تخضع سوريا لعقوبات شديدة من قبل الحكومات الغربية والولايات المتحدة منذ سنوات، وأصبحت هذه العقوبات الآن عقبةً رئيسيةً في تقديم المساعدة لضحايا الزلزال الكبير الأخير.
وتشير الخارطة المنشورة للمناطق المتضررة من الزلزال الكبير الأخير في تركيا وسوريا، إلى أن مركز هذا الزلزال الكبير يبعد أقل من 100 كيلومتر عن الحدود السورية. وفي الجارة الجنوبية لتركيا، تضررت مناطق شمال غرب سوريا بشدة.
في غضون ذلك، تعاني محافظتا إدلب وحلب من أكبر الأضرار في سوريا. حتى قبل سنوات من الزلزال الكبير الأخير، تضررت مدينة حلب بشدة من جراء الحرب الأهلية السورية، وشبّه الكثيرون وجه هذه المدينة خلال الحرب بمدينة ضربها الزلزال، وذلك بسبب الكم الهائل من أنقاض المباني المنهارة. وقد تسبب الزلزال الكبير الأخير في أن تصبح حلب ليس فقط مدينة مزقتها الحرب، ولكن أيضًا مدينة منكوبة بالزلزال في الوقت نفسه.
وأفاد “المونيتور” بأن بعض المناطق الواقعة في أقصى شمال سوريا، بما في ذلك قرية بسنايا الصغيرة على الحدود مع تركيا، قد دمرت بالكامل جراء الزلزال، ولا يزال عدد الضحايا في بعض المناطق النائية غير واضح.
آلاف المنازل في شمال غرب سوريا دمرت، وأعلنت فرق الإغاثة حالة الطوارئ في شمال غرب سوريا. وفي حلب وجميع مدن هذه المحافظة تقريبًا، يقضي الأهالي الليل خارج الأبنية في الطقس البارد، بسبب استمرار الهزات الارتدادية.
سوريا تحمل جروح 12 عاماً من الحرب. حيث تعرضت الطرق والبنية التحتية في البلاد لأضرار بالغة، وتسببت العقوبات الدولية في نقص حاد في الغذاء، وانهيار اقتصادي، وانتشار الأمراض المعدية قبل الزلزال بسنوات. وفي الواقع، كانت سوريا في مرحلة حرجة لسنوات عديدة، والآن لا يستطيع ضحايا الزلزال في هذا البلد تخفيف آلامهم ومعاناتهم.
أزمة تلو أزمة
على الرغم من أن حكومة بشار الأسد تسيطر حاليًا على أجزاء كثيرة من سوريا، إلا أن 12 عامًا من الحرب الأهلية تسببت في قيام مجموعة من المتمردين المسلحين في الشمال الغربي بالسيطرة على أجزاء من هذه المنطقة من سوريا.
ووفقًا لواشنطن بوست، فإن ثلثي السكان السوريين البالغ عددهم 4.5 ملايين نسمة في الشمال الغربي، قد نزحوا قبل سنوات من الزلزال، وفي المنطقة التي يسيطر عليها المتمردون المسلحون في شمال غرب سوريا، هناك أزمة إنسانية مستمرة منذ سنوات.
معظم الأضرار التي سببها الزلزال الكبير الأخير في شمال غرب سوريا، تقع كمنطقة تحت احتلال قوات المتمردين المسلحة. ووفقًا للأمم المتحدة، حتى قبل الزلزال، كان 4.1 ملايين شخص في هذه المناطق بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة. لكن من الصعب للغاية إرسال المساعدات إلى الأشخاص الخاضعين لسيطرة المتمردين المسلحين.
حتى قبل الزلزال، أصرت تركيا على أن إرسال المساعدات الإنسانية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المتمردين التي تدعمها في سوريا، لن يتم إلا بموافقة الجيش التركي، وتركيا سمحت بإرسال المساعدات عبر معبر باب الهوى فقط.
من ناحية أخرى، وحسب تقرير الواشنطن بوست، فإن معظم المساعدات الإنسانية في السنوات الماضية بدلاً من أن تصل إلى عامة الناس، قد ملأت مستودع المتمردين المسلحين.
لذلك، ليس من السهل إرسال مساعدات للمتضررين من الزلزال في المناطق الشمالية الغربية من سوريا، التي يسيطر عليها المتمردون المسلحون، وربما تملأ هذه المساعدات جيوب المتمردين المسلحين بدلاً من الوصول إلى عامة الناس.
ويقول مارك لوكاك، الرئيس السابق للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، إن تركيا التي تركز الآن على مساعدة مواطنيها، قد لا تكون قادرةً على الالتفات إلى الوضع في سوريا. لذلك، يصعب على تركيا التعاون بشكل كافٍ لإرسال مساعدات عبر معابرها الحدودية.
من جهة أخرى، وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تضررت الطرق في شمال غرب سوريا جراء الزلزال بسبب قربها من مركز الزلزال، والطريق الذي يربط مدينة غازي عنتاب التركية بالمعبر السوري غير متوافر حاليًا.
تجاهل الجهات الدولية المانحة
على الرغم من أن الوضع الإنساني في الأجزاء الشمالية من سوريا يواجه أزمات منذ سنوات عديدة، لكن يبدو أن المنظمات الدولية غير الحكومية قلصت مساعداتها بسبب ما يسميه مسؤولو الأمم المتحدة “الإرهاق من الوضع السوري”.
من ناحية أخرى، تسببت الحرب في أوكرانيا في تدفق المساعدات الإنسانية لسوريا واليمن إلى أوكرانيا، وأصبح المواطنون السوريون إحدى ضحايا التطورات في أوكرانيا. وفي الواقع، في ظل الحرب في أوكرانيا، لم يعد الغربيون ينتبهون للوضع الإنساني في سوريا، وعلى مدار العام الماضي تم تهميش سوريا تحت تأثير الحرب في أوكرانيا.
من جهة أخرى، يواجه شمال غرب سوريا، الذي يسيطر عليه المتمردون، قيودًا على الوصول إلى المياه الصالحة للشرب لفترة طويلة، والآن تسبب الزلزال في تدمير الإنترنت والكهرباء في هذه المناطق. وفي هذه الظروف، فإن المعلومات المتعلقة بأوضاع ضحايا الزلزال السوري في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين، قليلة جدًا وبقيود كبيرة.
والحقيقة أن كل الكاميرات تركز على الأوضاع في تركيا، وعدم وجود مرافق اتصال في شمال غرب سوريا، جعل من المستحيل سماع أصوات ضحايا الكارثة السورية في شمال غرب هذا البلد.
العقوبات سيف بتار على ضحايا الزلزال
تعتبر العقوبات الدولية والأمريكية، من أهم الأسباب الأخرى لصعوبة تقديم الإغاثة للمتضررين من الزلزال في تركيا.
تواجه العديد من القطاعات الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية عقوبات أمريكية وأوروبية منذ سنوات. وتتجنب الحكومات الغربية والعديد من منظمات الإغاثة الدولية إرسال مساعدات مباشرة من خلال الحكومة السورية، وغير مستعدة لتقديم الإغاثة والمساعدة للمواطنين السوريين بحجة سيطرة بشار الأسد ووجوده في سوريا.
إن مجموعة العقوبات الأمريكية المعروفة بقانون قيصر، والتي فُرضت على سوريا في عهد إدارة ترامب، تحدّ من إيصال المساعدات الإنسانية للشعب السوري، أو تمنع أنشطة المساعدات الدولية في سوريا.
كما أدى نقص المرافق والمساعدات الدولية في سوريا، إلى قيام المواطنين في المناطق المتضررة بالزلزال بنقل الأنقاض بأيديهم. لأن أدوات إزالة الحطام والآلات المتطورة لا يمكنها دخول سوريا، وحتى واشنطن بوست تعترف بأن الأمريكيين يمنعون المواطنين السوريين من الوصول إلى المعدات اللازمة.
وهکذا، لم تتمكن الحفارات والرافعات الميكانيكية من دخول سوريا منذ سنوات، وأعاقت العقوبات الغربية بشكل كبير دخول معدات البناء هذه إلى سوريا.
وفي هذا السياق، طالب مدير الهلال الأحمر السوري خالد حبوباتي الثلاثاء الماضي بإلغاء العقوبات لمواجهة آثار الزلزال المدمر، وقال إن سوريا بحاجة إلى آليات ثقيلة وسيارات إسعاف وعربات إطفاء لمواصلة عمليات البحث والإنقاذ وإزالة الأنقاض، الأمر الذي يتطلب رفع العقوبات عن سوريا في أسرع وقت ممكن.
وأضاف مدير الهلال الأحمر السوري إن 30 إلى 40 سيارة إسعاف فقط تقدم المساعدة إلى 4 ملايين شخص متضرر من الزلزال في سوريا، وهذا العدد منخفض للغاية.
لكن التجربة أظهرت أن الأمريكيين غير مستعدين لإلغاء أو تعليق عقوباتهم ضد الآخرين حتى في أسوأ الظروف، وبالتالي من الصعب أن نأمل في تحسن أوضاع السكان المنكوبين بالزلزال في سوريا.
المصدر : الوقت