مسكينة هي الشعوب العربية التي أخطأت طريقها، بوضع مقاليد أمورها بين أيدي صبية أو متصابي السياسة، من حكام رضع منهم من رضع ثقافة الغرب، وفطم منهم من فطم عليها، وهي التي تتناقض في كثير من سلوكها وقوانينها مع قيمنا الاسلامية، وتسكع منهم من تسكع في ميادين الجهالة بأنفسهم، فعموا وصموا عن معرفة حالهم، وما ينفعها وينفع شعوبهم.
حكام جهلوا دينهم أولا، فلم يبقوا له قاعدة اعتقاد في عقولهم، تنمعهم من الانحراف، وجهلوا أنفسهم ثانيا، فلم يضعوها مواضعها الحقيقية بين شعوبهم، وفوق ذلك نكسوا على أعقابهم الى الغرب، فتلونت سياساتهم بألوانه، فهذا فرنكوفوني فرنسي، وهذا كومنويلث بريطاني، وهذا أمريكي غلب عقله تنمرها واستكبارها، فلم يعد يرى بعينه، سوى موقعها المهيمن على العالم، قد اصطف جميعهم في مواجهة شعوبهم بالمكر والخديعة، دفاعا عن مصالح أسيادهم، بلا أدنى اعتبار لمصالح شعوبهم .
حكام بلا أهلية تعطيهم حق القيادة، جاؤوا بدفع خارجي ليفرضوا علينا سياسات دول استعمارية، تحاول إخفاء تاريخها الاسود، المليء بالجرائم بحق شعوبنا، في عملية يمكن وصفها بتبييض حقبة تاريخية، كانت سببا مباشرا في تخلف شعوبنا، وتثبيت تبعية فئة، اصرّت على مواصلة نهج العمالة لتلك الدول، كأنما سدّت عليها الافاق والمنافذ، فلم يعد لها من سبيل تسلكه، غير هذا الذي رمت شخصياتها في أثره.
معضلة شعوبنا التي لم تتخلص منها الى اليوم، تمثلت في التقصير الذي تبديه تجاه واجب الاهتمام بسياسة بلدانها، في مقابلة الدعوات الغربية الخطيرة، التي استهدفت قيمنا وأضرت بأخلاق مجتمعاتنا، ذلك أن عمليات اخضاعها، طالت كل متعلقات الحياة، بدأ من السيطرة على وسائل الاعلام السمعية والبصرية والمكتوبة، ومنها غزت بيوتنا أوساخ الغرب – دعيّ الحضارة الزائفة- وتفسّخ أخلاق مجتمعاته، المفرطة في تجاهل الدين وقيمه.
خطر المسخ الثقافي بلغ مستوى عال، من تهديد شعوبنا بفقدان هويتها الاسلامية، والبرامج التعليمية لهذه الحكومات العميلة، لا تزال تتجاهل غرس مبادئ وعقائد الاسلام في نفوس الناشئة، وتوجيهها اليها، واعتماد مكارم الاخلاق في حياتها، التي ترشدها الى محاسنها، ليصطبغ ذلك كله بلون الوطنية النافعة، التي تحتاجها مجتمعاتنا وتنتفع بها بلداننا.
تمييع المجتمعات بسياسة الغرب، بواسطة عملائه من حكامنا، وإبعادهم عن قيمهم ومبادئهم هدف لا يزال يسعى اليه صبية السياسة في عالمنا العربي، وينفذونه بالخبث الذي صبغهم به، حيث لا سيطرة على مجتمعاتنا، بغير فصلها عن دينها وقيمه الرفيعة، التي ترفض كل اشكال العمالة مع أعدائها، ومن دون هذا الطريق المنحرف، يصعب على من باع دينه ووطنه، أن يسترسل في طريق تنفيذ خطط الغرب، في الهيمنة على بلداننا، وإبقائها في حال من التبعية والمديونية.
سياسة تعمل على نهب خيراتنا واستنزاف مواردنا، لصالح الدول الغربية الاستعمارية، لتبقي علينا مجرد سوق مستهلك، أو مصدّر لبضائع بمواصفاته المشروطة، وقيمتها المتدنية، مقارنة بالعملة المحلية، بمعنى آخر نبيعهم بالرخص، ونشتري منهم بالغلاء، وهكذا نصل الى حال ميؤوس منها، في النهوض من كبوة العمالة، سيما وأنّ هذا الغرب هو من يتحكم في هؤلاء الصّبية، ويوجههم حيث تقتضي مصالحه، حتى لو كان الامر متعلقا بأمر سيادي لا مجال للمساومة فيه.
الشعوب العربية هي اخر من يعلم بسياسات حكامها، وهؤلاء الذين نصبوا انفسهم وكلاء عليهم، لم يتقيدوا بمصالح شعوبهم، وذهبوا في تجاهلها كل مذهب، حتى أن نزعاتهم تشكلت بما ليس من مطالبها واستحقاقاتها، ولولا صراعاتهم الداخلية – تنافسهم المحموم على مناصب الحكم – لما انكشف من مؤامراتهم شيء.
مؤهلاتهم لا تعني شيئا في عالم السياسة، وابتلاء الشعوب العربية بهم على مر الازمنة مضاعف، اما وعودهم التي قطعوها امام الجماهير وصدقتهم فيها، فقد تحولت الى (سراب بقيعة يحسبه الضمان ماء) قد وضعت في طريق التسويف، إلى أن يلفها النسيان بحجابه.
النّزو على كرسي الحكم عندهم فرصة، إن تمكنوا منها في غفلة وتساهل من الشعوب، بدأوا البحث عن داعم ومثبت لدعائم سلطانهم، ولن يطول بحثهم، طالما انهم ابناء الغرب، ثقافة وعقيدة مظهرا وجوهرا، فاليه قصد السبيل وعليه التّكلان والتأميل، ومن صفة خدام شعوبهم، تحولوا الى خدام اسيادهم حكام الغرب، وجميع أجهزتهم محمياته.
السؤال المطروح اليوم: كيف السبيل لتقويم بوصلة مسيرة شعوبنا، وقد افرط حكامها في الانحراف عما تأمله؟
جوابه: أنه لا سبيل إلى ذلك، دون العودة الى الاصل، واحياء ما اماته ادعياء السياسة الغربية، من ثقافة اسلامية اصيلة، وسطية المبنى، محمدية السيرة، قرآنية الاحكام.
فمتى تستفيق شعوبنا من غفلتها يا ترى؟ أم أن قدرها البقاء في حال من الاعاقة التي لا علاج لها؟ بياعة لدينها وقيمها بسقط المتاع، وقد امرت أن تنأى بنفسها عن الركون الى الدنيا وعبيدها، متجاهلة دورها الأساسي في التغيير، ذلك أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
ولا يمكنني وصف هذه الحالة التي اعترت سيرة حكامنا وشعوبنا بالشاذة والطارئة، ذلك أن محصّل تاريخنا قد صبغ سيرتهم، باستدامة الخضوع والخنوع، الا من رحم ربك.
ويبقى الأمل قائما في شعوبنا، باستفاقة سوف تحصل، في يوم من الأيام تبادر فيه للامساك بزمام أمورها، واختيار قادة أكفّاء من بين أبنائها، يعيدونها الى المسار الصحيح، وينقذونها من مصير تعيس جدا – صنّفهم الآن في آخر ترتيب الامم والشعوب – إن بقوا على حالهم هذه، وهذه مسؤولية النخب العلمية والثقافية، ولا مجال للتنصل منها، مهما كانت المبررات.