ثمانية أطفال فلسطينيين قضوا نحبهم وهم عائدون من العمل في أحد المستوطنات الإسرائيلية في منطقة الاغوار في فلسطين المحتلة. هذا الحدث المروع والذي يعتصر الألم ليس فقط في قلوب عائلاتهم في قرية عقربة، بل يعتصر قلب كل فلسطيني حر شريف وكل أنسان في بقاع العالم لان هؤلاء الأطفال ذهبوا الى حتفهم في سبيل توفير لقمة العيش ومساعدة اهاليهم. ولا بد لنا من طرح العديد من الأسئلة التي تصرخ في كل وجه مسؤول فيما يسمى بالسلطة الفلسطينية فيما يخص هذا الحادث الأليم وأولها ربما كيف يتم تجنيد هؤلاء الأطفال للعمل من هو الوسيط ومن هو السمسار الذي يعتاش باستخدام عمالة الأطفال ومن الذي سمح بإعطاء التصاريح لهؤلاء الشهداء للوصول الى العمل في مستوطنات الاغوار؟ هؤلاء المجرمين وبغض النظر من هم يجب تقديمهم للمحاكمة وايقاع أكبر عقوبة ممكنة عليهم.
نعم السبب الجوهري في استشهاد هؤلاء الأطفال هو الاحتلال البغيض، ولكن هذا لا ينفي المسؤولية والمسؤولية الكبيرة على من رفع المسؤولية الدولية القانونية والسياسية والاقتصادية لهذا الاحتلال والتي تنص عليها القوانين الدولية فيما يخص البلد المحتل محولا هذا الاحتلال الى أرخص احتلال عرفه التاريخ البشري المعاصر. ليس هذا وحسب، بل وعمل وما زال يعمل على خدمة هذا الاحتلال وتكريس وجوده وحماية امنه وامن قطعان المستوطنين القدامى والجدد واعتبار بان كل هذا امرا مقدس.
المسؤولية تقع على من اعتقد بالوهم انه من الممكن بناء دولة ومؤسساتها تحت بساطير الاحتلال.
المسؤولية تقع على من تأقلموا في العيش في كنف الاحتلال لتحقيق مآرب مادية والعيش ببذخ غير مسبوق يرقى الى فجور وعهر اجتماعي قل نظيره في بلد محتل.
المسؤولية تقع على النخب السياسية التي وصل فسادها المالي حتى بحسب اللجان التي شكلتها مستويات مذهلة.
المسؤولية تقع على كل من قام بنهب الملالين من الدولارات التي تأتي عن طريق الهبات والمساعدات والشحدة بدلا من صرفها في المكان المخصص لصرفها.
المسؤولية تقع على جهابذة السلطة الذي اعتقدوا انه من الممكن بناء اقتصاد وادارته تحت الاحتلال وعملوا على إرساء هذا الوهم ونشره.
المسؤولية تقع على عاتق من يحتجز الأموال المخصصة لدفع أجور العاملين في القطاع العام والعائلات المعدمة والفقيرة مبررا ذلك بعدم وجود أموال كافية. لذلك هذا في الوقت الذي يدفع لوزراء الدولة الوهمية معاشات شهرية تفوق في الكثير من الأحيان معاشات التي تدفع في بلاد ودول متقدمة. هذا الى جانب المكافئات والمنح والامتيازات الفاجرة.
المسؤولية تقع على هؤلاء المجرمين بحق أطفالنا بينما يوفرون عن طريق سرقة الأموال العامة السيارات الفارهة والعيش ببذخ وفجور لأطفالهم على حساب لقمة عيش الأغلبية من أطفالنا ولا يشعرون باي خجل من فعل هذا، بل يذهب بعضهم بالاعتداء على كل من يفضح أعمالهم ولا يترددوا حتى يقتل المعترضين بدم بارد.
المسؤولية تقع على عاتق من لا يلاحقون سماسرة الموت وعمالة الأطفال على وجه الخصوص ولا نستبعد ان يكون لهم حصة من هذه السمسرة فالفساد مس الجانب الاخلاقي والإنساني للعديد منهم. ومن تاجر ويتاجر بصحة الناس من غير المستبعد ان يتاجر بعمالة الأطفال.
دعوة السلطة الى الحداد العام على هؤلاء الشهداء هي دعوة كاذبة يراد منها امتصاص النقمة الجماهيرية على ما حدث ورفع المسؤولية الأخلاقية والسياسية والإنسانية عنها وذر الرماد في العيون.
الرحمة لهؤلاء شهداء لقمة العيش والله يصبر اهاليهم على هذه الفاجعة والمصيبة. والخزي والعار لكل من كان له سببا في حدوثها سواء بشكل مباشر او غير مباشر. ولكن هذا لا يكفي نحن بحاجة الى حركة جماهيرية واسعة متماسكة صلبة لكنس الاحتلال السرطاني وكنس هذه السلطة المارقة وجميع رموزها والمرتبطين بها لتحقيق الحرية والاستقلال والعيش بكرامة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني