يبدو العنوان الذي اطلقه الرئيس الامريكي ترامب على مبادرته، بشان القضية الفلسطينية غائما، لا يعبر في شيء عن حقيقة ما خطط له، واخراجها بعنوان الصفقة المميزة، ووصفها بانها فريدة في صياغتها، وتستحق ان تلقب بصفقة القرن، دعاية مضللة تماما، واستدراج للمغفلين من ساسة العرب والمسلمين، لينضموا الى اطارها، اما العملاء اينما كانوا -وهم كثر للاسف – فان امريكا ليست بحاجة الى استدراجهم، بحكم استجابتهم التلقائية لاي مبادرة تطلقها في اتجاههم مهما كانت سيئة.
صفقة القرن هذه، لم تخرج في ثوبها المعد لها، دون مقدمات سبقت الترويج لها من طرف الامريكيين، فسباق التطبيع الذي انطلق على قدم وساق، قد انخرطت فيه علنا دول الخليج، متهافتة لا تلوي على شيء، كانها تربد ان تتنافس في مدى عمالتها، ومن سيكون لها قصب السبق فيه، هذه الدول العريقة في التبعية والعمالة لامريكا، تريد ان تستدرج الى سقوطها، اكبر عدد ممكن من الدول العربية والاسلامية، حتى تورطها معها، وتكون التبعات والنتائج مشتركة في تحملها. استدراج يتم بالاغراءات المالية والحوافز المتنوعة، لدول غارقة في ازمات اقتصادية، تزداد سوءا بمرور الوقت، وتحتاج الى حلول تنقذها مهما كانت مصادرها، وكيفما كانت اثارها، لشدة اليأس الذي بلغته هذه الدول، من الخروج من نفق ازماتها وانفراج حالها. صفقة القرن التي تريد امريكا كمقدمة لتقبلها، من الدول المعنية بها مباشرة، باعتبارها دول مواجهة، او غير مباشرة بتبنيها للقضية الفلسطينية، ولو معنويا، ان تحول بوصلة العداء المفترض حصولها للكيان الصهيوني، ليصبح موجها الى ايران الاسلامية، وبذلك تنقلب الصورة في منطلق الصفقة، فيصبح الكيان الغاصب للارض الفلسطينية والسورية واللبنانية والمورط في دماء مئات الاف الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، صديقا مقربا للدول العربية، المتهافتة وراء الدعوة الامريكية، وتتحول ايران الاسلامية الى عدو اول، يشكل نظامها خطرا على الامن والاستقرار في المنطقة، وهي الداعم الوحيد المتبقي لحركات المقاومة الفلسطينية، والقائمة الفعلية على حظوظ القضية، بعد تخلي اغلب الدول العربية والاسلامية عنها، ولولا ايران لما بقيت لها باقية تذكر.
من هنا نستطيع ان نستنتج ان المستهدف الاول من هذه الصفقة الامريكية هي ايران، بتشديد العقوبات والحصار عليها لتجفيف مواردها المالية فتعجز عن تقديم ما تعودت على القيام به من دعم لحركات المقاومة في محور المواجهة مع العدو الحقيقي الكيان الصهيوني، اما المستهدف الثاني فهي القضية الفلسطينية نفسها وانهاء وجودها من الاساس فلا تبقى لها بعد الصفقة باقية لتتحول فلسطين بحساب امريكا الى دولة اسرائيل ويوطن الفلسطينيون الرافضون للاندماج في كيان الاحتلال في قسم من سيناء، ويسقط حق العودة للاجئي الشتات، وهذا ما تريد صفقة القرن تحقيقه. صفقة القرن التي اعتبرها الامام الخامنئي في خطابه الاخير يوم عيد الفطر المبارك، خيانة للقضية الفلسطينية والامة الاسلامية، وانها لن تنجح في تحقيق ما يصبو اليه الامريكان والصهاينة، مهما تفننوا في حشد عملائهم وتضليل شعوبهم، طالما ان وراء كل مؤامرة صادرة ارادة اسلامية ايرانية تفشلها. وبقدر نجاح امريكا باسلوب الهيمنة والتحكم في ضعاف النفوس من الدول المشار اليها، واخذهم طوعا او كرها الى الانخراط في صفقتها، بقدر ما نلمس نجاحا مقابلا، في مواجهة هذه الصفقة وافشالها، وقد ظهرت في اسقاط المشروع الارهابي الوهابي التكفيري، في كل من سوريا والعراق ولبنان، والحاق هزيمة ساحقة به، وهو المشروع الامريكي تاسيسا ورعاية، ويعتبر سقوط راية الارهاب من سماء تلك الدول، سقوطا للعلم الامريكي المختفي وراء تلك الراية المشؤومة.
وجود النظام الاسلامي في ايران، وقيامه بدوره في الدفاع عن استحقاقت اشقائه من الشعوب الاسلامية والمستضعفة في العالم، بعثر اوراق امريكا، واربك حساباتها، بل واسقط مشاريعها للهيمنة، واستغلال مقدرات الشعوب، والني تطلق عليها عادة مصالحها في المنطقة، من اجل ذلك كبر الحمق الامريكي على ايران، الى درجة الارباك في المواقف . ان الواجب الاسلامي الذي تقلدته ايران، في دعم حركات المقاومة، والذي عملت السياسة الامريكية المضللة على وصفه بدعم الارهاب، لا ينطلي على بسطاء العقول، فمن دعم حق الشعب الفلسطيني، ووقف بقوة مع مقاوميه، ثم حارب الارهاب بفلوله المتنوعة، وقدم التضحيات الجسام من اجل ذلك، جدير به ان يثنى عليه، بما هو اهله، لا ان تلفق الدعايات ضده، وينظر اليه على اساس انه داعم للارهاب بينما كان دعمه لقضية تحرر الشعب الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني.