سورية والعراق، مما يجعل الجهود الوطنية والإقليمية لتصفية بقايا عصابات التكفير والعمالة على الأرض شرطا موجبا للنهضة الاقتصادية الممكنة. فتلك البؤر وحرائقها تقطع أوصال البلدان المعنية وتستنزفها، فتمنع قيامتها وتعافيها، وتلحق بها مزيدا من الخسائر، وترفع كلفة النهوض.
إن تصفية جيوب العدوان على الأرض شرط ضروري لاستعادة السيادة الوطنية التامة على الثروات والأسواق، وإحياء الاقتصاد الوطني، والانطلاق في مسار جذري لإعادة البناء بعد الحروب، والتأسيس لانتعاش وازدهار تلوح بشائرهما إذا توافرت الخطط المناسبة، وتضافرت الجهود في تنفيذها وإزاحة العوائق بالقسوة والحزم المناسبين.
ثانيا: إن حجم الموارد الطبيعية السورية والعراقية هائل وعظيم، وهو قابل للنمو والتعاظم اذا توحّدت جهود هذين البلدين المحوريين في المنطقة العربية. وقد كانت وحدتهما دائما في عين الاستهداف الاستعماري الصهيوني، وكانت مؤامرات منعها خلال نصف القرن الماضي محرّكا لحروب ومؤامرات كبرى، دبّرها الغرب، كلما لاحت مبادرات سياسية في دمشق وبغداد، تتسم بطابع وحدوي شامل أو جزئي، لأن الغرب يدرك، كما العصابات الصهيونية، أن سورية والعراق تجمعان بين القوى الشعبية المنتجة الفتية والثروات النفطية الضخمة والمخزونات الهائلة المكتشفة حديثا والمعتلمة في باطن البوادي والتضاريس الشامية الكبرى.
كما يعرف الغرب، بالدراسات الموثّقة، فرص النهضة الصناعية والزراعية الضخمة، التي يمكن للتكتل السوري العراقي أن يحققها ويبني عليها، خصوصا مع توافر شراكات جديدة، تحرّر مشاريع البناء الاقتصادي الحديث من ابتزاز الاحتكار الغربي واملاءاته، وتوفّر التكنولوجيا والخبرات من مصادر شرقية حليفة وصديقة كإيران والصين وروسيا، تربطها علاقات صداقة وتعاون قديمة في البلدين، مما سيحرّر التعاون من غربة الثقافة واللغة، التي يواجهانها مع الغرب المتغطرس الساعي إلى الهيمنة والنهب والابتزاز السياسي على حساب السيادة الوطنية والكرامة القومية.
ثالثا: ينبغي انتشال هذه الآمال من أرصفة الانتظار السقيم، والمبادرة لتحريكها، عبر مبادرات عملية عاجلة، ندعو الأشقاء في سورية والعراق إلى التحرّك في اتجاهها بسرعة ودون تأخير. وننصح، من موقعنا الأخوي القومي والحريض، بتنحية العوائق والتفكير البراغماتي الواقعي، الذي يقدّم المسائل الاقتصادية والعملية، ويطلق مسارا تنفيذيا للشراكة الواعدة، التي ستكون بشارة سعيدة لأهل بلاد الشام والوطن العربي برمّته.
إن التكتّل السوري – العراقي بروح الأخوة المترفّعة، وبقبول تنوّع واختلاف النظم السياسية بروح التكامل، واعطاء الأولوية للتعاون الاقتصادي والعمل المشترك، سوف يؤمّن قوة اندفاع هائلة، تتكفّل بحصاد ثمار الشراكة والتعاون، وفيضها العميم في البلدين سيتوج بتبلور الكتلة المشرقية الجديدة الواعدة قوميا وإقليميا بشراكات الإنتاج والتنمية، وتطوير الموارد، بما يعزّز قاعدة الاستقلال والازدهار القادم لامحالة، وسيكون الإنجاز التاريخي أهم صروح انتصار وتبلور محور المقاومة والتحرّر، وتحوله إلى منظمة للتعاون والتنمية في المشرق، تقدّم النموذج الملهم للبلاد العربية وسائر بلدان العالم الثالث.